ذكريات تتجلى في نوفمبر المجيد

سارة البريكية

حينما كنا صغارا لا نفقه إلا النزر اليسير من الأشياء التي من حولنا، وكانت ببساطتها وجمالها باعثًا نسبيًّا على التفاعل معها بكل أريحية، فإنه مع تلك المعطيات والمتحصلات الدنيوية لم نكن نعلم ما سيكون بعدها، وأين سنكون نحن، فمنذ وجدنا على ظهر البسيطة كعُمانيين، لم يخيل إلينا قط ونحن مغمورين وقتذاك فى طفولتنا بها، بأنه سيكون قادمها أجمل مما كان وعليه من حال وأحوال؛ فأخذنا وكنا للتو نبصر الأشياء من حولنا بأنها ذات قيمة ومعانٍ عميقة، نعانق أشياءنا ونلهو معها ومقتنياتنا بما يكفل لنا بهجة وحبورا وسرورا وانشراحا.

كان جلالته -أيده الله- يجُوب الأرض العُمانية بقعة بقعة وشبرا شبرا، يسهر على أن تمضي عُمان ومن فيها وعليها، بحجم طموحات الإنسان العُماني المثابر من حسن إلى أحسن، ومن تقدم إلى آخر؛ فكان الليل يزهر ببارقة أمل لشيء عظيم ستضمه الأرض العُمانية بكل تفاصيلها يوما، وستحويه بمباهج شتى واستحسان مُستلطف ومرغوب على أديمها، وكان النهار من مخدعه ومكمنه يستحضر عظمة إنجاز وعطاء لا ينضب ستشهده عُمان قاطبة، فسبحانك ربي.. كبرت مقدرات العمل والسنين، وجادت الأرض بما رحبت، وجاءت مع صبرها وتعطرها بالجلد، حاملة كمَّ الإنجازات وعددها، فكبرنا معها ومع كل تلك التطلعات التي أينعت خيرا، وأشرقت عنفوانا، صرنا جزءًا لا يتجزأ منه، وبتنا منظومة خير وعطاء على المعمورة بأسرها.

إن السلطنة وهي تلوح عليها إشراقات الشمس القابوسية كل يوم، تشعرنا مع كل ذلك التوهج بقيمتنا وأهميتنا حينا، وبالراحة والطمأنينة والخير حينا آخر، فأشهر عُمان من يناير وحتى ديسمبر، هُن احتفاء يثمر فيهن عطاء ويزهر على محياهن ميلاد منجز جديد يبهج هنا وهناك، وكعادتها مضت الأشهر العشرة ونحن في مسرَّة، وها نحن بدأنا نقترب من نوفمبر المجيد، الشهر الحالم والواعد بالخير، سنحتفي فيه بعيد مولد سيد عُمان إنه قابوس المعظم، وبعيدنا نحن العُماننين أجمعين وكل مقيم على أرضنا.

لا أحد ينكر تداخل الشعوب فيما بينها، ولا أحد ينفي تجانسها متفقة كانت أم لا، وفي تفاعلها وتكويناتها حتى العُمق يبرز التلاحم وتقوى الشكيمة، وعُمان منذ أبد الآبدين كانت ولا تزال دولة ذات عزم وبناء، وأهلها أصحاب هِمَّة وعمل، جابوا بحار الدنيا ومحياطاتها، وحصدوا الأرض وفيافيها، فما كان منهم إلا أن أصبحوا سادة العالم بأفعالهم المشهودة بالحكمة، وبتاريخهم الحافل والزاخر بكل ما هو مُشرِّف، ولنشأتهم وأفعالهم وأقوالهم دور مكمل في ذلك، كيف لا وهم الذين توارثوا الكرم والأدب والأخلاق والفضيلة أبًّا عن جد، وفي عهد قابوس المعظم حيث العالم أضحى قريةً كونية متزاحمة، صِرنا باقين على الإرث والموروث، وحافظنا على هويتنا وما جُبلنا عليه من عادات وتقاليد.

إننا في عُمان ونحن نقترب من نوفمبر المجيد، نؤكد أننا لسنا بمعزل عن العالم، ولسنا ببعيد عن التأثر به والتأثير فيه لما نحظى به من مكانة وتقدير واحترام كبيرين، ولكن يحدث ذلك منا ونحن مُنكبين على أنفسنا في بناء الإنسان وتطوير ما حوله، وتهيئة السبل كافة من أجل أن يستمر في البناء والتطوير؛ رغبة منا في أن يبقى ما تحقق للأجيال القادمة.

إننا في عُمان جلالته -يحفظه الله ويرعاه- هو فخرنا وعزنا ومصدر قوتنا وسعادتنا، وهو مصدر وحدتنا وترابطنا، وهو القائد الذي بنى لنفسه مكانة في قلوبنا، وأسس فينا حبا دفينا له، باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فما وجدنا منه إلا سلطانا محبًّا لوطنه وشعبه، نبادله ذلك ليلَ نهار، فباركتنا السماء بنوايانا الصادقة، وبهذا القائد الملهم الشجاع، ولها من الدعوات منا بأن يبقى لنا سيدنا ومولانا ذخرا وفخرا.

إنه ومنذ فجر النهضة المباركة ونحن نحتفي بنوفمبر المجيد، فيه نعلي البيارق خفاقة، ونزين بها بيوتنا وطرقاتنا وأزقتنا، ويشاركنا جلالته الفرحة الكبرى بأن يكون معنا، ولم لا وهو الذي نذر نفسه لعُمان، فكانت عُمان وأهلها له، فيارب احفظه وأطل في عمره.

أقول بأنه لست أعلم إن كان سيُكتب لي بلوغ نوفمبر المجيد ومعايشة أحداثه واحتفالاته، ولست أعلم إن كان القدر سيكتب لي معانقة ذلك؛ ففي النفس أمنيات بأن يأتي نوفمبر المجيد وجلالته -أيده الله- في خير وصحة وسلامة.

إن ثمة عِشق يسكنني لعاهل البلاد المفدى، فما وجدنا منه إلا كل خير، وما وقفنا في عهده إلا على كل خير؛ فقد أعلى صروح البلاد ومنجزاتها، فصرنا نفاخر ونتباهى بأننا عُمانيون، وأن جلالته -يحفظه الله ويرعاه- بين ظهرانينا، ونوفمبر المجيد سيأتي وستزهر عُمان كعادتها به وفيه، وسيأتي هذا الشهر مُحملا بالخير، وستنتصب الرايات خفاقة، وستمضي المسيرة بعده نحو العزة والفخار كما أريد لها، حتما سيأتي نوفمبر وسيكون العُمانيون أكبر في عطائهم وهممهم وإنجازاتهم، وبإذن الله ستعم الأفراح أراضينا وموطننا، فإن أي شعب يصبر فإنه حتما سينال من الخير الكثير، وما عليه إلا أن يضحى شاكرا حامدا، ونحن في عُمان هذا ديدننا، فالشكر والحمد لك يا ربنا على ما أنعمت به علينا، فمكرمات نوفمبر المجيد كثيرة وكبيرة علينا، ونتطلع إليها بكل شوق، فيارب بارك في نوفمبر المجيد، فإن قابوس سلطان معظمٌّ ونحن عنه لا نحيد.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك