غسل الأدمغة.. وظيفة أهل الفن وشيوخ الفضائيات

أ.د/ إيمان محمد أمين الكيلاني
الجامعة الهاشمية – الأردن


لاشك أن هناك رابط بين قضيتين سأتكلم عنهما اليوم وليس الرابط خيطا رفيعا لا يدركه إلا الخواص وإنما يتجلى في (الإعلام) العروة الجامعة للغث والثمين والسلاح الأمضى الذي قصم ظهر الأمم الهشة.
فأما القضية الأولى التي تسللت إلى بيوتنا وعقول شبابنا فكانت عن (أميّة رسولنا الأكرم محمد) – صلى الله عليه وسلم -   فقد انتشر في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية رأي لشيخ وصف بأنه فاضل، وللآن لا أعرف من هو - أن ثمة خطأ شائعا يعلم للأجيال مفاده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمي لايقرأ ولا يكتب، وفسر الأمية على طريقته، ونفى أن يكون صلى الله عليه وسلم أميا؛ لأنه قرشي، وقريش كانت متحضرة وتعلم أولادها القراءة والكتابة انتهى ملخص رأيه.
أرد على الشيخ الفاضل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمي لايقرا ولا يكتب، ولما نزل عليه جبريل للمرة الأولى قال له: ما أنا بقارىء، أي: لا أعرف القراءة، ناهيك عن أن تفصيل هذا الأمر صريحا ورد في سورة العنكبوت في قوله تعالى : " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه  بيمينك إذا لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتو العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون* " الآيتان : 48، 49، وقد اقتضت حكمة الله كما هو واضح من الآيتين الكريمتين أن يكون صلى الله عليه وسلم أميا لايقرا ولا يكتب لئلا يتشكك ويشك المرتابون أنه اختلق القرآن وابتدعه من تلقاء نفسه، أو نقله من الأمم الأخرى، وهو السبب نفسه وراء تبرئته من الشعر في قوله تعالى:" وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين" (يس:69)"
وهو إثبات لأن علمه لدني ربّانيّ يلقاه في صدره، وأنه وحي يوحى لا يخالطه هوى ولا علم دنيوي سابق، ولا إبداع شعري سابق، فقد تنزل عليه الذكر في الأربعين من عمره، ولو كان شاعرا أو قارئا لظهر عليه ذلك في بواكيره.
فليت أن إخواننا من شيوخ وناظرين في أمور الدين يتريثون قبل أن يطلقوا قناعاتهم الخاصة والتي لا تقوم على استقراء دقيق للنص القرآني ، فيضللون الناس بدل أن يهدوهم سواء السبيل.

أما القضية الثانية فهي عن الدور السلبيّ للفن في التأثير على شباب الأمة والناشئة وتحوله من رسالة سامية إلى رأس حربة في العدوان على الأمة وتاريخها وأجيالها.
إن للفن وظيفتين، فهو إما أن يصور الواقع كما هو بإيجابياته وسلبياته تاركا للمتذوق نقده واتخاذ موقف مما يحمله من مغزى، وإما أن يصور أمرا غير موجود وإنما يراد له أن يصبح واقعاً، وذلك من خلال زرعه في اللاوعي الفردي فالجمعي.
 والفن بشتى أشكاله وأنواعه يحمل فكرة، ويؤدي رسالة، ويوجه اﻷمة إلى موقف ما ، وهو وسيلة التغيير في فكر اﻹتسان وتفكيره،.
وقد ابتلينا في زماننا بدخول هذه الرسائل مرئية ومسموعة إلى كل بيت بل إلى كل فرد من خﻻل وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فمثﻻ الرعيل اﻷول من قادة الفسق من الممثلين في اﻷفلام العربية المصرية لم يكونوا مسلمين وعربا، معظمهم يهود وأرمن، وقد قادوا حملة التغيير والتحطيم للقيم والدين رويدا رويداً وقلدوا اﻷفﻻم اﻷجنبية وقع الحافر على الحافر، وظهرت الممثﻻت علىﻷ أنهن عربيات ولكن لبسا وسلوكا ومظهرا وأفكارا أوروبيات، وصرن قدوة لبنات الجيل، وصار مارسم من واقع يراد له أن يكون كائنا فعلا، وصارت بنات اﻷسر العربية ممثلات ، ظهرت مصر في اﻹعلام على أنها بلد الراقصات واﻻنحلال، وأغفلت تماما الهوية الحقيقية للشعب المصري في سواده اﻷعظم وهو التدين والغيرة والعفة، وانتقلت العدوى إلى بقية الدول العربية وأسهم اﻷدب المكتوب في رسم صورة ما يسمى بالمومس الفاضلة" التي على انحرافها تخدم وطنها وترحم وتعطي وتنقذ، مما ترك في اللاوعي صورة مشرقة وأسس لقبولها في المجتمع على أنها تمثل جانبا إنسانيا، وهي محاولة ماكرة لتسخير الفن لقبول الساقطات على أنهن فاضلات، فلم يعد المعيار دينيا وعرفيا اجتماعيا، وأحسب أن ﻻشيء أفسد المجتمع كما فعل اﻹعلام العربي المأجور، فقد أوجد مجتمعا لم يكن موجوداً، وأساء إلى سمعة الشعوب العربية!
فجهرت الفاسقات بالمعصية وافتخرن بالتهتك، وادعين مع ذلك أنهن مؤمنات ، لخلق نموذج مشوه للجيل الجديد، ووصارت الفنانة فنانة، والمتهتكة نجمة، والفاجرة حيية والراقصة أما فاضلة.
والخلاصة :إذا أردنا أن نعيد اﻷجيال القادمة إلى هويتها فيجب االهيمنة على اﻹعلام تمحيص مايقدم في الثقافة بأنواعها من رسائل ،وأن يحافظ على ثوابت اﻷمة وأن يعكس الفن هذه االثوابت ويرسخها في اللاوعي!

تعليق عبر الفيس بوك