هل للأزمة المالية آثار إيجابية على المجتمع؟

 

د. حفيظة البراشدية

 

لا يُوجد تعريف أو مفهوم مُحدد للأزمة المالية، لكن من المفاهيم المبسطة لمصطلح الأزمة المالية، هو أنها اضطراب حاد ومفاجئ في بعض التوازنات الاقتصادية يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية تمتد آثاره إلى القطاعات الأخرى، بحيث تؤدي إلى خلل وتهديد للمصالح ويحتمل أن يكون له نتائج سلبية وأخرى إيجابية إذا تمت مواجهته عبر اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة والمدروسة.

وتشهد السلطنة كما هو في مختلف دول العالم تداعيات حادة للأزمة المالية العالمية. فقد أثرت الأزمة المالية العالمية على مختلف القطاعات المالية والاقتصادية، مما حولها من أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية ألقت بظلالها الكثيفة على سوق العمل، من حيث الكساد الاقتصادي، وقلة فرص العمل، الأمر الذي ترك بلا شك آثارا اجتماعية واقتصادية على الأسرة العمانية، وبشكل خاص أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود. وبالرغم من هذا الانخفاض المحبط، يؤكد تقرير وكالة التصنيف الائتماني العالمية، أنَّ النظرة المستقبلية لتصنيف العملات المحلية والأجنبية للسلطنة على المدى البعيد والقصير مستقرة، وأن الاقتصاد المحلي قادر على امتصاص تأثيرات تراجع العائدات النفطية.

مما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل لهذه الأزمة آثار إيجابية على المجتمع العماني؟ وما هي تلك التأثيرات؟ يبدو أن هناك العديد من الآثار الاقتصادية الإيجابية للأزمة المالية على السلطنة، ورغم أن انخفاض أسعار النفط هو التحدي الأكبر الذي يواجه السلطنة في الأزمة المالية إلا أنّه خلق عزيمة كبيرة وتوجهًا حقيقياً لتنويع مصادر الدخل والتوجه نحو القطاعات الإنتاجية الأخرى، لخلق إيرادات جديدة ومبتكرة للناتج المحلي أو للموازنة العامة للدولة واستيعاب الباحثين عن عمل، فقد أعلنت السلطنة عن خطة لتنويع مصادر الدخل مدتها خمس سنوات، بهدف خفض الاعتماد على إيرادات النفط بمقدار النصف. وتشمل الخطة خمسمائة برنامج وسياسة اقتصادية تركز على تنمية قطاعات حيوية، كالصناعات التحويلية والتعدين والسياحة والنقل والثروة السمكية. وبالفعل فقد استطاعت السلطنة خفض القيمة المضافة للأنشطة النفطية في الناتج المحلي في نهاية ديسمبر 2016م بنسبة 23.7% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2015 (المركز الوطني للإحصاء والمعلومات 2017). كما تهدف السلطنة لخفض إنتاجها من النفط ليشكل أقل من 22% فقط بحلول العام 2020م. كما أعلن مجلس الوزراء مؤخرا عن توفير 25 ألف وظيفة للشباب العماني بحلول ديسمبر 2017.

كما أنَّ للأزمة المالية أيضًا الكثير من التأثيرات الاجتماعية الإيجابية ومنها على سبيل المثال: تجسد مظاهر التضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع العماني من خلال زيادة عدد الفرق التطوعية في مختلف المحافظات، وتكثيف جهود العمل التطوعي التي تقوم بها لمساعدة الأسر المحتاجة. كذلك يلاحظ وجود تغيير واضح في مجال اهتمام الشباب العماني بالتخطيط للمستقبل الأسري، من خلال اللجوء للاقتراض عبر الجمعيات الأهلية التعاونية بدلاً من البنوك التجارية. كما يلاحظ تراجع في بعض المظاهر الاجتماعية السلبية التي يعاني منها المجتمع العماني والخليجي عموماً منها: الإسراف في الإنفاق على الكماليات، والعيش على الديون والقروض البنكية، والمبالغة في الإنفاق على المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج وغيرها. فهل ينطبق على الأزمة المالية مقولة: رب ضارة نافعة؟!

 

** اختصاصية بحث وإحصاء بمجلس البحث العلمي

 

تعليق عبر الفيس بوك