الدراما العُمانية كما ينبغي لها أن تكون

العُمران وأنماط الحياة في الدراما العُمانية ( 4 - 10)

شيخة الفجرية – باحثة من سلطنة عُمان


يقول المقدسي:" دُورهم من الآجر والساج، شاهقة نفيسة، والجامع على البحر له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق... ومحراب الجامع بلولب يدور، تراه مرة أصفر وكرَّة أخضر وحيناً أحمر"(1)، وهي كثيرة المساجد ولهم في كل مسجد مطاهر كثيرة معدة للاغتسال(2)، ووصف عُمران نزوى، بأنَّ" بنيانهم طين والجامع وسط السوق"(3)، وأكدَّ الشريشي الأندلسي الذي وصف عُمان بأنها مدينة حصينة على الساحل، ومن الجانب الآخر مياه تجري إلى المدينة، وفيها دكاكين وأشجار، مفروشة بالنحاس مكان الآجر، أمَّا صُحار فقد وصفها قائلاً:" ومسجد صحار على نصف فرسخ...، قد بني أحسن بناء، وهواؤه أطيب من القصبة"(4)، وعن مدينة قلهات، يقول: بأنها حسنة الأسواق ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشاني، وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر(5)، فيما وثّق مايلز زيارته لأطلال مدينة قلهات، وذلك في عام 1874م، حيث يصف السور والأبراج الثلاثة جهة البحر، وأساسات العديد من المنازل، والمقبرة على شكل قبة وكذلك السرداب أو القبو... ليضيف عليها: وتقف القلعة على ربوة ترتفع 100 قدم، وهي بحوائط عريضة، ولها بابان يطل أحدهما على الشرق، ويطل الثاني على الغرب، كما توجد بئر بعمق 30 قدماً على الجهة الشمالية الغربية(6)، ويرى مايلز أنَّ الأفلاج هي أحد علامات الرخاء في صحار، فهو يمد المدينة بالمياه في العصور القديمة، مقدما وصفاً دقيقاً لما كانت عليه.
وعليه يمكن العمل على ترميم المدن والأماكن المذكورة، على أن يكون بناء هذه المدن لعدّة أغراض، أهمها أن تكون متاحة للتصوير الدرامي وللسياحة كذلك، يمكن عدّها متحف يضم العديد من الفعاليات وربما المهرجانات الفنية والثقافية، ويتم اللجوء إليها كلما استدعى تصوير مسلسل أوفيلم أوحتى عرض مسرحي.
يبدو أن لأجدادنا فلسفة في تنويع غذائهم، مستفيدين من موقعهم الجغرافي وتوافد البضائع عليهم من كل البقاع، تحملها السفن بأنواعها من موانئ العالم قاطبة، بالإضافة إلى أنهم يأكلون مما يزرعون ويستوردون ما يزيد حياتهم الغذائية غنى وتنوّع، يقول ابن بطوطة:" وزرع أهلها الذرة، وقمحهم الذي يُسمّونه العلس"(7)، فيما يصف من رافقوه بالمركب من أهل ظفار، أنهم كانوا يأكلون السمك المشوي بالتمر(8)، وكذلك هو الحال في جزيرة مصيرة، فيقول: هي جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها إلا من السمك(9)، والأمر كذلك في قلهات، حيث يقول: وأكلت بهذه المدينة سمكاً لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم، وهم يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه، والأرز يجلب لهم من أرض الهند وهم أهل تجارة، ومعيشتهم مما يأتي إليهم من البحر الهندي(10).
أمَّا" الشيخ منصور"، وهو لقب رئيس الأركان والطبيب الشخصي للسيد سعيد بن سلطان (1807م)، الإيطالي" فينسينزو ماوريزي"، فقد صنَّف كتاباً عنوانه:" تاريخ السيد سعيد"، يقول ماوريزي:" على الأرض امتد مفرش طويل من قماش القطن، وعليه عدد لا حصر له من الأطباق المصنوعة من الصيني الفاخر، بها مالا يقل عن 50 دجاجة مشوية وكميات ضخمة من المحشي، واللحوم الملفوفة بأوراق البنجر، الذي تجده مع السبانخ والكرنب مزروعاً في كل حديقة، وأطباق مملوءة بضلوع الضأن....الخ وفي وسط السماط كان هناك صحنان كبيران من الخشب عليهما عدة خراف مشوية على قمة جبلين من الأرز، وإلى جانب هذا كله كمية كبيرة متنوعة من المشهيات...الخ"، وتحدث وليستد عن" عصير العنب والرمان"(11)، كما جاء في كتاب( التشوفان تشي) للمؤرخ الصيني تساو جوركوا(ق13م) وصفاً لطعام أهل عُمان قائلاً: يعيشون على الكعك(12) المصنوع من الذرة، ولحم الضأن ولبن الأغنام، والأسماك، والخضروات(13).
إنَّ هذه المعلومات عن أنواع الأطعمة، والتي حددت بعضها وأطلق العنان لتخيّل البعض الآخر، مع تفهم الفروق الإجتماعية ودورها في توافر الأطمعة مع مجموعة، وانحسارها عن مجموعة أخرى، يجعلنا نمعن في البحث عن كتابات ذكرت الأطعمة العُمانية في مصادر لم يتم التطرق لها في هذه السطور.
إنَّ اللقطات الدرامية للأرض الخضراء، والمزروعات ذات الثمار المتنوعة يمكن اقتباسها مما قاله روبين بيدول: "...وأشجار اللوز والليمون والبرتقال، تلقي من علوها الشاهق بعبيرها الفوَّاح...فإذا بنا لا نملك إلا الهتاف دهشة وعجبا؛ أهذه هي الجزيرة العربية؟ هل هذه هي الأرض التي قيل لنا أنها صحراء قفراء لا حياة فيها ولا ماء. ها هنا على مد البصر حقول شاسعة من القمح وقصب السكر تمتد أميالاً بعد أميال. وجداول الماء الرقراق تنساب تحت أقدامنا كأنها ينابيع الجنة. وعلامات الرضا على وجوه المزارعين تضيف لمسات أخرى جميلة على الصورة الباسمة... إنني أكاد أقول إننا أخيراً وصلنا إلى الأرض العربية المباركة التي كنت أعتقد من قبل أنها لا توجد إلا في خيال شعرائنا القدامى"(14)، لتأتي لقطة أخرى تعضد من منطقية الفكرة وتناسقها، وهي اللقطة التي التقطها ذات الكاتب فيقول:" وأن ظفار تنتج اللبان وجوز الهند والزبدة"(15)، ولقطة" المصلى وسط النخيل"(16)، التي التقطها المقدسي؛ والتي تتكامل مع لقطة أكثر اكتنازاً بالجمال الطبيعي فيما قاله ابن بطوطة عن طيوي: من أجمل القرى وأبدعها حسنا، ذات أنهار جارية وأشجار ناضرة وبساتين كثيرة، ومنها تجلب الفواكه إلى قلهات وبها الموز المعروف "بالمرواري"(17)، ومن مدينة الأحقاف بساتين الموز كبير الجرم، وهو طيب الطعم شديد الحلاوة، وبها أيضاً النارجيل المعروف بجوز الهند(18)، وبمرسى حاسك، وصف شجر الكندر بأنه رقيق الورق، وإذا شرطت الورقة منه، قطر منها ماء شبه اللبن ثم عاد صمغاً، وذلك الصمغ هو اللبان(19)؛ ثم يعود ابن بطوطة ليؤكد حقيقة كلُّ ما مر من مشاهد والتقاطات قائلاً: وصلنا عُمان اليوم السابع، وهي خصبة ذات أنهار وأشجار وبساتين وحدائق ونخل وفاكهة كثيرة مختلفة الأجناس(20).
ويصف مايلز ظفار بأنها إقليم على الحافة الغربية لخليج كوريا موريا، يمتد إلى رأس الشحر مسافة 130 ميلاً، وباتساع حوالي 18 ميلاً، من البحر وحتى التلال الممتدة إلى الصحراء، وهناك العديد من جداول المياه الصغيرة التي تأتي من التلال وتروي السهل، فالتربة غنية ومنتجة ويقال أنها تعطي ثلاثة مواسم في العام، ويزرع التبغ والقطن وأشجار النيلة والخضروات، والذرة،... والجميز، وأشجار السنط، والصمغ، والرمان، والصبر، والتين، والتمر الهندي، والطرفاء، وشجرة النيلة، والنبق، وجوز الهند(21).
المراجع:
1ـ المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة ليدن،1909، ص97.‏
2ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، شرحه وكتب هوامشه طلال حرب، دار الكتب العلمية، بيروت بدون تاريخ، ص276.‏
3ـ المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مرجع سابق، ص97.‏
4ـ المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مرجع سابق، ص97.‏
5ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
6ـ مايلز، س، ب: الخليج بلدانه وقبائله، تر: محمد أمين عبد الله، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان، مسقط،1982، ص 454(بتصرّف).‏
7ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
8ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
9ـ  ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
10ـ ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
11ـ بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، تر: مصطفى كمال، مطابع البيان، دبي، بدون تاريخ، ص 203.‏
12ـ ربما يقصد الخبز الظُفاري اللذيذ، الذي يُشبه الكعك في بلدان آسيا.‏
13. فيلبس وندل: تاريخ عُمان، وزارة التراث القومي والثقافة، ط3، تر: محمد أمين عبد الله، مسقط،1989، ص28.‏
14.بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، مرجع سابق، ص270.‏
15.بيدول، روبين: جواسيس في بلاد العرب، مرجع سابق، ص 203.‏
 16.المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مرجع سابق، ص97.‏
 17.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
 18.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
 19.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
 20.ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار، مرجع سابق، ص276.‏
 21.مايلز، س، ب: الخليج بلدانه وقبائله، مرجع سابق، ص 429.‏

تعليق عبر الفيس بوك