ملحمة التعليم في العهد الزاهر

شهد المنذرية

في يوليو من العام 1970، عندما أشرق فجر النهضة المباركة بقدوم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ليقود عُمان على عجلة "سُنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة"، وينقذها من غرق الجهل إلى شاطئ العلم، ولتنجو أخيرًا بيد شخصه العظيم؛ فالتعليم كان ولا يزال من أهم مرتكزات التنمية وأساسها، وبقي ضمن قائمة أولويات جلالته منذ أن تسلم مقاليد الحكم في البلاد.

لا يغفل علينا أن عمان قبل السبعينيات عاشت مرحلة عصيبة جدًا؛ فالجهل كان المسيطر آنذاك، ولكن بقدوم جلالته الذي أطلق نهضة علمية متوازنة، وتبعها تغيير جذري في حياة الناس الاجتماعية والصحية...وغيرها. ففي العام 1970، بدأت النهضة التعليمية بثلاث مدارس فقط، وجاء عام 1971 ليصل إلى 16 مدرسة تقريبا، وها نحن اليوم في عام 2017 شيدت على أرض عمان آلاف المدارس التي تضم آلاف الطلاب من الجنسين والمعلمين وغيرهم من الهيئات الإدارية والتدريسية. وبعد أن كان التعليم تحت ظلال الأشجار، وفي الكتاتيب، والمساجد وحلقات تحفيظ القرآن...وغيرها، والتي كانت مقتصرة على العلوم الدينية والفقهية، أصبح التعليم اليوم يتم في مبان حديثة مجهزة بكافة الوسائل التعليمية والخدمات الصحية والترفيهية؛ ليعيش الطلاب في جو مفعم بحب الدراسة والتعلم. وإضافة إلى العلوم الدينية، دخلت علوم أخرى في مناهج المدارس الحديثة؛ مثل: الفيزياء، والأحياء، والرياضيات...وغيرها.

نحن اليوم شهود على ما قدم جلالة السلطان من جهود مضنية في مجال التعليم؛ ففي بداية تشكيل حكومة جلالته بدأها بأربعة وزراء، كان من بينهم وزير للتعليم، بعد أن تم إنشاء وزارة للتربية والتعليم، وامتدت خدمات التعليم في ربوع عمان من أدناها إلى أقصاها، واتباع نظام التعليم الأساسي الأكثر تطورًا بعد التعليم العام، وتأسيس وزارة التعليم العالي، ولا ننسى الصرح العلمي الشامخ في السلطنة والذي كان وعدًا من جلالته لأبناء شعبه، وهو إنشاء جامعة السلطان قابوس التي بدأت أعمال البناء فيها عام 1982، وبمرسوم سلطاني سام، حدد بداية الدراسة في الجامعة والتي كانت عام 1986 في خمس كليات؛ هي: كلية التربية، وكلية الطب والعلوم الصحية، وكلية الهندسة، وكلية العلوم الزراعية والبحرية، وكلية العلوم. وبعد ذلك، تم إضافة كلية الحقوق، وكلية التجارة والاقتصاد (التي تحولت مؤخرا إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية)، وكلية الآداب في أعوام مختلفة، وقد تم في تصميم الحرم الجامعي مراعاة الجودة الفائقة والتصميم المعماري الذي يتناسب مع معايير وأهداف التعليم ويدعم الجوانب الترفيهية والثقافية والبشرية للطلاب والهيئات العاملة.

وإضافة إلى ذلك، رحب جلالة السلطان بإنشاء جامعات وكليات خاصة في المناطق الأخرى التي تحتاج إلى مؤسسات تعمل في مضمار التعليم العالي؛ بشرط أن تثبت الجدوى من إنشائها، وأن يكون ما تقدمه من برامج على مستوى من الجودة؛ لكي يؤهل خريجيها للحياة العملية ويضمن لها الاعتراف بشهاداتها محليا ودوليا، وهذا ما حدث فعلًا فيما يخص الجامعات والكليات الخاصة في السلطنة حاليًا.

إن افتتاح هذه الجامعات والكليات الحكومية والخاصة لهو دليل على جهود حثيثة بُذلت على مدى سنوات عديدة، وإيمانًا من جلالته بالدور الذي تقوم به في دعم مسيرة الوطن التعليمية، ومن هذا المنطلق تشرفت الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان بزيارة خاصة من جلالة السلطان المعظم، وذلك في 24 ديسمبر 2012، فأصبحت الجامعة تحتفل سنويًا بهذه الذكرى العظيمة.

وقد ألقى جلالته خطابا ساميا في العام 2006 أمام مجلس عمان، جاء فيه: "يسرنا أيها المواطنون الأعزاء أن نبدي ارتياحنا أيضا لما تم في مجال نشر مظلة التعليم العالي في مناطق متعددة، وذلك من خلال إنشاء الجامعات الخاصة التي تضم كليات مختلفة، تقدم علوما وفنونا متنوعة يحتاج إليها الوطن، وتلقى رواجًا في سوق العمل الذي هو البوتقة النهائية التي تصب فيها كل مخرجات المؤسسات التعليمية". ومن هنا، نقول إن الجامعة الألمانية "جيوتك" واقع عملي يجسد هذا الخطاب؛ إذ عملت على الأخذ بتوصيات جلالته للارتقاء بمستوى التعليم العالي في السلطنة؛ لتكون أكثر تجويدًا أسوة بالجامعات العالمية في مجال التكنولوجيا والعلوم والهندسة.

إن نهضة التعليم في عمان مستمرة بجميع جوانبها، فهي المنطلق الصحيح لبناء نهضة علمية تدفع عجلة التنمية، ويقول جلالته في أحد خطاباته التي ألقاها بجامعة السلطان قابوس: "لقد تابعنا بكل عناية واهتمام مسيرة التعليم بمختلف مستوياتها لأبنائنا وبناتنا، ابتداء من المراحل الأولى وحتى الدراسات العليا، بما فيها البعثات الدراسية الخارجية، وما يؤدونه من أنشطة وبرامج ثقافية وعلمية تعزز بناء قدراتهم وتنمية مواهبهم وإظهار كفاءتهم".

تعليق عبر الفيس بوك