حمود الطوقي
"رُبَّ ضارة نافعة".. يبدو هذا المثل أو القول المأثور صحيحًا تماما، فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها السلطنة منذ العام 2014، حين بلغ سعر النفط 114 دولارا للبرميل، قبل أن يتهاوى منذ ذلك التاريخ ليصل إلى حوالي 50 دولارا حاليا في العام 2017. ورغم الآمال العريضة لخبراء الاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية الدولية، في انتعاش سعر النفط ليصل إلى أعتاب الـ60 دولارا في النصف الثاني من العام الجاري والعام المقبل، إلا أنَّ الأزمة برمتها كانت مفيدة للاقتصاد العماني لتحريك بدائل النفط وتعظيم إيراداتها، والتي تتمثل في: السياحة، والزراعة والثروة السمكية، والمناطق الصناعية، والموانئ اللوجستية وتحسين الخدمات، وذلك وفقا للخطة الخمسية التاسعة 2016-2020. ولم تكتفِ الحكومة بالتحرك لتعظيم إيرادات بدائل النفط فقط، بل اتخذت إجراءات شديدة تواكب تحديات الأزمة والتكيف معها؛ سعيا لعبورها وتجاوزها، كما رأينا في التقشف الحكومي والإلغاء التدرجي للدعم المقدم للنفط والمياه والكهرباء، وتأجيل تنفيذ بعض المشروعات وإلغاء بعضها وبحث فرض ضريبة القيمة المضافة في العام المقبل 2018، ولأن الأزمة الحالية تبدو مختلفة عن الأزمات الاقتصادية السابقة التي مرت بها السلطنة، كان لابد من بحث الاستفادة من القطاعات المالية والاقتصادية الواعدة، مثل المصارف العمانية، خصوصا وأنها حققت نتائج وأرباحا جيدة في السنوات القليلة الماضية.
وتحدَّث سعادة حمود بن سنجور بن هاشم الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني -في افتتاحية كتاب المصارف العُمانية، الإصدار السادس 2017ـ والذي أصدره مركز تكنولوجيا الصحافة والنشر والإعلان، مؤخرا- عن قطاع المصارف في السلطنة. وأوضح أنَّ هذا القطاع يدشن العام 2017 وكله ثقة في قدرته على التكيف مع المتغيرات الجديدة في البيئة الاقتصادية والمالية؛ حيث تشير التوقعات إلى تحسن النمو في الاقتصاد العالمي بشكل عام والولايات المتحدة على نحو خاص؛ الأمر الذي ينطوي على تداعيات متباينة على أسواق السلع والنقد، خصوصاً فيما يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي - عملة المثبت للريال العُماني. وهنا لا بد أن نشير إلى ميزة الانفتاح الاقتصادي للسلطنة وقدرة المؤسسات المصرفية المحلية على تنويع مصادر الأموال لديها كذلك مرونة هيكل أسعار الفائدة المحلي، واستيعابه للمتغيرات المحلية والعالمية بما يكفل تلبية الاحتياجات الائتمانية لمختلف الفعاليات الاقتصادية، والحفاظ على جودة محفظة القروض. ويجدر بالذكر هنا أن إجمالي القروض الممنوحة من قِبل القطاع المصرفي -شاملاً البنوك التجارية التقليدية وكذلك البنوك والنوافذ الإسلامية- قد نما بنسبة 10.1% في العام 2016م، في حين نما إجمالي الودائع لديها بنسبة 5.2%. وانعكاساً لهذه التطورات، فقد ارتفعت كلفة الودائع بشكل عام لدى البنوك التجارية من 0.936% في ديسمبر 2015م إلى 1.493% في ديسمبر 2016م، في حين ارتفعت نظيرتها على الإقراض من 4.762% إلى 5.084%. وضمن هذا السياق، يُتوقع أن تؤدِّي لسياسة تنويع مصادر التمويل لعجز الميزانية، إضافة إلى سياسة الضبط المالي التي تنتهجها الحكومة في الحد من النمو في الطلب على القروض الشخصية؛ وبالتالي إتاحة مزيدٍ من الأموال أمام القطاع الخاص وبكلفة معقولة.
ويُتوقَّع أنْ يكون للقطاع المصرفي والمالي دَوْر مهم في تكيُّف الاقتصاد العُماني مع أوضاع سوق النفط الحالية، وكذلك المستجدات الاقتصادية العالمية، بما يكفل سلاسة الانتقال نحو اقتصاد أكثر تنوعاً وبهيكل مستدام للمالية العامة والحساب الجاري في ميزان المدفوعات.