فتنة اللغة

الناقد عبد الجواد خفاجي – مصر


نقول: (أخذتني فتنة اللغة إلى عوالم سحرية مدهشة).. هكذا تبدو اللغة مدهشة وطازجة دائما، وبها ننشيء من المجردات عالما، وبها نُجَـمِّل واقعاً قبيحاً على سبيل النفاق، أو نقبح بها عالما جميلا على سبيل الحقد، وبها نمدح الجمال، ونفضح القبح.. هي معنا أينما اتجهت مشاعرنا، وأفكارنا، ولا تهجرنا حتى ونحن نائمون، لأننا بها نتحدث ونسمع ما دار في أحلامنا. هي معنا في أفراحنا وأتراحنا، وننتقى منها ما يناسب الموقف، كلٌّ على قدر علمه بها وسيطرته عليها، أو درايته بمخبوئاتها ولطائفها، وأسرارها، ودقائقها.
أما عندما نقول: (اللغة فتنة العلماء، بها يتقارعون، وحولها يصطرعون، وعنها يتجادلون) يتحول المعنى إلى الابتلاء.. وإن كان المعنى السابق متضمنا هنا، لأنها لا تزال فتنة يفتتنون بها.. بمعنى منبهرون بها، لكونها مدهشة وساحرة، حتى أن كل عالم لا يفرط في الانتساب إليها، والقرب منها، والدراية بها، ومن ثم تحولت الدهشة بها إلى تنافس عليها.. كالمرأة الجميلة وسط رهط من الرجال، ولولا فتنتها ما اصطرعوا عليها.
أما عندما نستمع إلى قول الله عز وجل: (يوم هم على النار يفتنون (فإن الفتنة هنا تحولت إلى عذاب؛ لأن (يفتنون) هنا، بمعني: يحرقون بالنار. وفي لسان العرب لابن منظور: لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله الفتنة: "الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار".
أرأيتم كم هي لغتنا متسعة، وأنها تمتاز، عن غيرها، بوفرة المترادفات، والدلالات، وأن المفردة الواحدة تتجه بنا، أو نتجه بها كيفما يكون السياق، لنجني ثمرها، مختلفا ألوانه متقارباً في الطعوم والمذاقات والأشربة، أو متبايناً حد التناقض.

تعليق عبر الفيس بوك