نوفمبر ميلاد شعبنا وتأسيس نهضتنا وذاكرة وطننا

 

د. أحمد المعشني

ارفع رأسك في سماء عمان عاليا؛ مفتخرا بما تحقق على أرضها واحتفل بميلاد نهضة عمان إيذانا بانتهاء حقب التخلف والتفكك والانقسام، فاليوم بلادنا تحتفل بمضي نصف قرن من ميلاد نهضتها على جميع الأصعدة وبكل ما تحقق على ترابها من نتاج وطني وهذا ليس معناه أن كل شيء اكتمل ونتوقف، ولكن نترجم هذا الاحتفال بفكر راقٍ حضاري معاً نحو أول انطلاقة شقت طريقها نحو مسارها الصحيح، وكل ما تحقق على أرضنا من المنجزات كان غائبًا لقرون عن ساحاتنا ومستحيلاً وفوق ما نتصور وفوق ما نتمنى وفوق الواقع والخيال مائة مرة!.

ولنُقدر الإنجاز لأنه ملك الشعب وثروة وطننا المقدس بعد حرب مع الظلام والتفكك والانقسام، اليوم جاء نوفمبر بسخاء المكرمات أو لفتة سامية ليستكمل دورته ويجدد محطاته ويؤكد للعالم أننا حققنا المستحيل، وهذا من فضل ربنا، الذي يجعلنا نستزيد أكثر ونطمح بالخيال ونطمع بالمزيد ونتقدم بسرعة مذهلة بعزيمة هائلة واقتدار لنحطم السلاسل والقيود التي تقف أمام نهضتنا. وعلى الناشئ أن يتساءل كيف ولدت النهضة وكيف قامت وكيف تحققت؟ ونحن نجيب بكل فخر واعتزاز ونقول النهضة قامت على أكتاف رجالات النهضة الذين نكنُّ  لهم التقدير والاحترام على اجتيازهم جميع الملمات بنجاح في الداخل والخارج الشيء الذي لم تواجهه أي دولة في تاريخها المعاصر من التضحيات والكفاح فقامت نهضتنا بصمت ورُزقت الإخلاص، فتحملت وحدها كل التبعات فقاومت لتحرر مستقبلها في محاربة الظلام بقراراتها الصائبة وبحكمتها الخالدة فتحية لشهداء النهضة وتحية لجميع الأسر التي دفعت الثمن غالياً، فهل لهم من لفتة تمسح دموعهم؟

 هنيئاً لعُمان نهضتها الخالدة وطوبى لشعب عمان هذا العطاء وهذا الرضا فقد كانت الطريق أمامها شاقة ولكن بالصبر والجهد والعزيمة والإيمان ومراقبة الضمير وتصحيح النظريات بمفاهيم عصرية تحقق الهدف المنشود، فسر النجاح يبدأ بتصحيح الأغلاط والعثرات لتستقيم الحياة والخطوات فوق أرض صلبة، فتحية لرجالات النهضة الذين رفعوا رأس بلادنا عاليا شامخا كالجبال الشماء والطود العظيم، وأثبتوا للعالم حق الجوار وحق الأخوة ومكانة بلدنا فلم يبهرهم النجاح ولم يهزأوا بالخلق ولم يستهويهم العنف ولم يصفقوا للظلم ولم يزغردوا للطغيان ولم يهللوا للذل.

فاليوم نحن على موعد مع القدر الذي نؤمن به، فقد أزاح الستار وكشف الحقائق بفضل سياسة الحكمة والحراك النهضوي المتجذر عبر التاريخ، فقضى على التخلف والتمزق فحين ندقق النظر في توقيت النهضة ووقوفها أمام الأمواج العاتية والثورات والحركات والحروب في مجتمعات بدائية مفككة متخلّفة فقد كان الثمن باهظًا ورغم ذلك كان التجاوب الأبوي يلبي احتياجات وتطلعات المرحلة، فالحركات الفكرية عبر العقود هي تنبيه للغافلين فالنهضة ميلاد عمان الحديثة ومرحلة جديدة من تاريخنا المعاصر فقد تكونت مع الظروف وتكونت فيها الشخصيات والريادة الاجتماعية والسياسية والإبداع والتجديد والريادة والتغير والحرب مع الظلام.

فقد شاءت الأقدار والظروف معًا أن تتكوّن عوامل النهضة وأدواتها وتؤتي ثمارها وأن يكون كاتب الأسطر واحدا من أفراد هذا الجيل والسؤال الملح هو كيف نفسر معاني هذه النهضة وهذه الظاهرة وبشكل أساسي الشرائح الاجتماعية في مناطق الأرياف المستعرة الملتهبة التي تجاوبت مع الظروف وأصابت أهدافها وتشكل منها هذا الجيل فكان هذا الانتقال والمزج التاريخي وهي صيغة النهضة الوطنية التلاحم الاجتماعي وكانت بحق وثبة نقلتنا من الرفش إلى العرش ومن الفكر إلى العمل فكانت مقصد العائدين من المهجر فالتحقوا بالركب الحضاري.

وكان علينا بهذه الذكرى أن نتدبر مرة أخرى أن النهضة كانت إذعانا لمتطلبات انطلاقة تاريخية جديدة استنهضت دعما سخيا ومقدرا من دول شقيقة وصديقة مباركة لهذا التحول الوطني المبارك العظيم.

فهنيًا لعمان هذه الذكرى وميلاد تأسيس نهضتها وعوامل التحدي والتحديث وما قدمته من حلول جذرية لمشاكل اجتماعية حياتية في مناطق الريف والمدن على السواء وقضايا الربط بين الحرب مع الظلام وتحرير الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك