ما هي الأيديولوجيا؟

د. ريا الخروصية

تُعَرف الأيديولوجيا على أنها جملة الأفكار والمعتقدات والتصورات والرؤى التي يؤمن بها الأفراد والجماعات، والتي تؤطر وتحدد توجهاتهم الفكرية العامة والخاصة، كأفكارهم تجاه الوجود ونشأة الخلق والدين والأحداث السياسية والضوابط الاجتماعية (الأعراف والعادات والتقاليد)، وكذلك معتقداتهم القائمة على متغيرات اللون والنوع (الجنس) والطبقات الاجتماعية، فضلا عن مواقفهم من الأحداث والصراعات التاريخية والثورات العلمية والتقنية المعاصرة واللغات والثقافات الإنسانية عامة. وعادة ما يتم تمرير الأيديولوجيا من الفئات الأكثر قوة ونفوذا إلى الفئات الأقل قوة بالمجتمع، كتمرير الأيديولوجيا من قبل وسائل الإعلام (الأكثر قوة) إلى المتلقي (الأقل قوة)، وتمرير الأيديولوجيا من قبل الشخصيات السياسية (الأكثر قوة) إلى المتلقي (الأقل قوة)، وتمرير الأيديولوجيا من قبل رجال الدين (الأكثر قوة) إلى المتدينين (الأقل قوة). وتجدر الإشارة إلى ارتباط الأيديولوجيا بمصطلحات هامة كالقوة  والخطاب؛ بحيث تشير القوة إلى هيمنة فئة على حساب فئة أخرى، ويشير الخطاب إلى اللغة المستخدمة في تمرير الأيديولوجيا سواء كانت هذه اللغة مكتوبة أم منطوقة أم بلغة الجسد.

ويكمُن خطر الأيديولوجيا في طبيعتها المحركة لمشاعر أو عواطف الأفراد في توجيه عقولهم تجاه الأفكار والمعتقدات القائمة عليها؛ حيث تترسخ هذه الأفكار في اللاوعي أو العقل الباطن. إن تمركز الأفكار في اللاوعي يجعل من صاحبها يؤمن إيمانا قاطعا بالأفكار وكأنها حقائق مطلقة، لا تقبل التغيير أو النقد أو التساؤل حول مدى صحتها. وكمثال على ذلك: خضوع مجتمع معين لجملة من الخرافات والأساطير مع تأطيرها بمعايير ومقاييس الحقيقة؛ وذلك حسب ثقافة ذلك المجتمع، مع إضفاء الشرعية عليها، وكأن هذه الأساطير حقائق لا تقبل الدحض، ولا يمكن الشك فيها أو السؤال عن جذورها وتاريخها ومحتواها. إضافة إلى ذلك، تعمل الأيديولوجيا على تبرير مصالح جماعات مهيمنة على حساب الجماعات التي تؤمن بتلك الأيديولوجيا، فمثلا الحقائق الدينية المطلقة تملي على الأفراد آلية تفاعلهم في المجتمع بشتى مجالاته اليومية والنفسية والأدبية والسياسية؛ وبالتالي تعمل على مضاعفة هيمنة رجال الدين وتبرير مصالحهم؛ بحيث تصبح خطاباتهم شرعية ونافذة وغير قابلة للنقد والمراجعة.

ويجدر التنويه إلى أن الأيديولوجيا هي في مجملها مجموعة من الأفكار والمعتقدات؛ وبالتالي فهي غير ثابتة ثباتا مطلقا، أي أنها قابلة للتغيير طبقا للسياق الذي نشأت وتكونت وتشكلت به، كجملة الأحداث التاريخية والسياسية والزمان والمكان والأفراد...وغيره من مكونات السياق. ولتوضيح دينامية الأيديولوجيا نضرب مثالا بخطابات وسائل الإعلام، والتي تتغير وفقا لمصلحة القوى المرتبطة بها؛ بحيث تتبدل هذه الخطابات حسب النوايا السياسية التي ترغب القوى في تحقيقها والوصول اليها من خلال التأثير على الجماهير المتلقية للخطابات الإعلامية.

ومما سبق، يتضح بأن الأيديولوجيا ما هي إلا وهم اجتماعي واسع النطاق، تمخض عن ثقافة اجتماعية محددة، يضفي وعي زائف وشرعية نافذة لأفكار تهيمن على المجتمع، وهي -كذلك- عملية تضفي "الادعاء" بأن هذه الأيديولوجيا حقيقة مطلقة غير قابلة للمراجعة والتساؤل والنقد. إن الحقائق المطلقة المرتبطة بالأيديولوجيا تشوه الواقع وتقمع عقل الكائن البشري وذلك لعدم تمكينها للعقل من تفعيل آليات التساؤل والنقد؛ وبالتالي تبقي هذا العقل داخل صندوق مغلق جاهلا أهمية التأمل في سماوات الأفق الرحب المفتوح؛ وبالتالي لا يقوى هذا العقل على التطور والإبداع.

 

rayakharusi1@gmail.com

* أكاديمية عمانية

تعليق عبر الفيس بوك