عمانيون بلا ديون

علي المعشني

تفاعل العمانيون مع مطلب ومقترح الشاب العماني "خالد" بعنوان "عمانيون بلا ديون"، وتابعت كغيري تفاوت التفاعل والردود مع المقترح المذكور، ما بين مؤيد ومرحب وداعم للمقترح، وما بين معارض للمقترح وواصف إياه بعدم الواقعية.

ما يهمني هنا في هذا المقال هو طرح رأيي وفكرتي عن الموضوع، واستخلاص المفيد منه وفيه. ففي رأيي وتقديري الشخصي أن القروض الشخصية في السلطنة موضوع مقلق ومؤرق للأفراد والحكومة والمجتمع معا، وبما أن الحكومة تعتقد أنه أمر طبيعي لا يستدعي الاستنفار أو القلق، وأنه من لزوميات وأعراض النمط الاستهلاكي ومصاحباته الطبيعية، فإن الأمل معقود على الفرد والمجتمع للبحث عن حلول ومخارج مناسبة للديون، والتي أصبحت هاجسًا عامًّا، وتجاوزت في كثير من الأحيان قلق الفرد والمجتمع معًا.

لا شك أن القروض الشخصية على الراتب وصلت أرقامًا فلكية (مليارات الريالات) ومرد ذلك في الأساس بتقديري يعود إلى أمرين:

أولا: التضييق على البنوك العاملة في السلطنة من قبل البنك المركزي في أنشطتها والتوسع في عملها البنكي وفق رؤيتها الخاصة لتحقيق الربحية والتنافسية وتحسين جودة الخدمات ورفع سقف المناشط؛ الأمر الذي دفع بالبنوك لتوجيه جل جهدها إلى الاقتراض بأنواعه.

ثانيا- النمط المعيشي الإستهلاكي الحاد الذي يلف حياتنا، ويحاصر معيشتنا، ويستدرج مدخراتنا من غواية إعلانات وعروض لا تنتهي ولا تنقطع، يضاف إليها متطلبات الحياة الضرورية منها، والكمالية من مسكن وملبس ومركب وغذاء وترفيه، والتي لا يمكن مواجهتها جميعا من دخل الراتب الشهري دون اللجوء للاقتراض.

ناهيك عن أن أغلب الضروريات في حياتنا اليوم كانت بالأمس من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها؛ الهاتف المحمول كمثال؛ وبالتالي فتسارع وتيرة الحياة في المجتمعات الاستهلاكية تجعل من الأولويات وتبدلها وتحول الكماليات إلى ضروريات مسألة وقت لا أكثر.

القصة والعبرة في الفكرة ذاتها أنها دعوة مثالية طموحة لاستدرار الخير الجمعي في المجتمع العماني، والذي تتجزأ مساهماته الخيرية وتتوزع بحياء شديد، وتنحصر في فئات وأوجه بعينها دون توسع أو تطور.

ففكرة دفع ريال واحد من قبل كل موظف عماني ليست بالضرورة أن تتوقف عند الريال بل هناك من سيدفعه الخير بداخله إلى ما هو أكثر من ذلك، في حال تأطير الفكرة وجديتها وخروجها من الحيز النظري إلى النور الميداني الواقعي.

كما أن الفكرة في حال أصبحت ملحمة وطنية، وأصبح لها صندوق وإدارة من الثقات، ستتوسع إلى مساهمات حكومية ومؤسسات أهلية ورجال أعمال ووقف شرعي وخلافه. فهذا العمل الوطني لابد أن يستخلص الخيرية من جميع فئات المجتمع؛ كون الظاهرة تهم الجميع وتطالهم وتؤرقهم.

فمن المعلوم أن للحكومة ودائع مالية في البنوك المحلية، ولا يوجد ما يمنع الحكومة من تخصيص جزء من عوائد أرباح تلك الودائع إلى الصندوق الوطني لسداد ديون المواطنين، كما تتوافر لدى البنوك ملايين الريالات من ودائع الجوائز، والتي لا تخضع لأي قانون مصرفي في الأساس؛ حيث تتكدس تلك الملايين من قبل المواطنين في خزائن البنوك بانتظار السحوبات والنصيب، ولا يتمتع أصحاب تلك الودائع بأي حق مصرفي سوى بزوغ حظه من عدمه في جائزة ما، مع أحقيته بالطبع في سحب أمواله في أي وقت، كما تتوافر مثلها من المبالغ التي يرفض أصحابها الفوائد وتعود لتدور مجددًا في أرصدة المصارف. كما أن الوقف الشرعي به سهم معلوم للغارمين ويمكن تفعيله، إضافة لإمكانية دمج جهود بعض المؤسسات الأهلية والأفراد المحسنين في سداد القروض المتعثرة ومساعدة المديونين. كما يمكن للصندوق في مراحل متقدمة أن يسهم في تنمية المجتمعات المحلية وتتسع رؤية القائمين عليه وأوجه الانفاق فيه من باب المسؤولية الاجتماعية.

الذين عارضوا الفكرة لم يدركوا الحكمة من مقولة: "مالا يدرك كُله لايترك جُله"؛ حيث يمكن للمشروع أن يحدد الفئات المستحقة بالتنسيق مع جهات الاختصاص من مصارف وجهات قضائية، ويمكن ببساطة وضع أولويات وحالات للسداد، كما يمكن التخفيف من أعباء البعض بسداد الفوائد عنهم فقط وتكفل المعنيين بسداد أصل رأس المال، وجميعنا يعلم حجم الفوائد المركبة في القروض والتي تفوق رأس المال بأضعاف، وتتعاظم من القسط الشهري بصورة كبيرة، كما يمكن للصندوق التكفل بالسداد لمدد معينة فقط لبعض الحالات كالمتقاعدين ومن في حكمهم؛ لتمكينهم من ترتيب أوضاعهم المالية.

حقيقة.. أجد أن الفكرة جميلة ومحببة، وتعبر عن حيوية شعب وخيريته كالشعب العُماني، وتستنهض في الناس كوامن الخير، وفي حال تطبيقها بجدية والتزام، ستشجع المزيد من الأفكار الأخرى التي ستخفف عن كاهل المواطن والحكومة وتحقق الرفاهية والاستقرار المالي للمواطنين؛ فنحن في عصر يتطلب المبادرات الفردية والحراك المجتمعي، وضرورة دعمها وتشجيعها، ولم يعد يسعفنا الوقت ولا الظروف للاتكاء على الحكومة في كل شيء. وفي المقابل، يجب على الحكومة الانفتاح بجدية ومرونة أكبر على هكذا مبادرات، ودعمها، وتشجيعها؛ سواء كانت فردية أو جماعية؛ فكل هذا يحسب لها، ويقلل عن كاهلها الإنفاق واللوم، ويقنن حراك المجتمع ويؤطره. ففي الكثير من البلدان، تبلغ عوائد الأعمال الخيرية فيها المليارات سنويًّا رغم مظاهر الثراء فيها، كما تبلغ أوقاف المؤسسات التعليمية في الغرب -وعلى رأسها الجامعات- تريليونات الدولارات؛ حيث أصبحت أغلب الجامعات العريقة بفضلها مستقلة ماليًّا، ومكتفية، وتقوم برسالة التعليم الخالصة والبحوث العلمية المثمرة، دون أي ضغوط أو ترقب للعوائد المالية.. وبالشكر تدوم النعم.

----------------

قبل اللقاء: اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ.. ﻭﺍﻟﻌُﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴُﺴﺮ أﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕ// ﻭأﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭى ﺭﺟﻞ.. تُقضى على ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ حاجات// ﻻ‌ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮوﻑ ﻋﻦ أﺣﺪ.. ﻣﺎ ﺩﻣﺖ ﺗﻘﺪﺭ ﻭﺍلأ‌ﻳﺎﻡ ﺗﺎﺭﺍﺕ// ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ إﺫ ﺟﻌﻠﺖ.. إﻟﻴﻚ ﻻ‌ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕ// ﻓﻤﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ.. ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ أموات.

Ali95312606@gmail.com