مدرين المكتومية
"اسمها هند".. عنوان كتاب للكاتب العماني محمد الرحبي، ولأن الاسم مؤنث فهو لافت ومحفز ومغرٍ لأي أنثى كي تقرأ ما كتب: من هي هند التي استطاعت أن تسجل حضورها على غلاف كتاب وفي مجتمع لا يزال يتمسك أكثر سكانه من الرجال بنزعتهم الذكورية؟! بالتأكيد لابد أن تكون استثنائية ليسطع اسمها على غلاف أزهار البنفسج.
يمكنني القول بأن الكاتب استطاع فعلا أن يعطي "هند" بُعدها الحقيقي في أن تكون شخصية واقعية تتراقص من بين سطور الكتاب، لتسجل حضورها بين يدي القارئ وفي مخيلته؛ الأمر الذي يُدخلنا فيما يمكن أن نطلق عليه "التخيل الواقعي"، وهي اللعبة التي استطاع الكاتب أن يقدمها ببراعة على صفحات الكاتب.
صحيح أن الرحبي استطاع أن يتعامل بذكاء مع بطلة الرواية ليخيل للقارئ أنها نسيج من الواقع؛ الأمر الذي يجعل مُتصفحها يشعر بتلك الروح التي تعيش بها البطلة، ويمكنه أن يستشعر مساحات التناقضات والهموم ونظرتها للرجال؛ من خلال ما طرحه؛ لذلك يمكنني القول بأنه أبدع في وصفها ومخاطبتها، وتسجيل عثراتها في الوقت نفسه، كان يتحدث وكأنه يعرف تلك الشخصية حق المعرفة، وأنها لم تكن شخصية صنعها خياله في لحظة ما، ولكن أبدع تصوير العالم الافتراضي الذي يصدمنا في كثير من الأحيان.
كُنت أقرأ وأقترب أكثر وأكثر من تلك الأنثى التي تدعى "هند"، وأتابع بلهفة تناقضاتها وتمردها، كانت قوية جدًّا، غير قابلة للكسر أو الهزيمة، ولكنها في الوقت نفسه كان لا يمكنها أن تتنازل عن كونها تحمل في قلبها وعقلها مفردات الحقيقة ورموزها، حتى صارت بما تمتلكه من مقومات مصدر صداع وإزعاج للرجال.
وببراعة، استطاع الرحبي أن يضع ملامحها بدقة ونعومة، فبدت كأنها فتاة خطفت عقله من خلف شاشة حاسب آلي لتستقر في ذاكرته وتسجل أحداثا جعلته يسرد منها روايته، وكأنها ملهمته التي صنع منها بطلة بكبريائها وجمالها الذي لا يمكن لأي أحد تجاهله، وبقوامها الأخاذ الذي يجعل الناس تشعر بالدوار والارتباك عند رؤيته.
هل يا تُرى أبدع في وصفها لدرجة أنه خيل لنا أنها شخصية واقعية قد نعرفها أو قابلناها يوما ما؟
وعلى الرغم من أنني لم أستطع تقبل نهايتها غير المتوقعة، لكن يمكنني القول إنه استطاع فعلا أن يغزل من الخيال سطوراً قاربت أن تصبح واقعا له مَلْمس وشخصيات من دم ولحم لنا، ولولا أنني أعلم أنها من نسج الخيال، لقلت إنها شخصية حقيقية اقتربت من الكاتب، لتنثر على حياته أزهار البنفسج، ولتخطف قلبه ببعض الرسائل الإلكترونية وأزهارها التي تضفي على المكان روعته.
لكن أيضا لا أغفل تلك اللغة الرشيقة التي صنع منها الحوار، فهي أقرب ما تكون لرسائل من طرفين، ومشاعر بين اثنين؛ تجعل الشخص يواصل القراءة دون أن يشعر بالملل أو بمرور الوقت؛ فجانب التشويق ظل ينتقل من صفحة لأخرى، حتى يخيل لك أن هناك قصة أخرى لا تعرفها أو سرا بين الكاتب وبطلته، وأنها لم تكن فقط من صنع الخيال بل هي أنثى، تقتات على شعورها بالاستثناء والرغبة من الآخرين؛ لذلك كانت النهاية صدمة، اجتهد الكاتب ليصوغها حتى وإن لم تعجب من قرأ الرواية، وهي أن العالم الافتراضي ليس إلا مصيدة في كثير من الأحيان، ووهم قد يصدمنا في نهاية الطريق.
madreen@alroya.info