الأنشطة الاقتصاديّة في الدراما العُمانية (5)

شيخة الفجرية


في كل نصٍّ دراميٍّ، لا بد من توزع المهن والصناعات على الشخصيات التي تحمل الملامح البطولية، لأنَّ شخصية البطل دائماً تكون منتجة وإيجابية، وهو ما يجب  التركيز عليه في مسلسلاتنا، فنحن في بلد يمتلك موقعاً جغرافيا يُطل على القارات الأكثر غنىً في العالم، من حيث تعدد الثروات والثقافات، هما القارتين الآسيوية والإفريقية، إذ كانت موانيءُ عُمان منذ فجر الميلاد ملاذاً لبعضِ هذه الثروات والخيرات، وربما الثقافات أيضاً، كونها ملتقى التجار القادمين والذاهبين، بلغت هذه الموانيء أوجّ ازدهارها على فتراتٍ متعاقبة وطويلة، مثل: ميناء مسقط الذي تأتيه البضائع من كل مكان، بالإضافة إلى الغنم القادمة من بلدان عُمان، ومن بلدان عُمان كذلك تأتي الأقمشة، مصدرها مطرح، حيثُ هي المهنة الأساسية هناك، خاصة الأقمشة الصوفية، أمَّا مصدر الأقمشة الحريرية والقطنية والصوفية، فهي تأتي من شرقية عُمان، ومنها بلاد بني بوحسن، بينما تأتي المجوهرات والسيوف والرماح والخناجر والبنادق والمدافع  من المدن الكبرى، مثل: مسقط ونزوى وصحار، وتقتصر صناعة السكر على نزوى، وأقمشة صحار المميزة(1). ويتم تصدير الحلوى العمانية إلى الهند وإيران، كذلك الليمون المجفف(اللومي اليابس/اللومي الصحاري)، والسمك المجفف(العوال)، واستيراد الأسلحة الرخيصة من أوروبا قضى على صناعة الأسلحة العمانية كما فعلت بقية الصادرات التي قضت على الصناعات(2)، وتتم صباغة الأقمشة في عبري، وصناعة الجرار في نخل، وصناعة النحاس في نزوى، وصناعة السفن في صور ومسقط(3).
وبلغت التجارة العُمانية شهرة اكتسبت ثقة العديد من دول العالم، إذ كان يتم تصدير بلح الفرض المفضل استيراده من التُجَّار الأمريكيين، وزادت الصادرات منه إلى الهند وأمريكا، فالطلبُ عليه لايزالُ قوياً في كل بلاد العالم آنذاك(4)، ويقول لاندن: أخبرني أحد التجار أن الصادرات من البلح العماني يتم تفريغها في مدينة كراتشي ثم يتم توزيعها بالسكك الحديدية إلى إقليم البنجاب وبقية المدن والمناطق الهندية(5).
ومن الموانيء العُمانية المزدهرة التي مثلت نقطة تجميعية للبضائع القادمة من دول العالم، يتم تصدير الخيل العُمانية إلى الهند وجزر موريشيوس، وإعادة تصدير الحمير القادمة من البحرين إلى الهند، وتجارة الحمير تُعد حينها من التجارات الناجحة جداً، بالإضافة إلى الإبل العمانية، التي تُعدُّ أجوَّد الإبل العربية، فإن أغلب تصديرها يكون للجزيرة العربية، ومن حظائر الفحم في ميناء مسقط يتم تصدير كميات منه إلى بريطانيا وفرنسا(6)، أمَّا التُجار المُرابطينَ في الموانيء العمانية إلى جانب العمانيين، فهناك يعمل التَّجار الهنود سماسرة لشراء التمر ودفع مقدم عنه لحين تصديره وبيعه، وكان أغلب السكان في مسقط قبل عام 1856م من الأجانب، ومن أبناء القرى العمانيين الذين هجروها قادمين إلى مسقط، عاد الأجانب إلى بلدانهم والعمانيين إلى قراهم بعد ماحدث من تدهور(7).
وفي نصٍّ آخر يمكن الاستدلال بما جاء في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي عن جبال البحر، كجبل الدردور، وكسير وعوير، وماجاء عن موانئ صحار(8).‏ ومن كتاب "البحر الأرتيري (The Periplus of The Erythraean Sea)  للرحالة الروماني بريبلوس(ق1م)، إذ يصف اللبان الذي يُجمع بأكوام على الساحل، وتصدير كميات كبيرة من بيض السلاحف الفاخر(9)، وقد وصف"ابن بطوطة" سوق صلالة بـ" كثرة ما يباع بها من الثمرات"(10)، واصفاً النقود التي تُسَيّرُ بها أمور هذه التجارة في الأسواق قائلاً: ودراهمهم من النحاس والقصدير ولا تنفق في سواها، وهم أهل تجارة لا عيش لهم إلا منها"(11)، وعن ذلك يُضيفُ مايلز وصفه لمرباط: وترتاد ميناء مرباط السفن الشراعية التي تنقل التجار بينها وبين الهند، وقال روبرت لاندن: ازدهرت تجارة الأسلحة منذ عام 1890ـــ1912م، وكانت بيد الهنود وهم أثرى الأثرياء. أمَّا التمر فهو أثمن الصادرات التجارية فهو من مصادر العملة الأجنبية يدر على خزينة الدولة أرقاماً قياسية، يتم تجميعه من مناطق عمان(12)؛ وقد تحدث سليمان عن تجار العراق والصين وعلاقتهم بعُمان فقال: "أمَّا المواضع التي يردونها ويرقون إليها فذكروا أن السفن الصينية تحمل من سيراف، وأن المتاع يُحمل من البصرة ومن عُمان وغيرها إلى سيراف، فيعبأ في السفن الصينية بسيراف، لكثرة الأمواج في هذا البحر وقلة الماء في مواضع منه. والمسافة بين البصرة وسيراف مائة وعشرون فرسخا"(13).
وثمة لقطات أومشاهد درامية أخرى يمكن بناء النصوص  الدرامية وفقها، وهي"المساومة" عادة قديمة جداً، معروفة في الأسواق العُمانية، وتُسمى محلياً بـ"المناداة"، إذ تتم عن طريق المُنادي أو "الدلّال" الذي ينادي بالبضاعة، مقابل أجر يستلمه من صاحب البضاعة بعد أن يتم بيعها للزبون، وتبدأ العملية بأن يطلب الدلال من صاحب البضاعة بطرح سعر يرضيه، وما ان ينطق صاحب البضاعة بالسعر حتى يبدأ المنادي أو الدلّال بالمناداة على اسم البضاعة وسعرها على الناس في السوق، ليطرح أحد الراغبين بالشراء سعراً آخر يزيد عليه قليلاً، ثم يطرح الزبون الثاني سعراً أعلى من السعر الذي سبقه وهكذا إلى أن يقتنع الجميع بالسعر، البائع والمشتري، ويوثق ويلستد لوحة أخرى تمثل طريقة مختلفة للمساومات وطقوسها في البيع والشراء، من خلال وصفه للطريقة التي يتم بها الاتفاق على استئجار الجمال فيقول:" تبدأ المساومات عادة بصوت خفيف، حيث يطرح أحد الطرفين سعراً يزيد عشر مرات عن السعر الذي يعتزم قبوله، أو يتوقع من الآخر أن يقبله، فيكون الرد على هذا نظرة استنكار تعبر عن منتهى الدهشة، وأحياناً تكون مصحوبة بصوت استهزاء وشيئاً فشيئاً تزداد حرارة الجدال. ويغير الطرفان مكان جلوسهما مرة بعد مرة. وفجأة يعلو صوت الشيخ العجوز فوق صوت خصمه...ثم فجأة أيضاً ينصرفان إلى حديث هامس كأنما يخشيان أن تحمل الريح كلماتهما إلى آذان الآخرين، ومع ذلك يمكن أن يسمع المرء بعض عبارات متفرقة ...، وأيمان مغلّظة أو يرى إشارات تنم عن الرجاء والمحايلة، ثم قد ينهض أحد الاثنين غاضباً مصمماً على الانصراف وقطع حبل المفاوضات، فيجري خلفه أحد المرافقين يتوسل إليه أن يعود ...، ويتكرر هذا المشهد عدة مرات قبل أن يصل الطرفان إلى تسوية"(14).
المراجع:
1.أنظر: لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، وزارة التراث القومي والثقافة، ط5، مسقط،1415ه ـ/ 1994م، ص25.
2.أنظر: لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، المرجع السابق، ص25.
3.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، مرجع سابق، ص25.
4.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، مرجع سابق، ص25.
5.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، مرجع سابق، ص25.
6.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، مرجع سابق، ص25.
 7.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، مرجع سابق، ص25.
 8.قنديل، فؤاد: أدب الرحلة في التراث العربي، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2002، ص213. و كراتشكوفسكي، اغناطيوس يوليانوفتش: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، تر: صلاح الدين عثمان هاشم، القسم الأول، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة 1961، ص141.‏
9.المجيدل، عبدالله: عُمان في أدب الرحالة، مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 110 السنة الثامنة والعشرون - حزيران 2008، ص108.
 10.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276.‏
 11.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، المرجع السابق، ص276.‏
 12.لاندن، روبرت: عُمان منذ 1856مسيراً ومصيراً، سبق ذكره، ص25.
 13.كراتشوفسكي،اعناطيوس يوليانوفتش: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، سبق ذكره، ص141.
14.بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، تر: مصطفى كمال، مطابع البيان، دبي، بدون تاريخ، ص212.‏

تعليق عبر الفيس بوك