أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (5)

د. عمر هزاع – دير الزور - سوريا


مرحلة (إسلام حمزة وعمر ومقاطعة قريش)؛ وهي مرحلة هامة من مراحل الدعوة الإسلامية تميزت بإسلام شخصتين قويتين من شخصيات المجتمع المكي الجاهلي وكان لإسلامهما أثر شديد على الكفار الذين لم يعد بإمكانهم السخرية من المسلمين وتعذيب ضعفائهم بعد حادثتي إسلام عمر وحمزة. وبهما اشتدت الدعوة وجاهر بها أصحابها وقويت شوكتهم وعزت مكانتهم. حتى ضاقت بهم صدور كفار قريش فأعلنوا مقاطعتهم لهم في شعب أبي طالب والتي استمرت ثلاث سنوات وكانت مرحلة تدريبية وتأديبية للمسلمين لبناء شخصياتهم القوية التي ستتحمل أعباء الدعوة خارج مكة وتبعاتها الشديدة في ما بعد.
وتلخيص ذلك شعرا, كما يلي:
واهًا بِهِ - ظُلُماتِ الظُّلمِ –  داجيها!
                واهًا بِمُنسَحِمِ الوِجدانِ ! ساجيها!
جامُ المَنايا – " أَبا جَهلٍ " - تَدُورُ, وَما
             يُدريكَ أَنَّكَ - عَن جَهلٍ – تُجاميها!  
فَرُبَّ ضُرٍّ جَلا نَفعًا!  وَرُبَّتَما                                                                                            
                         النِّيرانُ تَفتَرُّ عَن دُرٍّ يُذَكِّيها!
مَشَى الغَريرُ  "أَبو جَهلٍ"  بِغَدرَتِهِ
                     فَشَجَّهُ, وَغَدا - جَذلانَ – يُجديها
لَو كانَ يَعلَمُ مَن أَدمى بِصَخرَتِهِ
              لَما تَعَمَّدَ – تَكرارًا– تَعاطيها *54
وَما تَجَرَّأَ أَن يَلقى بِفَعلَتِهِ
                       غُلاتَها, وَيُباهي مُستَبِدِّيها
إِرادَةُ اللَّهِ قَد أَغرَتْ رَداءَتَهُ
                  لِيَقضيَ اللَّهُ أَمرًا, وَهْوَ قاضيها
فالدَّربُ يَعطِفُ بِالإسلامِ مُنعَطَفًا
                  يَجني المَهامِهَ, والجَنَّاتِ يَمهيها
وَاللَّهُ يَنصُرُ – في الأَهوالِ – مَن صَبَروا
               وَلَيسَ يُهمَلُ - بِالإِمهالِ – مُؤذيها
قَدحُ الحَمِيَّةِ أَورى زَندَ ثارَتِهِ
              بِصَدرِ "حَمزَةَ ", فاحتَمَّتْ مَذاكيها
لَمَّا تَناهى إِلى استِفزازِهِ نَبَأٌ
                  أَنَّ النَّبيَّ شَجيجُ الرَّاْسِ؛ مَدميها
تَقَوَّسَ القَوسَ – مُقتَصًّا – فَعَلَّمَهُ
               عَلامَةً وَسَمَتهُ , في نَواهيها *55
    وَصاحَ:
(تَشتُمُ – عَن قَصدِ الخَنى – ابنَ أَخي !؟ وَتَزدَريهِ عَلى مَرأَى طَواغيها!؟ أَنا عَلى دِينِهِ!!), كالرَّعدِ زَمزَمَها حَربًا تُهَبهِبُها – رُعبًا – عَواتيها!!
" أَبو عَمارَةَ " - في حَوماتِها - أَسَدٌ
       وَفي الحُنُوِّ – لَعَمرُ اللَّهِ – حانيها
"عَمُّ الرَّسولِ" عَلى كَفَّاتِها جَبَلٌ
          إِذا المَيازينُ عارتْ مُستَخِفِّيها
زَأرُ الحَطُومِ بِهِ تَستَدُّ خُطوَتُها
      فَيَطرَحَ الضَّعفَ – وَثَّابًا - تَوَثِّيها
لِلَّهِ لَيثٌ! بِهِ تَعتَدُّ عُدوَتُها!
               وَتَستَرِقُّ بِهِ حَدًّا قَواريها!
حَرَّى الكُبودِ تَنَدَّتْ؛ فارتَوَتْ مُهَجٌ
     حَزَّتْ حَشاشاتِها – حُزنًا– مَنافيها
لَمَّا تَفَجَّرَتِ البَطحاءُ ساقِيَةً
     أُخرى, وَسِيقَ إِلى الحَطبا مَساقيها
(بِـ " أَفضَلِ الرَّجُلَينِ") اللَّهُ عَزَّزَها
          وَدَعوَةٍ لِخَليلٍ, لا يُخَلِّيها *56
فَباتَ  خَيرَهُما  "الفاروقُ" يَعضُدُها
      وَضِدَّها كانَ –قَبلًا- مِن لَواحيها!
المُسلِمونَ بِهِ عَزُّوا, فَأَلبَسَهُم
        دِرعًا عَلَيها, وَعَنها ارتَدَّ مُعيِيها
نَواةُ إِسلامِهِ في قَلبِهِ التَمَعَتْ
     وَالكِبرياءُ بِأَسمالٍ تُغَشٍّيها *57
لِجاهِلِيَّتِهِ الظَّلماءَ قِشرَتُها
                 وَلِلهِدايَةِ أَضواءٌ تُقَشِّيها
ما أَبرَحَ اللَّحَظَاتِ اللَّاتِ بَدَّلَتِ العَقلِيَّتِينِ!!
                  وَما أَحرى ثَوانيها !! *58
مِن قَعرَةِ الشِّركِ! مِن عُمقِ الظَّلامِ!
         إِلى ذُرى الحَقيقَةِ! بِالإِسلامِ لاقيها!
قَد هَيمَنَ الحَقُّ مُذ أَكبَتهُ هَينَمَةٌ
       - بِدارِ "فاطِمَةٍ" - هَمَّتْ كَوابيها!
فَمِن تِلاوَةِ "طَهَ" نَحوَ مَيضَأَةٍ
        مُطَهِّرًا - قَلبَ هاريها- تَراهيها!
     (عَلى " مُحَمَّدَ " دُلُّوني)
وَسِكَّتُهُ بِرُوحِهِ - لا عَلى رِجلَيهِ - ماضيها!!
كَأَنَّما انتَبَذَ الدُّنيا! فباتَ كَأَنْ
          بِجَبذَةٍ مِن رَسولِ اللَّهِ  ناسيها!
قَد فَرَّجَتْ -كُرُباتِ الصَّحبِ- صَحوَتُهُ
       فَكَبَّروا بِابتِهاجٍ في مَناحيها *59
لِذاكَ سُمِّيَ بِــ "الفاروقِ", حَيثُ سَما
      يَهُذُّ مَكَّةَ, رَغمًا عَن ذَواهيها*60
فَما يَخافُ بِها – في اللَّهِ – لائِمَها
             وَلا يَهابُ بِها قُربى يُحابيها
شَمسُ البُطُولَةِ في ما حَولِهِ اصطَبَحَتْ
     فَشَعشَعَتْ مِن كُسوفٍ كادَ يُمسيها*61
بِعِزِّهِ نَبَتَتْ أَسنانُ عِزَّتٍهِم
              فَما يَخافُ رَقيقٌ مُستَرِقِّيها
زَندانِ يَقتَدِحانِ النَّارَ: مُستَعِرٌ
         غَيظَ العِداءِ؛ وَمِسعارٌ يُساعيها
إِسلامُ "حَمزَةَ" وَ "الفاروقِ" جَرَّ - إِلى
        "قُرَيشَ" - مَرأَىً خَبيثًا مِن مَرائيها
عَلى "بَني هاشِمٍ" شَنُّوا مُقاطَعَةً
          أَوباشُها تَتَغالى مُستَغِلِّيها *62
شُؤبُوبَ دَمعٍ  صُراخَ الطِّفلِ  تَقدَحُهُ
        مَجاعَةٌ, وَحَصيرُ الصَّبرِ يَكبيها
الجَهدُ مِن جَهدِها يَفتاتُ مِن عَجَبٍ!
        وَ"الشِّعبُ" تُشبِعُهُ شَكوى تَضاغيها!
تَآكَلَ القَومُ فيها بُؤسَهُم, فَغَدَتْ
            مِنَ البآسَةِ تَخشاهُم سَعاليها!
مَرَّتْ ثَلاثَةُ أَعوامٍ عَلَى مَضَضٍ
          حِصارُها يَتَمَطَّى في تَراخيها
لِحِكمَةٍ, وَامتِحاناتٍ أَرادَ بِها
      رَبٌّ - عَلى الزُّهدِ بِالدُّنيا– يُرَبِّيها
حَتَّى إِذا انتُقِضَ المِيثاقُ, وَانقَرَضَتْ
          وَنُبِّئُوها, فَأَعفاهُم تَعَفِّيها *63
زُرَّتْ لَها عُرُواتُ الرَّحمِ, فانتُشِلَتْ
     -عَنِ الشِّعابِ– نُفُوسٌ مِن تَسَفِّيها *64
سُبحانَهُ! ما تَبَقَّى مِن صَحيفَتِها
     إِلَّا اسمُهُ "اللَّهُ" يَسفي سَفسَطائيها!
وَقاهُ مَولاهُ –إِذ ضاقَ الجُناةُ بِهِ-
            لِأَنَّهُ  "بِعُيونِ اللَّهِ" – ناجيها
فَعادَ يَنشُرُ - لِلإِسلامِ – دَعوَتَهُ
       أَمَّا "قُرَيشُ", فَعادتْ في تَجافيها
وَظَلَّ يَنضَحُ عَن أَخلاقِهِ مُثُلًا
     كَمُصحَفٍ سارَ هَديًا في أَراضيها

الهامش:
واها: كلمة تعجب أو تلهف\ يجامي: يقصد ويعني \ الغرير: مغرور ومخدوع\ يجدي: يسأل الجدوى والعطاء والثناء \ رداءة: فساد وضلال \ مهامه: جمع مهمه وهي الصحراء المقفرة \ يمهي: يموه \ راْس (رأس)\ تقوَّس (القوسَ): حَمَلَها\ نواهي: جمع ناهية وهي الأوامر المانعة
عار: عاب وانتقد\ الحطوم: الأسد\ استدَّ (يستدُّ): استقام وسار على النهج الصحيح\ توثي: ضعف وتراخ\ عُدوة: جانب ومكان مرتفع\ قواري: جمع قارية وهي حد السيف أو الرمح\ الحطبا (الحطباء): مؤنث أحطب, مكان جمع الحطب\ لواحي: جمع لاحية (مؤنث لاحي): شاتم ولائم\ أسمال: ثياب بالية.
هينمة: صوت خفي\ كوابي: جمع كابية (مؤنث كابي) وهو العود الذي قدح فلم تخرج نار زنده ودخَّن من غير نار\ ميضأة: موضأ أو مكان للوضوء والطهارة\ يهذ: يقطع بسرعة\ ذواهي: جمع ذاهية وهي مؤنث ذاهي وهو المتكبر\ لايم (لائم) \ يحابي: يراعي ويجامل\ رقيق: عبد\ مسعار: ما تحرك به النار\ يساعي: يسابق في السعي\ أوباش: سفلة\ يتغالى: يزاود ويبالغ.
يفتات: يستبد به ويبتدعه ويستقل به\ تضاغي: صياح من الجوع أو الألم\ البآسة: قوة وشدة\ سعالي: جمع سعلوة\ تعفي: امِّحاء، وزوال\ تسفِّي: هزال وتشقق\ سفسطائي: مجادل بالباطل والوهم\ البيت (وقاه مولاه..) فيه تكنيك إضمار بسيط (ضاق الجناة به <ذرعًا>) وفيه تناص مع الآية الكريمة (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) الطور (48).
المراجع:
*54: إشارة لمحاولة أبي جهل الأولى رضخ رأس النبي – صلى الله عليه وسلم – ووقوف جبريل حائلا دون ذلك.
*55: علم حمزة بشج أبي جهل لرأس النبي – صلى الله عليه و سلم – فسعى إليه فضربه بقوس كان يتشحها فشجَّه شجَّة منكرة وقال له: يا مصفر إسته, تشتم ابن أخي وأنا على دينه!؟
المصادر:
مختصر سيرة الرسول لمحمد عبد الوهاب ص 66 \\ رحمة للعالمين 1(68) \\ ابن هشام 1(291-292).
*56: أخرج الترمذي عن ابن عمر وصححه وأخرجه الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال: "اللهم أعزَّ الإسلام بأحب الرجلين إليك, بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام. فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه.
المرجع: الترمذي أبواب المناقب, مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب 20(209).
*57: خلاصة الروايات في وقوع الإسلام في قلب عمر بن الخطاب مع الجمع بينها: أنه التجأ إلى ستر الكعبة بينما النبي – صلى الله عليه و سلم – قائم يصلي بداخلها وقد استفتح سورة الحاقّة فقال عمر في نفسه: هذا والله شاعر كما قالت قريش, قال: فقرأ النبي: "إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون" (الحاقة 40-41) قال: فقلت: كاهن, قال: "ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون"... حتى آخر السورة, قال : فوقع الإسلام في قلبي".
المراجع: تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 6 \\ ابن هشام 1(346-347-348)
*58: مختصر قصة إسلام عمر:
خرج عمر متوشحا سيفه للقضاء على النبي – صلى الله عليه و سلم – فاعترضه من حول وجهته لأخته فاطمة التي أسلمت مع زوجها, فلما جاءها سمع خباب بن الأرت يقرأ لهما من سورة (طه) فدخل عليهم فوثب على ختنه فوطئه وطئا شديدا ونفح أخته بيده فدمى وجهها فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك! أشهد ألا إله إلا الله و أن محمد رسول الله, فندم عمر واستحى وطلب الصحيفة التي كانت فيها السورة بعد أن علمته فاطمة الوضوء فقرأ حتى اطمأنت نفسه ثم قال: دلوني على محمد.
المراجع: ابن هشام 1(344) \\ تاريخ عمر بن الخطاب ص 10 فيما روى أنس بن مالك \\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص .103
*59: تاريخ عمر بن الخطاب ص(7-10-11) \\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص(102-103) \\ ابن هشام 1(343-344-345-346).
*60: تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص (6-7).
*61: كان ابن مسعود - رضي الله عنه – يقول: ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر \\ المصدر: مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 103.
*62: زاد المعاد 2(46).
*63: ذكرت المراجع أن من اجتمع لنقض معاهدة الحصار والمقاطعة هم: هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي و كان يصل بني هاشم مستخفيا بالليل بالطعام, و زهير بن أبي أمية المخزومي (أمه عاتكة بنت عبد المطلب), والمطعم بن عدي, وأبو البختري بن هشام, وزمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد.
*64: اهترأت الصحيفة بعد أن أكلت الأرضة جل ما فيها من تعاهد على الجور والظلم وأبقت على عبارة (باسمك اللهم) وبلغهم بذلك أبو طالب – عن النبي صلى الله عليه و سلم – قبل أن يتم نقض المعاهدة وهذه إحدى معجزات الرسول.
وقد تم جمع تفاصيل المقاطعة من:
صحيح البخاري باب نزول النبي بمكة 1(316)، وباب تقاسم المشركين على النبي 1(548) \\ زاد المعاد 2(46) \\ ابن هشام 1(350-351-374-375-376-377) \\ رحمة للعالمين 1(69-70) \\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص (106-107-108-109-110).

تعليق عبر الفيس بوك