الإقصاء المُتطرف

 

 

د. ريا الخروصية

أكاديمية عمانية

 

يقصد بالإقصاء المتطرف إبعاد الفاعل الاجتماعي عن المشاركة في الخطاب مما لا تسنح له فرصة التعبير والدفاع عن آرائه وتصوراته، وكمثال على ذلك أن تقوم وسيلة إعلام ما بدعوة ضيوف متحدثين يمثلون اتجاها واحدا لموضوع الحوار وبالمقابل لا تتم دعوة ضيوف الاتجاه الآخر حول ذات الموضوع. في مثل هذه الحالات يقوم الطرف الأكثر هيمنة بإقصاء الطرف الأقل هيمنة وذلك من أجل تحقيق نوايا أيديولوجية يهدف الخطاب الوصول إليها مستخدما أدواتا لغوية مختلفة مرتبطة بالاتصال اللفظي، والذي يتضمّن الكلمات والعبارات، والاتصال غير اللفظي الذي يشتمل على الرموز والصور ومقاطع الفيديو. سيقوم هذا المقال بتسليط الضوء على مفهوم الإقصاء المتطرف من خلال استخدام نماذج من محتوى مناهج التعليم، والتي نوجزها في ثلاثة عناصر: الإقصاء على أساس الجنس واللون، والإقصاء على أساس اللغة الأم والثقافة، والإقصاء على أساس الدين والمذهب.

يتجلى الإقصاء المُتطرف في المحتوى التعليمي المتضمن لأيديولوجيا قائمة على التباين بين البشر على أساس اللون والجنس. ويمكن الكشف عن الإقصاء بالمناهج من خلال عمل تحليل متعدد الوسائط للصور والرسومات التي تضمنها محتوى المناهج، وذلك للتأثير المهيمن للصورة على المتلقي بشكل عام من خلال التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات التجارية. وكمثال على ذلك قامت المناهج التعليمية بربط تصور عبارة "أحسن صورة" بصورة لفتى ذكر أبيض اللون وبالتالي إقصاء الأنثى والأعراق غير اللون الأبيض من تصور "أحسن صورة". إن الإقصاء القائم على الجنس واللون هو مثال لأيديولوجيا قائمة على عدم التكافؤ بين البشر.

يزخر العالم بلغات عديدة بما فيها اللغات الأم (اللغة التي يكتسبها الإنسان من الأسرة خلال سنوات طفولته) وذلك طبقا لعوامل عدة كالتواجد الجغرافي، ويسهم التنوع اللغوي في إثراء الثقافات. إن غياب اللغات الأم للدارسين المتلقين للمناهج يعتبر إقصاء لهذه اللغات وحرمانا للمتلقين من حقهم اللغوي في تعلم لغتهم الأم ضمن المناهج المدرسية؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تعرض هذه اللغات للفناء، وبالتالي إلى تقليص الثراء اللغوي بالسياق الجغرافي الذي يتم فيه تدريس المناهج المدرسية. كذلك يزخر العالم بمختلف سياقاته بثقافات عديدة ومتنوعة التي يستوجب إحيائها، وتشجيع النقاش والحوار حولها ولذلك فإن عدم التطرق لهذه الثقافات والإشارة إليها والتركيز فقط على الثقافة المرتبطة بالوجود الجغرافي للمناهج يعد نوعا من الإقصاء للثقافات الأخرى وكأنها غير حية أو موجودة الأمر الذي يُفضي إلى تماهي الدارس مع ثقافته التي نشأ عليها والتي ارتبطت بوجوده وحضوره الجغرافي دون إدراك للثقافات الأخرى وتقدير قيمتها المعرفية.

وتعد التعددية من القيم التي لو تم تضمينها بطريقة إيجابية بالمناهج المدرسية لكرست مبادئ مرتبطة بالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع وبين البشر عموما. من الجوانب التي تتجلى فيها التعددية تنوع الأديان وتعدد المذاهب داخل الدين الواحد.

إن طرح التعددية بالأديان والمذاهب كقيمة إيجابية من شأنها أن تثري مكارم الأخلاق وتعزز التعايش السلمي بين البشر، في المقابل فإن إقصاءها يفضي إلى ترسيخ الاختلاف وتوليد شعور الصراع مع المختلف. ويمكن الكشف عن إقصاء التعددية من خلال تحليل المفارقة مع المختلف بحيث يكون المتضمن بالمناهج (نحن - قوى الخير) والمقصى (هم - قوى الشر). وكمثال على ذلك أن يتم وصف (نحن) بمفرادات أو عبارات إيجابية ويقابلها (هم) بمفردات وعبارات سلبية: "عاقل" يقابها "مجرم"، و"أفضل الخلق" يقابلها "شر الخلق". وكذلك فإنّ عبارات مثل "كيد الفتن" و "لن يهدأ النضال" تخلق تصورا سلبيا تجاه المختلف وتولد صراعا مستمرا معه، بدلا من تقدير التنوع بالأديان والمذاهب.

يتبين مما سبق بأن الإقصاء المتطرف هو أيديولوجيا قائمة على أسس مختلفة كالجنس واللون، واللغة الأم والثقافة، والدين والمذهب. يتم طرح التعددية كقيمة إيجابية بالمناهج المدرسية عن طريق تضمين محتوى المناهج لهذا التنوع وبالتالي إدراك وتقدير الطالب لهذا الثراء؛ بدلا من توليد تصور بالاختلاف، وشعور بصراع مع المختلف، والذي يتناقض مع المبادئ الإنسانية؛ والتي على رأسها قيمة التعايش السلمي بين أفراد المجتمع ومع عموم البشر في خضم عالم تهيمن عليه الصراعات والأزمات.

rayakharusi1@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك