الانتماء الوطني

محمد بن حمد البادي

كثير من الكتاب والمثقفين وسلاطين الأقلام تحدثوا عن الانتماء الوطني ووضعوا فيه الكثير من النظريات، وكتبوا مئات التعريفات والمقترحات والحلول، ولكن لم نسمع إلى اليوم عن تعريف دقيق له.

ولو أردنا الحديث عن التعريفات أو المعايير التي يحملها كل منِّا بداخله أو في فكره عن الانتماء الوطني، لوجدنا أن لكل فرد منا نظرته الخاصة لمعنى الانتماء الوطني، بل هناك كثيرون يحصرونه في أمور سطحية وهامشية ومفاهيم ضيقة، فيرون أنَّ الانتماء الوطني يتمثل في الالتزام بارتداء الزي الوطني «الدشداشة والعمامة أو الكمة » في كل المناسبات سواءً كان ذلك في الحضر أو في السفر، أو نربط الانتماء الوطني باقتنائنا الأدوات التراثية القديمة والاهتمام بها، أو في إنشاء القرى الشعبية والتراثية في الحدائق العامة والمجمعات التجارية.. ولا شك أن حفاظنا على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها عن الآباء والأجداد ربما يولد لدينا نوعاً من الشعور بأننا متمسكون بهويتنا الوطنية.. ولكن يجب أن نقف هنا قليلاً ونضع الانتماء الوطني تحت العدسة المكبرة، وكلُ منا يوجه لنفسه السؤال التالي .. ما هو الانتماء الوطني بالنسبة له؟

هل الانتماء الوطني يتمثل في اللغة التي نتحدث بها فقط؟ أم أنه ينحصر فعلاً في التزامنا بارتداء الزي العماني؟  هل يتجسد في الأهازيج والأغاني الوطنية التي تبث في قنواتنا المسموعة والمرئية المختلفة صباح مساء والتي يجب أن نحفظها ويحفظها أبناؤنا لنعبر بذلك عن حبنا الكبير واللامتناهي للوطن الذي ولدنا فيه ونشأنا عليه؟ .. أم أنَّه يبرز في إعادة الاهتمام بالصناعات التقليدية والتراثية المتمثلة في المشغولات الفضية والنحاسية والفخاريات والسعفيات وكل ما نعتبره إرثا وطنيا ورثناه عن الآباء والأجداد؟؟ أم أنه يتجسد في إحياء الفنون الشعبية (الرزحة والوّنة والعيالة والعازي) وغيرها من الفنون التقليدية العمانية؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تتبادر للأذهان حينما نبدأ الحديث عن الانتماء الوطني.

نعم نريد مواطناً يتحدث باللغة العربية، ويعتز بالزي العماني، ويحفظ تراث وطنه، نريد إحياء الفنون الشعبية والتقليدية في كل المناسبات، نريد إعادة الاهتمام بكل ما يندرج تحت مسمى التراث الوطني دون تخصيص، ولكن هذا لا يكفي.. ولا يرضي طموحنا.

ما الفائدة من شخصٍ يرتدي الدشداشة والعمامة أو الكمة العمانية أينما حل وارتحل لكنه صفر على الشمال؟ تجده شخصاً غير منتج في عمله، وغير مهتم بتنمية مهاراته التعليمية والمعرفية، تجده قد هجر الكتاب وأصبح يعيش الأمية، تمر عليه السنة والسنتان وربما أكثر لم يقرأ فيها كتاباً واحداً ولا يحفظ آيةً ولا حديثاً ولا بيتاً ولم يطالع قصة ولا رواية، تراه غير حريص على مصلحة وطنه، ويفضل دائماً العمل لمصلحته الشخصية على حساب المصلحة العامة، هل يعني ذلك أنَّ الانتماء الوطني حاضر في هذا الشخص؟!

وشخصاً آخر تراه قد حوَّل بيته إلى ما يشبه المتحف الوطني الذي يحوي كل المشغولات التراثية من نحاسيات وفضيات وسعفيات وفخاريات، وزيّن جدرانه بالكثير من الشعارات واللوحات الوطنية البراقة .. وتجده في كل مناسبة يرفع عقيرته بحب الوطن حتى النخاع، ويحلف على ذلك إيماناً مغلظة، ويزايد على حب الوطن جميع المواطنين والمواطنات الأحياء منهم والأموات.. ولكن في المقابل تجده غير مهتم بغرس الحس الوطني في نفوس أهل بيته، غير مهتم بتربية وتعليم أبنائه، تجده يكاد لا يكون له دور في مجتمعه ومحيطه الأسري والعائلي. وفي مجال العمل تراه لا يقيم وزناً لوقت الدوام الرسمي، فتجده يحضر لمقر عمله متى يشاء وينصرف متى يشاء، والملفات التي بها مصالح المواطنين منتشرة في جميع أركان مكتبه وقد أكل عليها الدهر وشرب حتى أصيب بالتخمة، بل وعلى كثيرٍ منها نسجت العناكب خيوطها،، فهل هذه الوطنية التي ننشدها؟

تجد سائق مركبة قد غطى مركبته بالملصقات والشعارات الوطنية، ثم تجده لا يأنف من إلقاء أي ورقة أو قمامة من نافذة المركبة في الطريق العام، تراه يستعرض بمركبته وسط الأحياء السكنية والأزقة الضيقة، يقود مركبته بسرعة جنونية ضاربًا بأنظمة وقوانين المرور عرض الحائط، غير مهتم بالسلامة العامة... هل هذا هو مفهوم الانتماء الوطني؟ وقس على ذلك الأمثلة الكثيرة والشواهد العديدة التي لا يسع المقام لذكرها جميعاً.

إنَّ الانتماء الوطني ليس ثوباً نلبسه متى نشاء ونخلعه متى نشاء، وهو بالتأكيد ليس مجرد شعارات رنانة نحفظها ونرددها، حب الوطن بحاجة إلى الكثير من التضحيات والكثير من الإثباتات الفعلية المتمثلة في كل سلوكياتنا الشخصية والعملية، بدءاً من أبسط الأشياء، فالانتماء الوطني يتطلب منا الحرص الدائم على تنمية المهارات العلمية والمعرفية لشخصياتنا من أجل أن نظهر بالصورة «المثالية» اللائقة بالمواطن العماني، تلك الصورة التي لا تنحصر فقط في الزي العماني ومظهرنا الخارجي واهتمامنا بالتراث الذي ورثناه عن الآباء والأجداد، بل تتضمن ما هو أهم وأكبر وأشمل من ذلك.. فعلى سبيل المثال لا الحصر تبدأ الصورة المثالية من كيفية شعور المواطن بأهمية الوقت إلى إنتاجيته وحبه لبلده وولائه له، إضافة إلى التزامه بالقيم والعادات الثابتة والأخلاق والمثل الفاضلة، واهتمامه بالنهل من العلم والمعرفة وحبه المستمر للتعلم، وحبه للعمل الجماعي بعيداً عن الأنانية، فضلاً عن الحرص الدائم على المساهمة في تطوير منجزات هذا الوطن والحفاظ على مقدراته ومكتسباته.

Mohd.albadi1@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك