الفاعل الاجتماعي والنوايا الأيديولوجية

 

د. ريا الخروصية

أكاديمية عمانية

 

تستخدم وسائل الإعلام بشكل عام أساليب مختلفة في معالجة الأزمات بكل أشكالها وتمظهراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المسائل المرتبطة بالحياة والناس ارتباطاً مباشراً عبر التعليقات والتحليلات الإعلامية المتنوعة، وتختلف هذه الأساليب في المحتوى الإعلامي للخبر والتكتيكات اللغوية المستخدمة في صياغة الأخبار وطريقة بثها واستعراضها. ويعزى تنوع واختلاف أطر وزوايا طرح المستجدات الإخبارية إلى عاملين رئيسيين: الفاعل الاجتماعي (الأشخاص أو المجموعات المرتبطة بالخطاب كالحراكات الاجتماعية والأحزاب السياسية والمؤسسات الإعلامية) والنوايا الأيديولوجية (الأهداف التي يسعى الخطاب الإعلامي لإيصالها للمتلقي والتي بمجملها تخدم أغراضا سياسية). يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على مفهومي الفاعل الاجتماعي والنوايا الأيديولوجية وتأثيرهما المباشر في صياغة وبلورة الخطاب الإعلامي، وذلك من خلال استخدام نماذج من خطابات بداية أزمة الخليج الراهنة لأهم قطبي الإعلام المتلفز بالخليج: قناة الجزيرة (المدعومة من دولة قطر) وقناة العربية (المدعومة من المملكة العربية السعودية).

يهدف خطاب قناة الجزيرة إلى تخفيف التصعيد وذلك من خلال الدعوة لحل الأزمة بالحوار والتفاهم والدبلوماسية مع إظهار صمود قطر إزاء الأزمة الراهنة. في المقابل فإنّ خطاب قناة العربية يهدف إلى ترسيخ أيديولوجيا دعم قطر للإرهاب معللة أصل الأزمة الحالية بهذا الدعم. وفيما يلي تحليل للاختلافات بالنوايا الأيديولوجية للقناتين وذلك حسب الفاعل الاجتماعي للأحداث والتي نوجزها في ثلاثة عناصر: الدول المجاورة والدول الأكثر تأثيراً، والمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة، والمنظمات الدينية.

أولا: تظهر الجزيرة بأنّ دعم تركيا لقطر يمثل حلا "للأزمة الخليجية" بينما تنظر العربية إلى أنّ دعم تركيا يعتبر حلا "لأزمة قطر"، وهذا يظهر لنا بأن التحالف على قطر يعتبر أنّ قطر هي المتسببة بالأزمة وبأنّها متسببة بالتصعيد وبالتالي فالحل بيد قطر. كذلك، فإنّ كلا القناتين تدعيان بأنّ الولايات المتحدة تدعمهما. ففي حين تدعي الجزيرة بأنّ ترامب متعاطف مع الدوحة، تنكر العربية هذا الادعاء مقتبسة بأنّ ترامب يقول بأنّ قطر لها تاريخ بدعم الإرهاب وبالتالي فهي تستحق الحصار، وكذلك قول تيلرسون - وزير الخارجية الأمريكي- بأنّه يقف "مع" تخفيف الحصار على قطر بسبب خوف الولايات المتحدة من الإضرار بالعمليات العسكرية ضد داعش، وهذا يعطي انطباعا بأن قطر تستحق الحصار الا أنّ التخوف يكمن في الإضرار بعمليات محاربة الإرهاب -على حد قول تيلرسون حسب رواية قناة العربية-، وهنا تظهر العربية الجهود المشتركة للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف في أيديولوجيا "محاربة الإرهاب".  

ثانيا: تصور قناة الجزيرة المنظمات والجمعيات الحقوقية بأنّها غير راضية عن تلك العقوبات التي يفرضها التحالف على دولة قطر بينما تصور العربية بأنّ منظمات قطرية أو التي تتعامل معها قطر تدعم الإرهاب. ومن أمثلة دعم المنظمات الحقوقية لقطر حسب الجزيرة هي الأمم المتحدة التي تربطها علاقات "قوية" مع مؤسسة قطر الخيرية، وكذلك منظمة العفو الدولية والتي تشدد بأنّ دول الخليج تتلاعب بأرواح آلاف الناس، وأيضًا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان والذي يظهر تعاطفه مع قطر من خلال وصفه للحصار على قطر بأنّه تشريد لعائلات -حسب الجزيرة-.

ثالثا: تستخدم كلا القناتين المؤسسات الدينية لخدمة أهدافها الأيديولوجية وذلك لما للخطاب الديني من سلطة مؤثرة على المتلقي العربي. تظهر لنا قناة الجزيرة تعاطف رابطة علماء السنة مع قطر عبر انتقاد الرابطة لمؤسسات دينية أخرى أيّدت الحصار على قطر واصفة هذا التأييد "بالظالم". في المقابل، ترد قناة العربية برفض توظيف الدين في دعم قطر والذي يعطي انطباعاً بأنّ الدين لا يؤيد موقف قطر وبالتالي فإنّ أي تأييد ديني لقطر يعتبر سوء تفسير أو سوء استخدام للدين.

تجدر الإشارة إلى أنّ محتوى باقي الأخبار بقناة العربية يرتكز حول الإرهاب كالأحداث بالفلبين والساحل الأفريقي والعراق وسوريا والمملكة المتحدة، والذي يرسخ التزام التحالف بأيديولوجيا مكافحة الإرهاب. في المقابل فإنه بالإضافة لنهجها في التخفيف من تصعيد الأزمة فإنّ قطر-عبر قناة الجزيرة- توضح قوتها بالتعاطي مع الأزمة كالتزامها بالإنتاج والتصدير للنفط، وعدم قبولها للوصاية، وكذلك بالعودة للاتفاقيات الدولية المبرمة من قبل التحالف كإعلانها خرق التحالف للتسع حقوق الأساسية لاتفاقيات الطيران الدولي، وبالتالي وجوب فتح المجال الجوي بأقرب وقت. وتتمثل قوة قطر أيضا بوصف الظروف الراهنة "بغير القانونية" وبالتالي استعداد قوى دولية لدعم قطر كروسيا، وكذلك تعاطف شعوب بالمنطقة مع قطر.

مع تسارع وتيرة الأحداث بالأزمة الخليجية الراهنة يتبين من هذا الطرح بأنه تتم صياغة الأخبار من حيث اختيار المحتوى والأساليب اللغوية بناء على النوايا الأيديولوجية التي يسعى الخطاب الإعلامي إلى إيصالها للمتلقي والتي بمجملها تخدم أهدافا سياسية. تستخدم وسائل الإعلام نفس الفاعل الاجتماعي كدول الجوار والدول الأكثر تأثيرا والمؤسسات الحقوقية والدينية في محاولة لتعزيز نواياها الأيديولوجية وبالتالي إضعاف نوايا الشبكة الإعلامية الأخرى.

rayakharusi1@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك