الشّعر منبع الذّوق والجمال ومصدر الحماسة

أ.د/ محمد بن قاسم ناصر بوحجام - الجزائر

 

.نحتاج في حياتنا إلى تنمية الفكر وترويض العقل، وتحريك الوجدان، واستثارة المشاعر، وتنبيه العواطف.. أي نحتاج في مسيراتنا إلى سلوك متوازن، يفيد العقل ويغذّيه، وينشّط القلب ويحييه..فإذا كان قد فهموا ضرورة الاهتمام بالعقل، فإنّ أغلبهم لم يفقهوا دور الشّعر في سيرورة الحياة الطّبيعيّة.. يقول أبو تمّام:

ولولاَ  خِلالٌ سنّها الشّعرُ ما درَى        بُناةُ العُلاَ مِنْ أينَ تُؤْتَى الـمَــــــكارمُ

في زمن ضعفت فيه الغيرة على الحرمات، ونقصت فيه الحماسة للمكرمات، وتضاءلت فيه المشاعر، وفترت العواطف.. نحتاج إلى ما يحرّك هذه المشاعر، وينشّط هذه الحماسة، ويبعث هذه العواطف.. لتفقه النّفسُ حقيقتها، وتدرك ذاتها، وتعي كيانها.. فتقوم بما عليها للدّفاع عن مقوّماتها، والنّفح عن قيمها.. إنّ الشّعر وسيلة مهمّة لتحقيق ذلك، كما كان عليه في مختلف الثّقافات والحضارات، في مختلف العصور والسّنوات. يقول مفدي زكريّاء:
رسالةُ  الشِّعْرِ   في الدّنيا   مُقدّسةٌ         لَولاَ   النّبوّةُ    كانَ  الشّعرُ  قُرآنَا
وكمْ صَرَعْنَا بِـها في  الأَرْضِ طاغيَةً        وكمْ رَجَـمْنابـها في الأَرْضِ شيطانَا
وكمْ حصَدنَا بِـها الأَصْنامَ شاخِصَةً        وكمْ  بَعَثْنَا منَ الأَصْنامَ  إنسانَـــــــا
وكمْ  رَفَعْنَا  بِـها  أعلامَ   نَـــــــهْضَتِنَا        فَـخَلَّدَ  الشِّعْرُ في  الدُّنْيا  مزايانَــــــا

إن ابتعاد النّاس عن ميدان  الشّعر، أو إبعادهم عنه بفعل من يدبّرون لهم أمور تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم.. كان لهما انعكاس سلبي عليهم، تمثّل في عدم وعي حقيقة الشّعر: كيانًا ورسالة ودورًا في الحياة..
تبعًا لذلك خفتت المشاعر، ونضبت العواطف، وقلّت الحماسة..والشّعرُ كنهُه شعورٌ، يتحرّك ليلهب المشاعر لتتحرّك للقيام بفعلٍ، يخدم المجتمع والصّالح العام.يقول أبو القاسم الشّابي:

عِشْ   بالشّعورِ  وللشّعورِ  فإنّـــما        دُنياكَ  كونُ    عواطفٍ   وشُعورِ
شِيدَتْ علَى العَطْفِ الجميلِ وإنّه        لَتَجِفُّ لَوْ  شيدَتْ  علَى التّفكيرِ

النّقص في التّقدّم إلى ميدان الشّعر، أَفْسَدَ أذواقَ النّاس، وأفقدهم إدراك َالجمال والحسن في الأشياء.. والشّعر ينطلق من الذّوق ويكوّن الذّوق.. فبالإحساس بالجمال والتّمتّع بالذّوق السّليم.. نتمكّن من إدراك الحسن في الأشياء والسّلوك.. والتّمييز بينه وبين القبح فيهما.. ومنهما نتقدّم لنحدّد مسؤوليتنا ودورنا في القيام بما يمليه علينا الواجب..
هذا النّقص وهذا الفقد وهذا الفقر في الإحساس بالجمال والتّمتّع بالذّوق السّليم أثّر في حماستنا لِـما هو خاصّ بنا، ولِـما هو من كياننا وهويّتنا.. فلم نعد نكترث – في كثير من الأحيان – بِـما ينالنا من ذلٍّ وهوان، وبـما تتعرّض له أوطاننا وديننا وكياننا من هجوم وتشويه وتزييف، كما أثّر علينا سلبا، فساقَنَا للسّير في ركاب أعدائنا والنّيلِ منْ  أوطاننا، من حيث ندري ولا ندري..؛ نتيجة فقدنا الحماسة لها، ذلك لأنّنا أخطأنا وسيلة توفير الإحساس بالجمال فينا، الذي من مجالاته الُشّعر..

تعليق عبر الفيس بوك