الأمن المائي

 

عبدالله الغيلاني

يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في الوطن العربي، نظرًا لمحدودية المتاح منها كمياه صالحة للشرب، وطبقاً للمؤشرات التي تفضي إلى أن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنويًّا عن 1000- 2000 متر مكعب، يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية. وبناءً على ذلك، فإن السلطنة تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، والندرة في المياه هذه للأسف الشديدة هي في تفاقم مستمر بسبب زيادة معدلات النمو السكاني؛ حيث يبلغ معدل النمو السكاني الحالي في دول الخليج العربية نحو 3%، الذي يُعَدُّ من أعلى المعدلات في العالم، وكذلك التطور الحضاري وتسارع وتيرة التوسع العمراني، الذي بدوره أسهم في استهلاك المياه بكميات كبيرة جداً في العمليات الصناعية المختلفة، حيث وصلت الزيادة نسبة الطلب على المياه في الخليج العربي خلال العشرة أعوام الأخيرة إلى 140%، وتشكل الزراعي المُسْتَهْلِكَ الأكبر للمياه، وذلك بنسبة تصل إلى أكثر من 85% من إجمالي المياه المستخدمة في هذه دول الخليج العربي.

إن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجديد في الوطن العربي، سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025، بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960، وقد غدا موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة، خاصة وأن أغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها.

وتواجه الدول العربية ودول الخليج بصفة خاصة مأزقاً حقيقيًّا في تأمين مواردها المائية، التي بدأت تشح وتنضب تدريجيًّا؛ حيث شاع في الفترة الأخيرة في الوطن العربي استخدام مصطلحات؛ منها: الأمن المائي، ومفهوم الأمن المائي هو عبارة عن كمية المياه الجيدة والصالحة للاستخدام البشري المُتوافرة بشكلٍ يُلبّي الاحتياجات المختلفة كمًّا ونوعاً، مع ضمان استمرار هذه الكفاية دون تأثير، ويُمكن تحقيق ذلك من خلال حسن استخدام الموارد المتاحة من المياه، وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام، إضافة لتَنمية موارد المياه الحالية، ثمّ البحث عن موارد جديدة.

ويرتبط مفهوم الأمن المائي بمفهوم الأمن الغذائي؛ فكلاهما يؤدي إلى بعضهما البعض، بكون الماء هو في الأساس غذاء، ونقص كميّات المياه الصالحة لاستخدام البَشر يؤدي للإضرار بالأمن الغذائي والأمن القومي للدّول نتيجة اعتِماد الأفراد والمؤسّسات على المِياه في جميع الأعمَال.

ويَكْمُن الحل في وجود إستراتيجية واضحة في مواجهة تحديات الأمن المائي، والمعارف العلمية للمساعدة على إدارة موارد المائية المتوفرة بطريقة علمية مستدامة. ومِن طُرق المُحافظة على المِياه المتاحة: البحث عن مصادر أخرى توفر المياه وتحقيق الأمن المائي، ويكون بتطبيق بعض الإستراتيجيات؛ منها: التوعية الفعالة بأهميّة المحافظة على الموارد المحدودة من المياه، وإطْلاع المواطنين على نسبة توافرها والكميّات الصالحة للاستخدام البشري من المياه. ويعد هدر المياه من المعضلات الجسام في سبيل الوصول إلى أمن مائي؛ حيث يزيد معدل استهلاك الفرد للمياه في دول الخليج العربي بثلاثة أضعاف الفرد في بعض الدول المتقدمة؛ حيث يصل هذا الاستهلاك على المستوى الفرد إلى 634.2 متر مكعب للفرد في السنة، وأيضا إقامة المشاريع الكبرى التي تقوم بتحلية مياه البحر واستخدامها لغايات الشرب وأغراض الصّناعة المختلفة، وهذا فعلاً ما تقوم به الحكومة، وهذه الطريقة مكلفة ومستنزفة للطاقة حيث تستهلك من 10 إلى 30% من إنتاج النفط في دول الخليج العربي للتوليد المشترك للطاقة ومحطات تحلية المياه، وتستخدم في الغالب لسد احتياجات السكان لمياه الشرب. ومن ضمن الإستراتيجيات أيضًا: بناء السدود والخزانات المائية الاحتياطية، ولنا في مشروع سد وادي ضيقة المثل الأعلى الذي يجب الاحتذاء به.

ولنعلم أننا في السلطنة مهددون بنقص المياه، مثلنا مثل غيرنا في هذا العالم بحكم وجودنا في مناطق ذات ندرة وشح في المياه الصالحة للاستخدام البشري أو الزراعي، ويعود ذلك أيضاء إلى سيادة المناخ الجاف وشبه الجاف في أغلب أنحاء الوطن العربي، والهدر غير المسؤول وغياب الإستراتيجية الواضحة في إدارة المتاح من الموارد المائية، كان لزاماً علينا أن نعطي هذا الموضوع أهمية خاصة وعلى كل الأصعدة، بهدف الوصول وبسرعة لفهم أفضل للتهديدات المحدقة بإمدادات المياه.

 

* باحث عُماني في الجوانب المائية

تعليق عبر الفيس بوك