"طريدة ديانا" تأسيس لذائقة جديدة

حيدر عبد الرضا - العراق


يختصر الشاعر (عبد الرزاق الربيعي) عصرا شعريا كاملا في مسار تجربة القصيدة العربية المعاصرة, وبقفزه واحدة إنه من أولئك الشعراءالذين يهمشون كل المقاييس، وما تمثله من (جاهزية نقدية) ليؤسس ذائقة شعرية جديدة؛ فهو وبكل بساطة ينتمي الى شعر (الندرة) هذا هو الفضاء الذي تحيلنا اليه قصائد هذا الشاعر المحير،  الذي يكتب الشعر منذ نصف قرن تقريبا، متواريا في الهامش – ليترك الاضواء (للمهرجين) نحن أمام شاعر عقد ميثاقا مع جدلية (منطقية اللاشعور) لكي تتفشى الطمانينة في عالم مشكلة (فهم قصيدته):
 حين فتحت الباب الخلفي
 للمطر الابيض
 سقط الورد على وجهي
نبت الحب
 في قصائد ديوان (حدادا على ماتبقى) يعمد الشاعر عبد الرزاق الربيعي إلى توظيف العنصر (الثيماتي)،رمزا كنائيا لفكرة يروم الايحاء بها. وهذه حقيقة تؤكدها كثرة الرموز الاستعارية في شعره, ومن جراء هذه التعدديه في الرموز لديه، تتنوع طرائق ترميز العنصر الثيماتي في نسيج الخطاب الشعري، على نحو يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق نوع من الشمولية في تناول النماذج الشعرية التي يسخر فيها الربيعي العنصر الثيماتي في مجمل عملية بنينة خطابه الشعري, ولم تقتصر استفادة الربيعي من الرمز الاستعاري , على شواهد الاسماء فقط – بل تتعدى هذه الحدود الى استلهام وقائع مفهومية مستمدة من الاساطير والحكايا الخرافية والطقوس والشعائر المثلوجية من نحو : تقديم الاضاحي , التضرع والابتهال، إراقة الدماء،الاحتراق بالنار: بغية أن توفر على الشاعر خلق المناخ الذي يحرص على أن يسود القصيدة أو بلورة الفكرة المراد طرحها. بيد أن مراعاة النتائج المترتبة على تعامل الشاعر مع الثيمات، تفضي بنا إلى حيث يتعين علينا التمييز بين فئتين متعارضتين من القصائد التي يتم فيها استثمار العنصر المثلوجي شعرا: ذلك لأن توخي الشاعر استلهام العنصر الملحمي واستثمار ما تنطوي عليه من طاقات إيحائية كامنة، قد ترتبت عليه نتائج مخيبة للامال أحيانا . فإذا كان الشاعر الربيعي، في عدد من قصائد ديوان (حدادا على ما قد تبقى) التي تنفتح على فضاء قصيدة (الثيمات الملحمية)، يكون الشاعر بهذا قد وجه عملية الاستلهام على نحو يحقق للقصيدة في ديوانه، نوعا ما من جدلية (مشكلة الفهم /منطقية اللاشعور) فإنه في بعض قصائد ديوانه، يضحي بفنية الخطاب إكراما لسواد عيون معنى سياقي مبهم الغرض والوظيفة، ومن جراء هذا، يصبح الأخير هو السمة المهيمنة على نحو يؤدي بالنتيجة النهائية، إلى ضمور شعرية الخطاب، إزاء هيمنة العنصر الثيماتي الملحمي وتحكمه في عملية بنينة الخطاب الشعري، بحيث يستحيل إلى مصدر رئيس لانبثاق المغزى الدلالي بوجهيه: العام والخاص: وذلك من جراء سرد لغة الوقائع الملحمية بحرفية ثيماتية تفتقر إلى المعالجة الفنية الشعرية، التي من شأنها أن تذيب المادة الملحمية في قالب نسيج الخطاب بطريقة  تجعل حصول حاله اقرب ما تكون الى منطقة (اللاشعور الشعري):
بجع تناثر بمهب قميصها الثلجي
ضوء أبيض
فرح الطفولة
واكتشاف أنوثة الأشجار
والأشجار : كون مقفل ...
إن تحوير الأزمة ومغايرة عنصرين فيها (بجع تناثر في مهب ــ قميصها الثلجي) لم يسعف الشاعر في دفع الوتيرة المنوالية التي يجري على وفقها فعل ثيمات المحور السردي : هذا على الرغم من االانتقال الحاصل عبر هذين الفقرتين إذ يتم التحول إلى تناول الواقعة المحورية نفسها من خلال مرورها بطور جديد: إذن وإلى حين توفر إمكانية قراءة اخرى للفضاء الثيماتي الشعري لدى الشاعر عبد الرزاق الربيعي، بقيت أسئلة كثيرة، وكثيرة تطرحها هذه التجربة التي ما زالت في حاجة إلى الكشف والاستنطاق النقدي. وخاصة فيما يتصل بتجربة مشكلة الفهم الشعري ومنطقية اللاشعور في قصائد ديوان (حدادا على ما تبقى) كذلك الانفتاح الشعري على تنويعات الثيمة الملحمية والحكائية وإلى قائمة طويلة من الأسئلة المحيرة.
إن الكتابة الشعرية لدى الربيعي احياناً أشبه بحالة توضيح الأفكار والمفهومات والاعتقادات فتكون القصيدة لديه عبارة عن محاولة حاضرة لإسقاط توحد مع ما يرتئيه الشاعر لنفسه.. لذلك فإن القارئ لقصيدة (طريدة ديانا) يرى بأن حالة المكتوب المدون تأتي ميولاً لمواجهة حساسية مسببة لامكانية النتيجة الحاضرة والمركزة في القصيدة.. وختاماً نقول بأن قدرة التقويم النقدي لاهمية أي نص أدبي وشعري يجب أن تكون ناتجة عن أساس مقومات وشروط نصية أكثر إيغالاً في ميادين (علاقاتية المدون) إزاء علاقة نزعة (تخارجات المسبب) وعلى هذا نود أن نقول للنقد أيضاً بصدد قصيدة (طريدة ديانا) وكلامي هذا بدوره موجه للنقاد بشكل خاص وهذا القول مني دون مجاملة أو إخوانيات: إن عوالم شعرية عبد الرزاق الربيعي تشكل مسعى دقيقاً في مدارات علائقية مكرسة في فاعلية محاكاة إحساساتنا ووجودنا وعندما يحاول هذا الشاعر رسم ونقل انطباعات وجودية وعدمية الصور والكلمات فإننا بدورنا نجد قصائدة عبارة عن خطاب منقطع في خطاب يملأ حيزاً ووجهاً من الحقيقة والخيال والتناص لخلق ثانوي لربما لا يتسم بالسهولة والمحاولة كما وأود قبل الانقطاع أن أقول شيئاً لقارئ عوالم عبد الرزاق الربيعي وأيضاً إلى كل من كتب عن عوالمه الشعرية حاضراً ومستقبلاً .. إن الكتابة التأملية عن هذا الشاعر دون نقد لربما لاتكفي لاسيما وإن لهذا الشاعر بعض من القصائد التي لاتقف داخل محطات هلامية من الرؤية والممارسة لدرجة إن من يقرأها بعجالة يشعر كما لو كانت بنيات هشة وباردة لحد الابتذال، وسبب هذا يعود لكون أعمال هذا الشاعر لاتعتمد الخطاب او اللغة أو الشكل نبراس في ميثاقها ووجودها، وعلى هذا المثال نرى بأن قصيدة (طريدة ديانا) لربما إن قارئها يجدها مجرد علامة إشارية واسمية في مباحث سفرها الشعري إلا أن الناقد الحقيقي لربما يجدها تنصب داخل منطقة موجهات (علاقاتية المدون) وسياق طرحية (تخارجات المسبب) وعلى هذا فأنا مثلاً أواجه صعوبة بالغة كلما أشرع وأفكر بالكتابة عن واحدة من قصائد هذا الشاعر، لأن مكونات وأرضية انبثاقات النص الشعري لديه تبدو قادمة من أعماق هي خليط من تركات بليغة ليس الشعر من يحكمها أو يقودها وحده ، وعلى هذا أيضاً فأنا أدعوا كل من يحاول الكتابة عن أعمال هذا الشاعر أن يتحسب الدقة والتأني في خطواته الكتابية وذلك لكون آلية القصيدة لدى الربيعي لربما هي حدث ميثولوجي وكيفي في رؤياه وأساليب كتابته، وعلى هذا أيضاً فنحن بحاجة كل يوم إلى مراجعة أفكارنا وصورنا ومفاهبمنا عندما نحاول أن نكتب شيئاً حول أعمال هذا الشاعر .. إلا أنني مجدداً أجدني بحاجة إلى القول وفي كل مرة بأن (القصيدة الربيعية) ماهي إلا مشروع تطور تفاسير منهجية تربطها علائقية الكلام والأوصاف والحدوثات الشيئية، وهكذا إذاً فليعلم دائماً  (أنصاف النقاد) بأن النقد الموضوعي والرؤيا النقدية الجادة هي القادرة على كشف عيوب النص أولاً قبل محاسنة وجماله، غير أن الحال مع عوالم قصيدة الربيعي تبدو (قاب قوسين) وذلك بسبب أننا وجدنا بأن كفة الجمال والسمو وطاقة الوظيفة الأصالية هي المهيمنة على كفة من يكتبون القصيدة بطريقة (الكلمات المتقاطعة) أو بطريقة (مغازلة اللغة) وهذا بدوره يبدو شيئاً ليس صعباً فلكل زمان فرسانه ومبدعيه (السياب، نازك الملائكة، أدونيس، محمود البريكان، سعدي يوسف، عبد العزيز المقالح، عدنان الصائغ، عبد الرزاق الربيعي) كما ولكل قصيدة زمانها وصعاليكها ومهرجيها وأشباحها وأنصاف شعرائها).              

تعليق عبر الفيس بوك