مبادئ الديمقراطية المعاصرة (1)

د. طلال الحسني

تمثل مشكلة التوفيق بين مقتضيات الحياة الفردية التي توجب تمتع الأفراد بقدر كاف من الحرية وبين ضرورات الحياة الاجتماعية التي تستلزم تزويد الحكومة بقدر لازم من السلطة بهدف تنظيم شؤون الجماعة وضمان حقوق الأفراد، المشكلة الأساسية التي تحاول كل أنظمة الحكم في العالم أن تضع لها الحلول المناسبة، والإنسان منذ وجد يتصف بالصفتين الفردية والاجتماعية معا.

فالإنسان كفرد له ذاتيته أو شخصيته المستقلة وله أفكاره واتجاهاته، وله أهدافه في الحياة يحددها بمحض إرادته واختياره، وله أعماله التي يقدم عليها ويسأل عنها في الدنيا والآخرة يوم يؤتى كتابه.

والإنسان يولد فردا ويموت فردا ويعود إلى ربه يوم القيامة فردا ليكون بما كسب رهينا، ويقول الله تعالي للناس يوم الحشر "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" والإنسان كعضو في جماعة لا يستطيع أن يعيش بمعزل عنها، فهو محتاج ومضطر إلى العيش في جماعة منذ أن يولد ويستمر كذلك حتى الموت، فقد خلق الله الناس أمما وجماعات، وشعوبا وقبائل، فيقول سبحانه وتعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير".

وقد استلزمت ظروف الحياة الحديثة بما انطوت عليه من مشاكل وأزمات متعددة إلى ضرورة زيادة تدخل الحكومات في حياة الأفراد مما اتسع مجال نشاطها، بعد أن كان في الماضي مقصورًا على مجرد حفظ الأمن من جهتي الداخل والخارج وتقديم بعض الخدمات الضرورية التي يعجز الأفراد عن القيام بها بأنفسهم.

وأصبح تدخل الحكومات في مختلف الدول في المجالين الاقتصادي والاجتماعي من الأمور العادية المألوفة بل واللازمة في كل دولة وإن اختلفت نظم الحكم أو الأنظمة السياسية في العالم في مدى تدخل السلطة بحسب ظروف وطبيعة وعادات وتقاليد كل دولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وبحسب كذلك نوع الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقوم عليها النظام السياسي في كل دولة.

ومن هنا تحاول الأنظمة السياسية في العالم المعاصر إقامة التوازن والتوفيق بين السلطة والحرية التي يجب أن يتمتع بها الأفراد، وذلك تحقيقا للنظام والعدل والخير العام في المجتمع الواحد. فالتنظيم السياسي في العالم المعاصر ليس إلا وسيلة لإقامة وتسيير أجهزة كل دولة بما من شأنه تحقيق خير الجماعة وصلاحهم.

وقد اكتفت الشريعة الغراء في مجال نظام الحكم في الدولة الإسلامية بوضع مجموعة من الأحكام الأساسية أو المبادئ العامة الجوهرية التي يجب احترامها والحفاظ عليها في أي نظام حكم يراد له أن يكون نظاما إسلاميا.

ولعلّ أهم هذه المبادئ مبدأ سيادة القانون ومبدأ الشورى في الحكم ومبدأ المساواة ومبدأ الحرية بتطبيقاته المتعددة ومبدأ العدالة ومبدأ التعاون على الخير من أجل صالح الجماعة أي تغليب المصلحة العامة على الخاصة.

فلم يضع الإسلام نظام حكم معين بصورة مفصلة تسمح بإدخاله ضمن أحد أنواع أنظمة الحكم الوضعية في العالم المعاصر، وقد أراد الله سبحانه وتعالى بذلك لأحكام الشريعة الإسلامية أن تبقى صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة مهما حدث من تطور في ظروف الحياة أو تغير في أحوال الناس وذلك لأنّها خاتمة الرسالات السماوية؛ كتب الله لها البقاء ما بقيت الدنيا، وقد شاء المولى جلت قدرته ألا يضيق على الناس أو يوقعهم في الحرج بان يفرض عليهم أنظمة حكم بعينها قد يشق عليهم تطبيقها في بعض الظروف.

هكذا على ضوء التطورات في هذا العالم يختلف الأخذ بالديمقراطية بحسب زمن وظروف وطبيعة وعادات وأعراف كل دولة، وهكذا على ضوء الواقع يحاول أصحاب القرار بأنظمة الحكم السياسية في كل دولة ديمقراطية تطبيقها بقدر من السمو والنجاح مع الحاجة للتغيير مجاراة للتطورات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى الأفضل.

تعليق عبر الفيس بوك