شيْطنة الطلاق!!

راشد الغافري

قبل عدة أسابيع نشرت بعض الصحف المحلية إحصائية تكاد تكون مخيفة عن عدد حالات الطلاق في مجتمعنا، وتلقف رواد وسائل التواصل المجتمعي هذه الإحصائية فأُشبعت حوارات وتعليقات ومناقشات، كما تفاعل معها بعض كتاب المقالات في صحفنا فأدلوا بدلوهم فيها، وذلك كله يمثل إشارة هامة حول أهمية هذه الإحصائية ومدى ملامستها لواقع الأُسر في المجتمع العماني.

 

نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة نظرتنا المجتمعية تجاه الطلاق والمطلقين، وذلك للأخذ بهم إلى مسار يعيد لهم حياتهم التي أرهقتها الخلافات وقلة التفاهمات وكثرة الاضطهادات، فمن يدري ربما فتح هذا الطلاق أبواب الخير على الطرفين من حيث لا يحتسبان، فالله عزوجل الذي شرع لنا الطلاق حتى وإن كان على كُره هو الذي يُخبرنا أيضا بأن بعض الذي نكرهه قد يكون فيه خيرا كثيرا.

 

أمّا أن ندفن المطلقين والمطلقات في نظرة سلبية مقيتة ونحكم على حياتهم بالفناء والفشل والخسارة فذلك ليس من الدين في شيء، وهو بالتأكيد أكثر سلبية على المجتمع من الطلاق نفسه!!

 

لأن الطلاق تشريع رباني تُرتجى حكمته وإيجابيته، ونظرتنا السلبية هي من تشريعنا الوضعي الذي لا يُرتجى منه خيرا، وهو على تلك الصورة والتي أدت إلى كثير من الانحرافات والكثير من الجرائم والكثير من الظلم.

 

وكي نستقيم في ذلك فلنجعل من القرآن وحياة المصطفى نبراسا لحياتنا، ففي القرآن الكريم يصف الله عزوجل لنا حالة طلاق زيد بن حارثة وزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من تلك المطلقة، وبغض النظر عن حكمة ذلك الطلاق والزواج المتعلقة بالتبني، فإن الخير قد حصل لجميع الأطراف من ذلك الطلاق، فالمُطلقة التي كانت على ذمة صحابيّ ارتقت لتُصبح زوجة لنبيّ، والمُطلق الذي هو زيد قد بارك الله في حياته بنيله الشهادة في مؤتة، وبارك في ابنه أسامة بقيادته لجيوش المسلمين بتكليف من رسول الله.

نعم نحن مجتمع لا يُحبّذ أن يتفشى الطلاق بين أسره وأبنائه، ولكن بالمقابل إن حدث ذلك دون تدليس أو تلاعب فهو أمر صحيّ وهو تشريع ربانيّ لابد منه، ولا يجب أن تكون النظرة إليه بسلبية مطلقة بل يجب أن يتم التعامل معه بالعمل على وضع برنامج تثقيفي لما بعد الطلاق أسوة بما ينادي به البعض من وضع برنامج تثقيفي لما قبل الزواج.

البرنامج الذي نعنيه هنا يهدف إلى إزالة آثار السلبية المقيته تجاههم، والأخذ بهم إلى حياة جديدة يغلفها إصرار التحدي بحتميّة النجاح بعد تجربة قد تكون قاسية ومريرة على البعض، فمن يدري ربما كان في بعض الطلاق حياةً للمُطلَّقين إذا ما أحسنا الأخذ بيدهم وعدلنا من نظرتنا إليهم!!

أما أولئك المُصرّون على استمرار الزواج في ظل المشاحنات والاضطهادات والظلم الذي يوقعه طرفا الزواج على بعضهما بسبب النظرة السلبية للطلاق والتي شُرّبتْ للمجتمع، فنقول لهم: إنما أنتم تتسببون في استمراء الظلم الحاصل على الزوج أو الزوجة، وتدفعون بهم إلى جرائم فظيعة في سوئها، وآثارها السلبية قد تتفوق على آثار الطلاق التي ترددونها على ألسنتكم ليل نهار، ومثل هذه الجرائم بارزة للعيان في ديانات حرّمت الطلاق، ثم بدأت بالتحايل عليه بالطلاق المدني لتدرأ عن مجتمعاتها خطر تلك الجرائم التي تفشت بين الأزواج.

ومن أسوأ ما أنتجته النظرة السلبية للطلاق هي العداوات التي وقعت بين أُسر الطرفين، والتي أدت إلى خصومات ومقاطعات بينهم.

إن الزواج الذي قال الله عنه أنه مودة ورحمة بين الزوجين فإن تلك المودة وتلك الرحمة لا يجب أن تختفي بعد الطلاق بينهما أو بين أسرتيهما، فالرحمة والمودة مطلب إنساني وخلق حضاري قبل أي شيء، والذي طالب الزوج بإمساك بمعروف هو ذاته الذي يطالبه بتسريح بإحسان بعيدا عن الخصومات والعداءات، وربما كان مصطلح الإحسان الذي أتى مع الطلاق أكثر شأنا من مصطلحات المعروف والمودة والرحمة التي رافقت الزواج.

 

آمل أن لا يُفهم هذا المقال بالمقلوب كما قُلِبتْ حياة المطلقين رأسا على عقب، فإن كثيرا من بلاوي مجتمعنا ومشاكله إنما مردها لفهم خاطئ لتشريع رحيم.

نختم هذا المقال بالقول أليس الله هو القائل:

(... أحل لكم الطيبات وحرم عليكم الخبائث...) الآية 4 سورة المائدة.. فكيف يصنف الطلاق هنا في ظل تحريم الله للخبائث وتحليله للطيبات؟!

فإن وجد القارئ الإجابة في قلبه فلينظر إلى تشريعات الله بإيجابية وليترك عنه تلك السلبية التي لم تأت على مجتمعنا بخير.

تعليق عبر الفيس بوك