تخطيط منظومة التعليم وفق المتغيرات المتسارعة

علي بن خلفان الحراصي

 

لا شك أنّ إعادة هيكلة منظومة التعليم في بلد ما تحتاج إلى العديد من القراءات والتنبؤات المستقبلية سواءً التطويرية أو لحل مشكلات مزمنة مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإنمائية الأخرى. فقطاع التعليم يختلف عن بقية القطاعات في أنه يبني الإنسان وينشئ العقول التي  ستدير القطاعات المتنوعة، والتي ستكون وسيلة لتحقيق الأهداف الإنمائية الأخرى، ولا ريب أنّ تقدم الشعوب تقاس بمستوى تعلم أجيالها ومستوى مهاراتهم في التعامل مع الثورات العلمية ومدى استثمارها في حل المشكلات الداخلية لكل بلد.

تتعدد التحديات التي تعيق رسم إطار واضح ومستقر للتعليم سواءً تلك التحديات المتعلقة بالمكونات الداخلية لمجتمع، أو التغيرات المتطورة التي تطالع العالم بين حين وآخر، كما أنّ هناك تحديات أخرى مرتبطة بمشكلات معينة تظهر على فترات مختلفة مثل: تباين التحصيل الدراسي بين الجنسين، والتزايد غير المتوقع لأعداد الطلبة في مرحلتي التعليم العام والعالي وغيرها من التحديات التي قد تسبب ضغوطات على الخطط التعليمية. حيث لا يلبث مخططو التعليم من تطبيق نظام معين وفق المعطيات في زمن معين حتى تظهر أنظمة وسياسات حديثة أخرى قد تطبق وتنجح في بعض الدول النموذجية في هذا المجال مثل: سنغافورة، وفنلندا، وكوريا الجنوبية وغيرها، مما يجعل ذوي الاختصاص في حيرة من أمرهم إمّا الاستمرار في نفس النظام وانتظار النتائج أو المجازفة بتطبيق النظام الحديث الذي سرعان ما ستهجره الحداثة.

لقد تطورت المنظومة التعليمية العالمية على عدة مراحل وفقاً للمتطلبات والمتغيرات، فمن مرحلة التعليم الكمي بالتركيز على محو الأميّة إلى مرحلة التعليم النوعي، وتطبيق معايير الجودة الشاملة، والانتقال إلى مرحلة البحث عن خطط التنمية المستدامة والتعليم مدى الحياة، أصبح لزاماً استشراف المستقبل الذي يحمل في طيّاته العديد من الاحتمالات والمتغيرات للتعليم والتنمية البشرية، فالعالم في تنافس مستمر نحو استثمار التعليم في البشر والاستفادة منه في إنتاج المعرفة لتسهيل سبل معيشتهم، حيث يقول المفكر الأمريكي في مجال دراسات المستقبل ألفن توفلر "أن أميّةَ القرنِ الحادي والعشرين لن تكون أميّة القراءة والكتابة، بل هي أميّة العجز عن تعلم كل ما هو جديد".

إنّ التغير المتسارع هو سمة هذا العصر الذي يتصف بالديناميكية في العديد من المجالات بما فيها الثورة التكنولوجية والمعلوماتية ووسائل الاتصال ونقل المعلومات، وانتشار الكم الهائل من المعارف، والذي أثّر بدوره على مظاهر الحياة في المجتمعات، وأثّر بشكل خاص على عملية التعلم والتعليم، ولذلك أصبح لزاماً على القائمين على سياسات التعليم مواكبة المتغيرات الحديثة، وانتقاء الأنسب للمنظومة التعليمية بما يتوافق مع الاستراتيجيات التنموية في البلد. ولقد تزايدت الدعوات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى وجوب التعليم مدى الحياة، وإيماناً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بشأن تسارع التغيرات المعرفية التطويرية ضمّنت المنظمة منهج "إنشاء نظم جامعة للتعليم مدى الحياة" ضمن الأربعة مناهج الأساسية في إطار مرحلة ما بعد 2015م.

ومن جهة أخرى، يطالع العالم بوادر الثورة الصناعية الرابعة، وذلك بعد مرور أكثر من 70 عاما على الثورة الصناعية الثالثة التي جاءت بالحوسبة الرقمية. ومن المتوقع أن تكون الثورة الرابعة مختلفة من حيث السرعة والإنجاز وتغيير العالم والإنسان، وهو ما يضع أمام الجميع مسألة التفكير والتخطيط العملي المتقن لإحداث تغيرات داخلية في أنظمتها بشكل عام ونظام التعليم بشكل خاص؛ والاستفادة من هذه الثورة في إعادة هيكلة رأس المال البشري. والتساؤل الذي يهم راسمو سياسات المنظومة التعليمية هو: كيف يتم استحضار الجاهزية للقادم مع الثورة الصناعية الرابعة؟ وكيف يؤخذ في الاعتبار أنّ التقنية الجديدة القادمة تعني موارد جديدة، وأسواقاً وأعمالاً جديدة؛ وبطبيعة الحال أوضاعا اجتماعية وسياسية وثقافية جديدة؟                                                                                                                                             

وأخيراً ينبغي التأكيد على أن من سبل النجاح في إدارة هذه المنظومة هو تكاتف جميع القائمين عليها من خلال الاتقان في التخطيط العلمي والتنفيذ العملي، حيث يتطلب التخطيط التعليمي مشاركة مرنة بين جميع القائمين على عملية التخطيط، فإمكانية تنفيذ الخطط التعليمية ونجاحها يعتمد على مدى التعاون والتفاهم بين المخططين؛ للوصول إلى الهدف العام وهو التعليم من أجل التطوير.

تعليق عبر الفيس بوك