أول سيرة نبويَّة (شِعريّة) في القرن 21

 

(... وسراجًا منيرًا) بحث شعري (4)

 

د. عمر هزاع – شاعر سوريّ مقيم في (الدوحة – قطر)

(الهجرة للحبشة) في هذا الفصل سنتحدث عن الهجرة للحبشة؛ وهي هجرتان ما لبثت أولاهما أن رجعت لمكة لما علمت بأنباء السجدة التي وقعت عند الكعبة ؛ وأن مكة قد أعلنت إسلامها؛ وحينما تبدت لها حقيقة الوضع لاذت بالفرار مجددًا في هجرة أكبر من الأولى بعد أن تعرضت للمعاداة والتنكيل والمنع.

فَسادُ أَفكارِها غَطَّى بَواديها

                      فَسادَ طُغيانُها كُفرًا بِواديها

وَالتَذَّ فيها الأَذى أَبناءَ جِلدَتِها

                  فَامتَطَّ مِنهُم جُلُودًا في مَياطيها

أَمرُ النَّبيِّ - بِأَمرِ اللَّهِ - مُتَّصِلٌ

              والمُنزَلاتُ  هُدىً  تَحفو مُطيعيها

وَإِذ يُلَقَّى مِنَ التَّنزيلِ مُعلَنَةً:

 عَن سُورَةِ " الزُّمَرِ " انشَقَّتْ مَعانيها

       (حُمَّ الرَّحيلُ  - " وَأَرضُ اللَّهِ واسِعَةٌ " – فَيَمِّمُوا الوَجهَ شَطرًا  مِن " نَجاشيها ") *41

تَقَصَّدُوهُ ؛ فَلاقَوا في ضِيافَتِهِ

                     نَدَى الجِوارِ إِلى النَّعماءِ يُضفيها *42

بَريدُ مَكَّةَ –  مَنقولًا  – أَشاعَ لَهُم :

          (رُجُوعَها –  وَأَخيرًا...  - عَن تَعاديها *43)

 

رِوايَةً - كَرَفيفِ البَرقِ - يَلمَعُها

            ذِيعَتْ – جُزافًا – بِلا استِقراءِ راويها:

       ( عَن سَجدَةٍ

 شَهِدَتْ أُمُّ القُرى !

حَدَثَتْ 

                 بِها تَحَدَّثَ لِلرُّكبانِ قاريها *44 ) 

فَعاوَدُوها بِأَكبادٍ مُفَلَّذَةٍ

                     تَرجو طِبابَةَ داريها تُداويها

شَطرُ الحَقيقَةِ شَطرٌ مِن أَوائِلِها

                      أَمَّا البَقِيَّةُ شَطرٌ مِن ثَوانيها

تِلاوَةٌ بِفِناءِ " البَيتِ" , باغَتَهُم

                   بِها النَّبيُّ – أَفانينًا – يُدَوِّيها:

قَوارِعًا 

تَخلِبُ الأّذهانَ ! سَجَّدَتِ المُسَّمِّعينَ إِلى تَرتيلِ تاليها !

 

مِن سُورَةِ " النَّجمِ "

 آياتٍ 

يُرَتِّلُها

خِتامُها:

       (" فاسجُدُوا لِلَّهِ ")

 مُوصِيها  *45

فَأَنكَروها , وَلَمَّا عُوتِبُوا كَذَبوا

                              ما قَبَّحَ الكَيلَ إِلَّا قُبحُ كاليها *46

بِخَيبَةِ الهِجرَةِ الأُولى تَعاقَبَتِ الأُخرى , تَشُدُّ إِلى رَحلٍ تَنائيها

قُلُوبُهُم – زُفَرَ الخِذلانِ – كاظِمَةً

                        لَدَى الحَناجِرِ , وَالشَّكوى تُحَسِّيها *47

مُحَدِّقينَ -  إِذا ما " مَكَّةُ " ابتَعَدَتْ  -

                                      بِأَدمُعٍ , وَأَكُفُّ البَينِ تَمريها

كَأَنَّ  بِالعَينِ  ما بِالعِيرِ مِن تَعَبٍ

                                غَمًّا عَلَيها !  , وَما تَعريهِ يُعنيها !

أَقَضَّ مَضجَعَ حِلفِ الشِّركِ إِذ عَلِمُوا

                                   أَنَّ " النَّجاشيَّ " حاويها وَآويها

ذَرُّوا الرَّمادَ ؛ وَكادوا في وَفادَتِهُم

                           فَارتَدَّ -  يَضرِبُ أَخماسًا ...  - مُذَرِّيها

أَيهاتَ ! أَيهاتَ ! ما حازَتْ مَكيدَتُهُم

                                إِلَّا الشَّنارَ , وَذُلَّ العارِ يُخزيها *48

فَكَيفَ يُنصَرُ مَن هُدَّتْ مَبادِئُهُ ؟!

                                 وَكَيفَ يُهزَمُ مَن بِالهَديِ يَبنيها ؟!

" مُحَمَّدٌ " - لِمَجَرَّاتِ الدُّجى – قَمَرٌ

                              وَصَحبُهُ -  النُّجُمُ  - الأَفلاكُ تَطريها 

كَم ساوَمَتهُ " قُرَيشٌ " في تَعَتُّدِهِ !

                                       فَكانَ أَصلَبَ مِنها في تَعَتِّيها !

كانَتْ أَشّدَّ خِصامًا في نَزاهَتِهِ !

                                       فَكانَ أَثبَتَ خِصمٍ في تَنَزِّيها !

o       ( الشَّمسَ لَو رَكَزُوها - عِندَ مَيمَنَتي - وَ - عِندَ مَيسَرَتي - بَدرًا يُحاكيها , ما حِدتُ عَن دَعوَةِ الإِسلامِ أُنمُلَةً,            وَلا ارتَضَيتُ بَديلًا عَن تَعاليها *49 )

    مَزيجُ عَزمٍ وَإيمانٍ عِبارَتُهُ الشَّمُوسُ؛ يَمتَدُّ نورٌ مِن تَناثيها

مَن جُرَّ رُجَّ عَلى فُولاذِ هِمَّتِهِ

                               يَذمي , وَصُدَّ  صَديعَ الهامِ  داميها

قَد بادَروهُ إلى ما كانَ يَكرَهُهُ

                            مِنَ السَّفاهَةِ , إِذ صاحوا : ( بَداريها )

سَلا الجَزُور , وَرِحمُ الشَّاةِ أَمثِلَةٌ

                            وَبَصقَةٌ ضَغَماتُ اللَّيثِ تَضريها *50

وَصَخرَةٌ لِــ " أَبي جَهلٍ " تَصُخُّ بِهِ

                            لَدى الصَّلاةِ اغتَدى , فارتَدَّ يُلغيها *51

فانقَضَّ " جِبريلُ " بِالأَنيابِ يَحرُسُهُ

                                   لِيَستَمِرَّ - عَلى أَمنٍ - مُصَلِّيها

وَإِذ يَطُوفُ بِصَحنِ " البَيتِ " , يَغمِزُهُ

                                       مُناوِئُوهُ ثَلاثًا , ثُمَّ يُفضيها :

o       ( " أَما لَقَد جِئتُكُم بِالذَّبحِ " ؛ فاستَمِعوا ) *52

فَشَلَّهُم 

- بِنَذيرِ الرُّعبِ –

ناعيها

كَأَنَّما الكَلِماتُ  الهامَ  قَد لَكَمَتْ !!

                               وَعَقعَقُ الهُونِ أَقعَى في نَواصيها !!

فَأَقرَروا القَتلَ , وَ " الصِّدِّيقُ " يَحجِزُهُم

                                  فَضَرَّبُوهُ بِخَصفِ النَّعلِ  تَتفيها  *53

       ( " أَتَقتُلُونَ فَتَىً !؟ " ) ؛

ظَلَّتْ تَناقَلُها الأَجيالُ مَأْثَرَةً عَنهُ

                                                         وَتَرثيها

يا أَحلَمَ النَّاسِ ؛ كَم سَطَّرتَ مَلحَمَةً !

                                وَكَم ضَرَبتَ مِثالًا في تَصَدِّيها !

لَمَّا حَمَلتَ وِسامَ الصَّبرِ مُستَنِدًا

                              عَلى العَزيمةِ , بِالتَّقوى تُواسيها !

فًما كَسَبتَ بِحَدِّ السَّيفِ مَعرَكَةً

                                 إلَّا كَسِبتَ حُرُوبًا في تَفاديها !

كَم عَذَّبُوكَ ! فَما نالُوا سِوى رَهَقٍ !

                               وَكَم عَفَوتَ ! إِذا آذاكَ فاعيها !

يا أَجوَدَ الفَرعِ ؛ شَرَّفتَ الأُصولَ فَما

                           أَخزَيتَها ؛ عِندَما عاداكَ خاسيها !

وَظِلتَ تَغزِلُ مِن قَزِّ الضِّياءِ لَنا

                             عَباءَةَ النُّورِ لِلأَزمانِ تَكسيها !

ــــــــــــــ

الهامش:

ـــــــــــــ

مياطي (مياطئ): جمع ميطأ وهو ما انخفض و سهل من الأرض \ يحفو : يكرم ويعطي.

يلمع: بريق و لمعان السراب عند انعكاس الضوء عن الرمال في الصحراء \ داري: المقيم في داره \ كالي (كالئ): عربون أو ما تأخر دفعه من الثمن.

زفر: جمع زفرة وهي المد بالنفس في حسرة\ يُعني : يؤلم \ يمري: يمسح الضرع ليحلبها\ (يضرب أخماسًا..) : تكنيك حذف اعتمد على إظهار جزء من المثل و تعمد إضمار بقيته (في أسداس) \ تَعَتُّد: ثبات \ تعتِّي: تمرد و طغيان \ تنزي: تسرع و هيجان \ تناثي: نشر الأخبار      تذاكرها \ شطرتا البيت (مَن جُرَّ صُدَّ على ...) في كلتيهما تكنيك تقديم و تأخير, وأصلهما: (مَن جُرَّ < على فولاذ همته > صُدَّ) , و (و رُجَّ داميها صديعَ الهام) \ يذمي: يشرف على الهلاك \ بداري (بدارِ: اسم فعل للأمر بمعنى أسرع و مدت كسرة الراء لياء للضرورة ) \ يصخ : (من الصخيخ ) صوت الصخور عندما ترتطم.

لكمَ : (أكمة): ضرب بقبضة يده أو بجمعه أو لطم بجمع الكف \ عقعق: طائر طويل الذنب كالغراب \ الهون : الذل و الهوان \\ أقعى: جلس على مؤخرته وبسط ذراعيه و أقعى فرسه رده رجوعا للوراء \ تتفيه : تحقير \ فاعي: الغضبان المزبد.

 

المراجع:

ــــــــــــــ

*41 : الآية 10 من سورة الزمر.

*42 : رحمة للعالمين 1(61).

*43 : زاد المعاد 1(24).

*44 : قصة السجود : رواها البخاري عن ابن مسعود و ابن عباس : باب سجدة النجم و باب سجود المسلمين و المشركين 1(146).

*45 : الآية 62 من سورة النجم.

*46: تفهيم القرآن 5(188).

*47: زاد المعاد 1(24).

*48: ملخص قصة النجاشي مع المهاجرين و رفضه لهدايا قريش بعد أن تيقن من صدق الدعوة و ضلالة الوفادة التي بعثتها قريش لطرد المهاجرين من أرض الحبشة.

المصدر : ابن هشام 1(334-335-336-337-338).

*49: ابن هشام 1(265-266).

*50: ابن هشام 1(416) قصة رحم الشاة و سلا الجزور التي وضعها عقبة بن أبي معيط على ظهر النبي صلى الله عليه و سلم \\ صحيح البخاري 1(543) \\ تفهيم القرآن 6(522) \\ مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 135 عن قصة بصقة عتيبة بن أبي لهب التي لم تصب الرسول فدعا عليه بأن يسلط الله عليه كلبا من كلابه فضغمه الأسد وهو في نفر من أصحابه بأرض الشام و هو يقول : ياويل أخي , هو والله آكلي كما دعا علي محمد , قتلني وهو بمكة و أنا بالشام!

*51: ابن هشام 1(298-299) قصة محاولة أبي جهل رضخ رأس النبي وهو يصلي فحال بينهما جبريل كفحل إبل بأنياب مرعبة.

*52: قصة العصبة التي كانت تغمز الرسول – صلى الله عليه و سلم – أثناء طوافه حول الكعبة من حديث عمرو بن العاص قبل إسلامه , فقال لهم الرسول: (أتسمعون يا معشر قريش, أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) فأخذتهم كلمته حتى كأن على رؤوسهم الطير \\ المصدر : ابن هشام 1(289-290).

*53 : قصة منافحة أبي بكر الصديق عن الرسول – صلى الله عليه و سلم – وتلقيه الضرب بنعل مخصوفة حتى تشوهت معالم وجهه وهو يقول: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله).

المصدر: مختصر سيرة الرسول للنجدي ص 113.

تعليق عبر الفيس بوك