الدروس الخصوصية تتجاوز الخطوط الحمراء

عيسى الرواحي

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان "شاهد عيان على واقع الدروس الخصوصيّة" عن ظاهرة الدروس الخصوصيّة في محافظة مسقط تحديدًا، وذلك على لسان أحد المتابعين لهذا الموضوع، وكيف أنّها ظاهرة آخذة في الاستفحال بشكل لا يُبشر بخير بل يُنذر بِشر.

ورغم ما ذكرناه من حقائق مزعجة حول الدروس الخصوصيّة في محافظة مسقط؛ فإنّه يبدو أنَّ هذه الظاهرة في محافظة ظفار أشد استفحالا وأكثر تغلغلا في الواقع التعليمي لأبنائنا الطلاب، وأنّها تجاوزت الخطوط الحمراء، وهذا بلسان المؤسسة التربوية المسؤولة هناك، مما يؤكد أننا بحاجة إلى وقفة جادة حازمة في هذا الشأن.

ففي الأسبوع المنصرم بتأريخ 25 صفر 1438هـ الموافق 14 نوفمبر 2017م صدر تعميم من المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار للتأكيد على منع القيام بالدروس الخصوصيّة، وقد أُعطي التعميم درجة (هام جدّا) جاء نصه "كما تعلمون بالجهود المبذولة من قبل المديرية والذي أخذت على عاتقها التصدي للدروس الخصوصية التي تعد من الممارسات التي تؤثر على أداء المعلم والمستوى التحصيلي لأبنائنا الطلبة. ولقد وردت إلينا العديد من الشكاوى من أولياء الأمور والطلاب بعدم جدية بعض المعلمين في التدريس أثناء الحصة والتأخر الدائم عن الحصّة وعدم إعطاء الطلاب حقهم من المعلومات بغيّة التأثير النفسي على الطلاب لضرورة الالتحاق بركب الدروس الخصوصيّة لديهم مما أثر ذلك سلبا على العملية التعليمية. الأمر الذي يعدُّ مخالفة بنص المادة (103) من قانون الخدمة المدنية الفقرة (أ) و(ب) والمادة (104) الفقرة (ط) حيث تنص الفقرة المواد أعلاه على قيام الموظف بالعمل المختص به، وأن يؤديه بدقة وأمانة، وأن يحافظ على كرامة الوظيفة وأن يسلك في تصرفاته المسلك اللائق، كما حظر على الموظف استغلال وظيفته لتحقيق أغراض شخصية. وعليه وجب التنبيه في حالة التأكد من تقديم الدروس الخصوصية من قِبل أحد أعضاء الهيئات التدريسية فإنَّ المديرية سوف تقوم باتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة التي تستوجب اتخاذها حيال ذلك. كما نرجو من مديري ومديرات المدارس إيلاء هذا الموضوع جلَّ اهتمامكم ومتابعتكم كما عهدنا منكم الحزم في مثل هذه الأمور حفاظا على الرقي بمستوى أبنائنا الطلبة. عليه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه من يقوم بتدريس الدروس الخصوصية ويقصر في أداء واجباته الوظيفية، وتفضلوا بقبول وافر الاحترام والتقدير". (انتهى).

إذن التعميم واضحٌ صريح، ويؤكد أنَّ الدروس الخصوصية هدمٌ وجرمٌ في حق العملية التعليمية، ويتطابق مع ما ذكرناه في مقالاتنا السابقة، بيد أّنّه حمَّل المعلمين المسؤولية الأكبر في هذ الشأن؛ ولعل ذلك ناتج من الواقع المعاش هناك، وهو يختلف من محافظة إلى أخرى، ففي مسقط قد يتحمل ولي الأمر المسؤولية الأكبر، وفي ظفار يبدو أنَّ وليَّ الأمر قد ضاق ذرعًا من هذا الواقع المؤسف، وفي جميع الأحوال فإنَّ النتيجة واحدة.

ورغم أنَّ التعميم قد أورد بعض المواد الضمنية التي تجرم إقامة الدروس الخصوصية؛ فإننا وللأسف البالغ لا نجد مادة صريحة ثابتة وإجراء قانونيا واضحًا من قِبل وزارة التربية والتعليم حيال هذا الموضوع، وهذا ما أكّده لي أحد المعنيين بالأمر بوزارة التربية والتعليم الذي أوضح بأنّه لا توجد مادة قانونية واضحة وإنّما فقط ما ورد في قوانين الخدمة المدنية، ولعلّها هي التي تمّ الإشارة إليها في التعميم الوارد.

وحسب وجهة نظري فإنَّ وزارة التربية والتعليم تتحمل سببين رئيسين أو أمرين مهمين في تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصيّة في بعض المحافظات، يتمثل الأمر الأول في زيادة أعداد المعلمين غير العمانيين العاملين في السلك التربوي، فمما لا يخفى على أحد أنَّ الدروس الخصوصيّة هي التجارة الرائجة والسلعة الرابحة للمعلمين غير العمانيين ومن النادر جدا أن تجد معلمًا عمانيا يسلك هذا المسلك. والأمر الثاني هو غياب الإجراءات القانونية الرادعة والتجريم الصريح للدروس الخصوصية من قِبل الوزارة، وعليه فإنَّ على وزارة التربية والتعليم أن تتدارك الأمر قبل زيادة تفاقمه، وألا تقف موقف المتفرج في هذا الموضوع، أو تكتفي بالحالات التي تصل إليها من جراء التهاون والتقصير في أداء أمانة التدريس، وإنما ينبغي أن تتخذ كافة الإجراءات والوسائل للقضاء على هذه الظاهرة.

ولا ريب أنّه إذا استمر الحال على وضعه دون اتخاذ اللازم من قِبل وزارتنا الموقرة، فإنَّ ما يحدث اليوم في محافظة ظفار ومسقط سيحدث غدًا في محافظات أخرى، ويتفاقم الأمر إلى درجة قد يصعب تداركها!

ختاما.. فإنّه حق وواجب أن نزجي الشكر والعرفان إلى الدكتور الوليد بن سعيد الهنائي المدير العام للمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة ظفار على التعميم الصادر (18/2017) تجاه محاربة الدروس الخصوصيّة دون أن ينتظر تعميمًا أو قرارًا وزاريا بذلك، راجين له التوفيق والسداد في القضاء على هذه الظاهرة التي تحتاج إلى تضافر كافة الجهود، ليس في ظفار فحسب، وإنما في أنحاء هذا الوطن العزيز.. والله المستعان.