بنطلون ممزّق

سما حسن

كنت في زيارتي الأخيرة مع أولادي لبيت أبي قبل وفاته ولفت انتباهه بنطلون ابني الممزق من منطقة الركبة، ونبهني لذلك معاتبا برقة ولطف كما اعتاد أن يفعل حيث أشار إلى أنه لا يصدّق أن يفوتني هذا الثقب الظاهر في بنطال ابني، وهو يعرف اهتمامي بمظهر أولادي إضافة إلى أنني قد تعلمت رفاء الملابس من أمي، وهي مهارة لا تتقنها إلا الأمهات الحاذقات المدبرات.

انقلب ابني على ظهره ضاحكا من ملاحظة الجد، فيما قلت له بصوت هامس بأن هذه الموضة الدارجة، وهي موضة السراويل الممزقة من جميع النواحي، وأن بنطال ابني لا زال جديدا وقد ابتعته له مؤخرا من أفخم المحلات.

أصيب والدي، رحمه الله، بالذهول من هذه الموضة الغريبة على مجتمعنا، واستعاذ بالله وحوقل عدة مرات منكرا أن نصل في تقليدنا للغرب لهذا الحال، وقد حاولت أن أضفي بعض المرح على الجلسة التي انقلبت لنقاش بين أبي وأولادي حول موضة هذه الأيام وموضة أيام زمان، فأولادي لفتوا نظر الجد لأفلام السبعينات مثلاً، وكيف كانت ملابس الرجال تشبه ملابس النساء في ألوانها وتصميم البنطلونات فيما يعرف بـ "الشارلستون"، ولكن أبي نبههم إلى أن هذا الجيل فقد المظهر والجوهر معاً، وأن الأجيال السابقة كانت تحترم المعلم مثلاً، فيما نسمع كل يوم عن حوادث اعتداء الطلاب على معلميهم، ونهض أبي متعللا بحلول وقت الصلاة، وهو يدعو الله بصوت مرتفع أن يحفظ أولادنا من الموضات القادمة التي يتمنى ألا تكون أكثر فظاعة من كشف لحم الرجل أو الفتاة من مواضع العورة ابتداء من الركبة وأعلاها.

نخطئ حين ندخل مثل هذه الصرعات الغريبة إلى هندامنا ومظهرنا، مثل صرعة البنطلونات الممزقة، فقد استخدمها حقوقي أمريكي أراد أن يلفت النظر إلى الفقراء في أفريقيا حيث كان يعمل، وأراد أن يلفت نظر العالم إلى حالهم وقد ارتدى ملابس جينز ممزقة لمدة يوم واحد، ولكن الناس للأسف لم تلتفت للقضية التي يريد لفت نظر العالم لها، ولكنهم التفتوا للمظهر الغريب والجديد الذي ظهر فيه وجرى تقليده وتسابقت دور الأزياء ومصانع النسيج على إنتاج الملابس الممزقة مع ابتكارات وإكسسورات ورسومات، تضيف على الملح سكرا؛ فلا يحلو الملح، ولا يظهر طعم السكر.

العري في الملابس ليس للإنسان العاقل والمستقيم، وقد ذكره القرآن الكريم في وصف أهل النار، بأنْ لا لباس يسترهم، وبأنه قد قطعت لهم ثياب من نار، أما المؤمن فهو من صفاته الستر وأسبغ القرآن الثناء على أهل الجنة وبشر المتقين بالوعود بأن لباسهم من ذهب ولؤلؤ وحرير، ولكننا لا نعقل ونسارع لكي نتعرى في الدنيا قبل الآخرة.

وقد أدلى علم الطاقة الصيني "الفينج شوي" بدلوه بخصوص ارتداء الملابس الممزقة والكاشفة للحم الإنسان، وبأن ذلك من شأنه أن يزيد من شحنات الطاقة السلبية على الجسم، فيكثر الكسل والعصبية والإخفاق، والنفور من الحياة ومبهاجها.

إننا حين نتبع الموضة الوافدة دون تحكيم عقلنا فنحن لسنا بأفضل حالاً ممن يلقي بنفسه بالنار وهو يعتقد أنه سوف يشعر بالدفء، فالنار محرقة والدفء لا يأتي إن لم نكن على دراية بالتعامل مع النار كالقرب والبعد منها بمقدار، ولكننا نلهث خلف كل شيء يفد من الغرب دون تحكيم للعقل، ولا نلتفت لكل التقدم الحضاري الذي يفاجئنا يوما بعد يوم ويحققه العلماء الأجانب في علاج الأمراض وحماية البشرية وإنقاذها، فألمانيا مثلا هي من أكثر الدول التي تهتم بتحبيب القراءة للأطفال لدرجة أن أصبح الطفل الألماني يحبذ قضاء الوقت في غرفته بين الكتب والقصص المصورة واللعب مع أقرانه بألعاب تفيد عضلاته وتنمى ذكائه، فيما يقضي أطفالنا معظم وقتهم أمام أجهزة التلفاز والهواتف الذكية التي تورثهم الغباء.

لسنا ضعفاء أمام هذه الصرعات الوافدة إن لم نقاطع هذه المنتجات، وإن لم نحث أطفالنا ومراهقينا ذكورا وإناثا على الستر، وأن  نقنعهم أن ما ينفع غيرنا لا ينفعنا، وأن التقليد الأعمى مفسدة، وأن عقولنا يجب أن تدلنا على الصواب، فليس الشذوذ عن الجماعة مرضا ولا عقدة نفسية، وليس الشاب الذي يرتدي بنطالا كاملا دون ثقوب معقدا أو بخيلا أو "دقة قديمة" فهو يحترم المكان الذي يدخله، فالمدرسة لها حرمتها والجامعة لها هيبتها وبيوت الأصدقاء لها وقارها الذي يجب أن نحترمه، فخلف الأبواب بنات في سن أخواتهم، وأمام الأبواب أمهات مثل أمهاتهم يسوءهن أن يرين الأسمال التي تظهر أكثر مما تخفي، وإن كنا نريد أن نرقى فيجب أن نعقل قبل أن نختار.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك