امنحني تعليمًا ناجحًا أَعْطِك شعبًا عظيمًا

عزيزة الطائي

كُلَّما استقبلنا عامًا دراسيًّا جديدًا تراودني مقولة جميلة للناشط الأمريكي المسلم مالكوم إكسMalcolm X  مالك الشباز، وفيها يقول: "إنَّ التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل؛ لأن الغد مُلك لأولئك الذين يُعدون له اليوم".

إلى أيِّ مَدَى نستطيع أنْ نُدرك ثراء هذه المقولة، ونعي مرادها؟! وهل نحن بحاجة إلى تجديد الأهداف، وبلورة الخطط لنقيس عليها المخرجات فنعبر إلى مستقبل أرحب بهذا الجواز؟! ثم أي مستقبل نبتغي حتى نتجاوز الماضي، ونُبرمج الحاضر بما يتلاءم ومتطلبات التربية الحديثة لتحقيق التوازن المنشود بيننا وبين عالمنا؟

ويحضر السؤال الأهم: كيف نستطيع توجيه الثقافة المجتمعية وترشيدها بأهمية توطين الحاضر والاستعداد للمستقبل حتى نتمكن من الوصول إلى فضاءات العلم والفكر معًا بتدريب العقل على التفكير، وحب المعرفة؟ وهل مؤسساتنا التعليمية نجحت في تأسيس ثقافة أن التعليم ليس في حفظ الحقائق والمعلومات، بل بترسيخ حرية الرأي، ولباقة الحوار، وحل المشكلات، ونشر ثقافة تعليمية مدروسة بخطط واعية، وأهداف مناسبة قابلة أنْ تُتَرجم على أرض الواقع في نهاية العام بمخرجات إيجابية، ونبدأ عامنا المقبل بأهداف أخرى جديدة ترسم وعينا كأمَّة لها رؤيتها ومتطلباتها من خلال برامج تدريبية وتربوية وإعلامية مخطط لها؟ أطرح هذا كله إيمانًا مني بأن الارتكاز على أهداف توعوية تراعي جوانب ثلاثة بدونها لن تستقيم الحياة عند بناء الإنسان، وهي: الجانب العقلي، والنفسي، والصحي.

كلٌّ منا يؤمن بأهمية التربية والتعليم، وأن الناشئة هم الثروة الحقيقية لهذا المجتمع، واللَبِنَة التي نضعها لنؤسس عليها جدران بلادنا، وننقش القواعد التي نرفع عليها بُنيان أوطاننا. هذا المستقبل يتفيأ بين ذراعي الأسرة والمدرسة/الكلية/الجامعة، ويتداخل معهما الإعلام والمجتمع والأقران وغيرهم. والمرحلة التعليمية تُعد من أهم مراحل حياة الإنسان؛ ففيها يتجدد، ويلتقي بالأصدقاء، ويختلط بشرائح عدة، ويكون عالمه الخاص بفضل هذا التفاعل الإيجابي بينه وبين أقرانه، وينشئ علاقات طيبة مع معلميه، ويبني الذكريات السعيدة التي سوف تخلد بذاكرته للأبد، وفي كل مرحلة دراسية جديدة يضيف أشخاصاً آخرين لحياته. وحين يتخطى عتبة المرحلة الثانوية مُنتقلاً إلى العالم الأوسع حيث الجامعات والكليات والمعاهد سيجد الجواب الكبير أمامه: "إنك تتعلم لتحقق ذاتك، وترسم غايتك، لتكون أنتَ، لتكون لكَ بصمة في الحياة تترك بها أثرك".

وإذا كانت المعرفة مخزونا ثقافيا متنوعا عميقا، فإنَّ التعليم بُنية وتربية وفن ورسالة للنهوض من مستنقع الجهل والتخلف والسطحية، وأهم عنصر لنجاحه يكمن في نضج السياسة التعليمية وحكمتها القادرة على قراءة الحاضر والمستقبل معًا، وتنفيذ الخطط والبرامج برؤية متوازنة تلائم حاجات المجتمع التعليمية عند بناء المتعلم الذي هو محور العملية التعليمية، وهذا لن يتأتى إلا بتنمية حب المهنة عند المعلم، والمنهج العصري المناسب لكل مرحلة، والبيئة المدرسية الصحية. فعلى المؤسسة التعليمية أنْ تَعِي أيَّ نوع من التعليم تنشد، فنحن بحاجة إلى تعليم الأبناء ما يضمن لهم التوازن المنهجي، والاستقرار المعرفي، وحرية الفكر، والتعبير عن الرأي بعيدًا عن التخبط في القرارات والرؤى والتجارب؛ ولن يتأتى ذلك إلا بتأسيس اللبنات منذ الصفوف الأولى فبعد إجادة القراءة والكتابة علينا محاربة أسلوب التلقين والحفظ بتذليل مناهج تعليمية تفتح آفاقًا أرحب للجدال والحجاج والحوار والإقناع لنربي متعلمين قادرين على مواجهة متطلبات الحياة، وتغيرات العصر، لا حفظة وإمعة. فكم نحن بحاجة إلى القضاء على الاستبداد في حياتنا، ولعل المناهج التعليمية المدروسة التي تواكب تطور مسار الحياة مع العالم، وتدريب المعلمين على طرق التدريس الفاعلة، هي المرتكزات الكفيلة لتحقيق ذلك على أرض الواقع.

فأيُّها المشرف التربوي، كُن راعيًا لمجموعتك من المعلمين والمتعلمين. لتبدأ بالتفكير في القرارات الجديدة التي تودُ اتخاذها بعد انقضاء العام الحالي واستقبال عام جديد، وفكر بروح محبة مدركة تخلص فيها الضمير في أسلوب تعلُم جديد تكسبهم إياه، وسجل متابعة أمر كنتَ تفعله في السنة الماضية وما زلتَ مهتما بفعله، وبغض النظر عن قراراتنا أو ترتيباتنا للعام الجديد فمن المُهم أن تتحمس، وتكون بكامِل تركيزك، للعودة إلى العمل الذي كُنتَ تقومُ بهِ مُسبقاً، أو البدء بتنفيذ الخُطط المناسبة التي اتخذتها بما يتناسب مع كل بيئة تعليمية مسؤول عنها.

وأنت أيُّها المعلم، لتكن أبًا مُحِبًّا، وأخًا حريصًا داخل غرفة الصف وخارجها، لبيبًا تراقب بحذر، وتوجه بوعي، وتدرك أن لكل عصر جيل محكوم بتغير الأوضاع المجتمعية والدولية. فما كنتَ تجده صالحًا ومناسبًا، ربما تجده غير ذلك غدًا. واعلم أن لا سلطة تعلو على سلطة العقل، ولا حجة تسمو على العلم، ولا رقابة أسمى من الضمير. علمهم، وحاورهم، وثقفهم، وتابعهم برعاية وسكينة.

ويا وليَّ الأمر، كُنْ بين أبنائك، ولا تغلب مصالحك عند توجيههم، وطِّن المحامد فيهم. جرب الجلوس معهم على طاولة مستديرة للحوار، والاستذكار ولو ساعة واحدة في اليوم.. اغرس فيهم حب العلم والمعلم والمدرسة والخلق والوطن... إنها العودة للمدارس، العودة للتحصُّن بجواز السفر الذي يقودنا إلى مستقبل واعد؛ كي نحصد فيهم الأمل والطموح.

وأنت أيُّها الطالب، تعلَّم، إنَّ بداية السنة الجديدة هي أفضل الأوقات لوضع خطط جديدة، وتنفيذ القرارات التي تترتب عليها، ويُفضل تدوين هذه الخطط على خطاطة أو التقويم السنوي؛ حتى يتسنى لك كتابة مُلاحظاتك عند الحاجة، وعليك أنْ تُحضر الخطة وطريقة تنفيذها مُرتبة ومنظمة، حتى تُعينك على الإنجاز، وتوجه طاقاتِك لبدء عادات جديدة والاعتياد عليها. سجل كُل ما تحتاجُهُ لتبدأ العمل. قسم المهام أو الأهداف إلى أهداف قصيرة أو بعيدة المدى. ركز على تنظيم أمورك؛ وذلك لأهمية التنظيم في مساعدتك على أداء وظائفك اليومية بكُل يُسر، وتوفير الكثير من الوقت. استمتع بحياتك وحاوِل أن تخصص الوقت المُناسِب للاسترخاء.

مع أمنياتي بعام دراسي موفق وسعيد للجميع....،

تعليق عبر الفيس بوك