الجزائر تحتفي بـ(مفدي زكريا)

...
...
...

أ.د/ محمد قاسم ناصر بو حجام - الجزائر


بمناسبة حلول الذكرى الأربعين لوفاة شاعر الثورة الجزائرية "مفدي زكريا" أعدت مؤسسة مفدي زكريا برنامجا احتفائيا، يشتمل عل أنشطة متعددة، انطلق يوم الخميس17 من أغسطس 2017م، ويستمر إلى بداية سنة 2018م وبداية الاحتفال كانت من مدين" بني يزقن" ولاية غرداية (مسقط رأس الشاعر)، تحت إشراف والي الولاية وبحضور وزير الثقافة الجزائرية الشاعر المبدع  "عز الدين ميهوبي" وشهد برنامج اليوم الأول تدشين جدارية تتضمن "عقيدة التوحيد" من تحرير مفدي زكريا في بني يزقن، وزيارة لقبر الشاعر والتوجه إلى مكتبة مفدي زكريا في المدينة نفسها، وإقامة حفل في قاعة المحاضرات بمقر الولاية، تخصص للكلمات الرسمية وتقديم حصيلة نشاط مؤسسة مفدي زكريا، ثم عقدت ندوة حول حياة مفدي زكريا افتتحت بعرض فيلم وثائقي عن شاعر الثورة الجزائرية، ثم قراءات شعرية وأناشيد، بمناسبة اليوم الوطني  للشعر.
وهذه الاحتفالية مناسبة مهمة للتعريف بالرجال الوطنيين الأحرار، الحاملين مبادئ أصيلة ثابتة، العاملين بإخلاص وصدق في خدمة الوطن، المتشبعة بشعار:" مصلحة الوطن والجماعة قبل مصلحة الفرد الخاصة "، وهي مناسبة لنتعلم منها دروس الوطنية الحقة، والجهاد الصحيح والتضحية البريئة من كل شائبة وشائنة وشانئة.
مفدي زكريا (فتى ميزاب، فتى المغرب العربي)، كما كان يوقع بعض مقالاته، وهو شاعر الثورة الجزائرية، وشاعر المغرب العربي، وشاعر شمال إفريقية، وهو شاعر رسالة، شاعر قضية، شاعر الكلمة للمسؤولة، شاعر الموقف الثابت، شاعر القضية الفلسطينية، شاعر الإنسانية، وهو صاحب ديوان اللهب المقدس وإلياذة الجزائر ودواووين شعرية أخرى، وصاحب النشيد الوطني الجزائري الرسمي وصاحب النشيد الرسمي لحزب الشعب الجزائري، وصاحب أناشيد وطنية عديدة، ترددها كثير من فئات الشعب الجزائري. ومن أشعاره نختار هذه النماذج:
رسالة للشعر في الدنيا مقدسة
لولا النبوة كان   الشعر   قرآنا
وقال عن الجزائر:
وقل الجزائر واصغ إن ذكر اسمها
تجد    الجبابر ساجدين    وركعا
إن الجزائر   في   الوجود   رسالة
الشعب     حررها    وربك    وقعا
إن     الجزائر      قطعة    قدسية
في الكون، لحنها الرصاص ووقعا
إن نضال الثورة الكبير حرر الجزائر من الاستعمار، ووفر لها الحرية والانعتاق والاستقلال. فهل تحررت اليوم من الاستغلال وجشع الانتهازيين؟ هل تحررت من التبعية المخزية المذلة؟ هل انفكت عن الجبن الذي حذر منه الشاعر وأستعاذ منه؟:
إن الجبان على البلاد   مصيبة
عظمت، فيا أرض أبلعي الجبناء
هل نحن مستعدون أن نتخلى عن الجبن، فنستقل بسيادتنا وقراراتنا وخيراتنا؟ ونتحكم في زمام أمورنا؟  ونتمسك بأصولنا ومبادئنا؟ إن الشاعر بسبب شجاعته وجرأته وثباته وصموده وتحديه لكل حائل وعامل وعارض وعائق لمسيرته الجهادية فقد دخل السجن خمس مرات في عهد الظلم الاستعماري الفرنسي الغاشم؛ فكتب قصيدة طويلة عن أجواء السجن وشمت فيها بالسجان، وأعلن صداقته وصحبته للسجن، فقال من جملة ما قال:
سيان عندي     مفتوح   ومنغلق
يا سجن   بابك أم شدت به الحلق
ما أنت يا سجن لا أخشاك تعرفني
من يحذق البحر لا يحدق به الغرق

إن الشاعر مفدي زكريا كان من دعاة الوحدة وبانيها، ومناصر للمقومات الوحدوية، وحاميا للقيم الأخلاقية:
نحن  في هذه  الجزائر إخوان
جراحاتنا  الثخينة   حمرا
لحمة الضاد والعروبة  والتاريخ
والدين  آي   ربك  كبرى

وكان القضية الفلسطينية حاضرة في قلب الشاعر ووطنه الجزائر ومن أقواله فيها:
فلسطين   في   صلبنا   لحمة
جراحاتها   في  الحشا  ثاويه
فلسطين   في   أرضنا   بعثها
ومن  أرضنا   تزحف  الحاميه

وقال عن أخلاق الصحراء:
وجنبنا  الغدر     ماء    الغدير
وحذرنا  الظل   نهج    الضلال
وعلمنا الصدق راعي المواشي
وعودنا   الصبر  صبر  الجمال
وأخرجت الأرض أثقالها
فطار بها العلم   فوق   الخيال
وقال عن موطنه (ميزاب):
 ويحفظ   ميزاب  لوح   الجلال
فيصبح ميزان  في اللوح  حرفا
رحم الله  شاعر الكلمة المجاهدة، والموقف المسؤول، والمبادئ الراسخة، والقيم الثابتة، والفكر  الأصيل؛ رحم الله كل فرد تعلم منه الإخلاص في النية،  والصدق في العمل، والتضحية من أجل الوطن، ورحم الله كل مواطن أدرك حقيقة الوطنية، وفهم دوره الحقيقي في البناء، ووعى ما تنتظره من أعباء ومهمات؛ ليتحرر من شهوات نفسه، وينفك وينفلت من التبعية لغيره، وعرف كيف يرتب بيته من الداخل؛ بمبادئه وأصوله، ولا يترك  للدخيل كوة يدخل منها عليه وعلى مشروعاته وأعماله.

تعليق عبر الفيس بوك