أركض طاويًا العالم تحت إبطي

محمد القليني - مصر


(1)
سألني الشعر: لماذا تنام على البلاط؟
أجبت: كي لا تقصم خيبتي الثقيلة
ظهر السرير.
سألني: متى ستموت؟
أجبت: عندما تزول المسافة
بين رقبتي
وسكين القصيدة.
سألني: هل أخبروك أني أحول الشوارع المهجورة إلى شعراء؟
قلت: لم يخبرني أحد.
أكمل: وعلى قدر موهبتهم، أسند إليهم مهمات؟
قلت: لم يخبروني شيئا.
قال: لقد فشلت في مهمتك.
سألته: وماذا كانت مهمتي؟
قال: إيقاف الحرب.
صرخت: كيف أمنع الحرب بقصيدة؟!
أجاب: هناك شوارع تخشى على أسنانها من التسوس
لذلك لا تقرقش الدبابات التي
تقذف القنابل في وجوه الأبرياء.
قلت يائسا: لست شارعا، أنا شاعر موهوب.
قال: الشاعر الموهوب
الذي أسند إليه مهمة
ثم لا يؤديها
أرجعه شارعا مهجورا كما كان.
كررت صرختي السابقة: كيف أمنع الحرب بقصيدة؟
هز رأسه حزنا، وقال: لم تفهم بعد
أغمض عينيك، أغمضهما، فربما تفهم لاحقا.
تركتهما مفتوحتين، شاهدته يفككني
إلى أربعة أجزاء
رصني أمامه هكذا
ش ا ع ر
أبقى الشين في البداية كما هي
وترك الألف خلفها مباشرة
لكنه جاء بعدهما بحرف الراء
ورحل حرف العين إلى النهاية.
ألصقني ثانية بترتيبي الجديد
ورماني في مكان لا أعرفه.
نظرت في مرآة، وجدتني فعلا شارعا
يتناثر على جانبيّ مجاز مهشم
ويغطيني تراب كنت أسميه اليقين.
انتظرت قدما تجيء
عربة تائهة تمر
كلبة تهرب من كلب يريد اغتصابها
انتظرت طويلا، طويلا، ثم لا شيء.
الغريب أني نسيت حياتي كشاعر
نسيت القصائد والأوراق والقلم
وتذكرت حياتي السابقة كشارع مهجور.
يا رب.. أنا شارع لا يفضي إلى شيء
ليت في نهايتي مسجدا
أو حتى حانة
ليت قدمي ناسك زاهد تدوسانني
أو حتى قدمي لص منكب
ليست لي شروط في صاحب القدمين
ولا أهتم بالمكان الذي يقصده
يشغلني فقط أن أنجح كشارع
في ما فشلت فيه كشاعر
ولو لمرة واحدة، لو لمرة واحدة يا رب
أريد أن أمنح الأمان.. لخطوات عابر خائف.

(2)
أغلقي باب القصيدة وراءكِ
وتعاليْ
ففي الخارج نقاد يتلصصون على الشعراء
ويفضحون أخطاءهم
أذكر أنَّ أحدهم علقني من قدمي ذات مرة
في سقف مقال نقدي حاد
إنني لا أحب أن يدخل ناقدًا فجأة
فينظر إلينا بشفقة
ثم يسألني وهو يمسح نظارته بإرهاق مصطنع
لماذا لم تقبلها أولًا ؟
ولماذا تجاهلت الإمساك بخصرها ؟
في تلك الرقصة ذات الإيقاع البطيء
ولماذا أصلًا كان إيقاع الرقصة بطيئًا ؟
أغلقي باب القصيدة وراءكِ ،
وصدقيني
أنا لم أشاهد فيلمًا رومانسيًا واحدًا
وأتجاهل الصفحات الساخنة
في روايات أساتذتي الكبار
ثم إنني أحب أن أعاملكِ بعفوية شديدة
كبحارٍ عجوز عاد من سفر طويل
فوجد ( مارلين مونرو) نائمة على سريره
هل تتوقعين منه
إلا أن يتابعها مشدوهًا
دون أن يتحرك
أنا أيضًا بحارٌ عجوز
وأنتِ موجة عاتية ، أخشى أن تجرف سفينتي
لذلك أغلقي باب القصيدة وراءكِ
ودعيني أشرح لكِ سر حزني الدائم
وكيف أنَّ الشِّعر مسؤولية كبرى ؟
أحاول أن أُلقيها سريعًا عن كتفي
التي لم تعد تحتمل ثقل المجاز .

تعليق عبر الفيس بوك