لتجاوز الأزمة.. نحتاج برامج تنشيط اقتصادي

حمود الطوقي

في ظل اعتماد السلطنة على النفط -باعتباره المصدر الأساسي الذي تمثل تدفقاته عمودا فقريا لصناعة التنمية المحلية- فقد شكل هبوطه منذ ثلاثة أعوام تداعيات نشأت عنها فجوة كبيرة، انعكست أبعادها على تفاصيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط في السلطنة، بل على مستوى دول المنطقة؛ مما نشأ عنه ما يمكن أن نطلق عليه "الانكماش الاقتصادي".

يهمنا هنا وضعنا الاقتصادي المحلي الذي يحتاج منا جميعا -الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني- أن نتكاتف ونعمل جنبا إلى جنب بطرح أفكار ابداعية وخلاقة تسهم في رفد الاقتصاد، ويجب أن ندرك أن هناك حاجة للبحث عن برامج ومناشط تعجل سرعة العجلة؛ فيجب على كل القطاعات أن تنشط حتى نشعر أن تأثيرات الأزمة الاقتصادية بسيطة وبطيئة.

يُدرك من لديه تجارة أو صاحب أعمال أن الأزمة الاقتصادية الخانقة قد أثرت على مشروعه، واضطر إلى أن يهجر عالم التجارة والاستثمار، باحثا عن ضالة جديدة تحميه من تداعيات الأزمة الاقتصادية، عندما تزور مجمعاتنا الاقتصادية تدرك أن الأزمة ألقت بظلالها على المحلات والمتسوقين، وأصبحت المحلات تترقب أي طارق يطرق أبوابها لكي يسهم في شراء ولو شيء بسيط يكون عونا له لدفع الإيجار المرتفع ورواتب العاملين والموظفين.

هذا مثال بسيط، وقس على ذلك بقية الأنشطة التجارية والاستثمارية، التي تعاني من ركود فعلي بسبب هذه الازمة.

وكمتابع للوضع الحالي، أقترح ونحن نقترب من العام 2018 أن تتكاتف وتتشابك الأيادي للبحث عن حلول تخفِّف وطأة هذه الأزمة، وأن نرى الحراك الاقتصادي قد طال كل الأنشطة، خاصة تلك الاستثمارية المتجددة، فهناك حاجة لأن نفعل مركز عمان للمعارض والمؤتمرات؛ بحيث لا يمر علينا يوم إلا ونرى نشاطا بارزا في هذا المركز؛ وعلى القائمين تشجيع الشركات لكي تقوم بدورها في هذا الحانب، كما يتطلب من الشركات السياحية أن تنشط في جذب أفواج من السياح من خلال منحهم حزما سياحية مشجعة تسهم في تنشيط البلد.

ومن المشكلات التي يعاني منها اقتصادنا أيضًا: ضعف القوة الشرائية، واعتمادنا على الجنسيات الآسيوية التي تمثل السواد الأعظم، وهذه الحنسيات لا تصرف ولا تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد؛ لذا علينا أن نفتح المجال ونقدم تسهيلات للجنسيات الأخرى للعمل في البلاد، وقد يكون ذلك جزءا من الحل في تحريك الاقتصاد، خاصة إذا ما كانت العجلة تدور ببطء، مخلفةً وراءها تأثيرات طالت مختلف الطبقات في المجتمع، انعكست على مختلف مفاصل الحياة اليومية؛ فتأثرت الشركات بمختلف أحجامها -الكبيرة والعائلية- وحتى تلك التي تندرج تحت عباءة الحكومة، وأيضا الصغيرة والمتوسطة، التي أُريد لها أن تكون سندا يشد أزر حكومتنا في المضي بعجلة التنمية نحو الأمام بكل ثبات.

ومن خلال قراءتنا لأسباب هذا الانكماش، ندرك أنه من الضروري أن نؤمن بأن القطاع الخاص الذي أريد له أم يكون شريكا إستراتيجيا للحكومة، يحتاج أن تسند إليه المناقصات الحكومية، بغض النظر عن قيمتها المالية. وفي الوقت ذاته، فإنَّ القطاع الخاص مطالب بأن يكون أكثر ابتكارا في طرح المشاريع ذات القيمة المضافة، وبأسلوب ابتكاري غير تقليدي، ولكن في ظل تقلص التدفقات النقدية، ونقصان الوفورات المالية في الحكومة، وتوقف العديد من المشاريع دون اكتمالها؛ فهذه الحالة الانكماشية أصابت القطاع الخاص بموت بطيء، وانعكس هذا على دوره الضخم المأمول، فصارت الشركات، بالكاد تجد قوت شهرها، لكي تدفع التزاماتها من الرواتب والمصروفات الرئيسية، وفي الوقت ذاته، قامت شركات أخرى بالانسحاب؛ مما أوقع الضرر على من ينتمون لتلك الشركات.

إن غياب الرؤية الجاذبة للاستمار، وسيطرة شركات بعينها على المناقصات، واستمرار البيروقراطية في بعض المؤسسات، أدى لتراجع ملموس في أداء القطاع الخاص.

والسؤال المطروح: هل هذا الوضع سيستمر، أم علينا أن نبحث عن حلول فعلية أتي بها برنامج "تنفيذ"؟

نُجزم يقينا بأن هناك سلوكيات في مراحل سابقة، بعضها متصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية، التي يمكن أن نطلق عليها "فساد إداري"؛ كونه متصلا بالمصالح التي تزكي فقط، ولا تأخذ الجودة مقياسا ومعيارا، وهذا نشأ عنه تأثير سلبي على متانة الاقتصاد وسياقاته التي من الضروري أن تكون مستعدة للتعامل مع أي أزمة تنشأ، فضلا عن الاعتماد المباشر من جانب القطاع الخاص على القطاع الحكومي، الذي يفتقد خططه واستقلاليته والتزامه بالتنافسية البينية في القطاع ذاته.

وأخير.. يُمكننا التأكيد على أهمية تفعيل مستوى الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهناك حاجة ملحة وضرورية تتمثل في مراجعة القوانين لمواكبتها للمستجدات، وجعلها قادرة على استشراف المستقبل، هذا المطلب الذي ينشده الجميع؛ فمتى تحقق فحتما سيتلاشى الانكماش الاقتصادي وتتواصل مسيرة التنمية.