الإبتزاز العلاجي !!

 

راشد بن سباع الغافري

بالأمس ضجت الهواتف المحمولة بمقطعين صوتيين لشخص يتحدث عن إيجاده علاجا لمرض الفشل الكلوي وأنه على استعداد لمعالجة أولئك المرضى نظير مبلغ زهيد لا يتعدى ثمن تكلفة مواد الخلطة العلاجية التي اكتشفها.

ويختم ذلك التسجيل بأن ما يفعله هو لوجه الله وليس بقصد الربحية!!

ثم ما لبث أنّ تمّ تداول تسجيل صوتي آخر في نفس اليوم يكذب ما أدعاه التسجيل الأول، مبينا أنّ صاحبه ليس أكثر من دجال يريد كسب المال على حساب المرضى وذويهم!!

 

وبغض النظر عن صدقية التسجيلين وما جاء فيهما فإننا في هذا المقال نود الإشارة إلى هذه الظاهرة القديمة المتجددة والتي بدأت تتنامى في الآونة الأخيرة بصورة أكبر من أي وقت مضى، وذلك بسبب بركات وسائل التواصل التي بات يستخدمها الصالح والطالح، صار الكل يوظفها بطريقته للوصول إلى مآربه.

هذه الظاهرة هي ظاهرة ابتزاز المرضى وذويهم!!

فإنّ كان هناك ما يُسمى في عرف الجرائم الحديثة بالإبتزاز الإلكتروني والذي سنت من أجل تقزيمه وتجريمه الكثير من القوانين فإنّ إبتزاز المرضى وذويهم لا يقل كارثية عن ذلك وهو بحاجة إلى قوانين حازمة تحد من مريديه ومرتادي مجاله وتقزم من أفعالهم التي باتت تغزو كثيرا من مظاهر الحياة المجتمعية وتستغل حاجة الناس للشفاء وتخفيف الآلام.

فالملاحظ في هذا الإبتزاز العلاجي أنهّ يركز على أمراض محددة هي أكثر تأثيرا من غيرها من الأمراض على المشاعر والحاجات كمثل :

السرطان والأورام الخبيثة، والحمل والإنجاب وما بينهما، والأمراض المزمنة كالسكر والضغط والفشل الكلوي، بالإضافة إلى مقاييس الجمال والرشاقة وقوى الأحصنة غير المروضة!!

هذه المجالات الصحيّة هي أكثر ما يتلاعب بها مبتزو العلاج وذلك ليقينهم التام بما يواجهه المصابون بها من حجم الأذى البدني والنفسي والعاطفي.

ولهذا تصدر بين الفينة والأخرى مثل هذه المقاطع المسجلة منها والمصورة، ولهذا أيضا تضج كثير من القنوات الفضائية والمجلات بالإعلانات التجارية المتعلقة بتلك المجالات الآنفة الذكر.

وقبل عدة أشهر تطول أو تقصر كان هناك مقطع آخر ينتشر في هواتفنا التي باتت تنتشر فيها هذه المقاطع كانتشار النار في الهشيم، هذا المقطع بعكس سابقه وإن كان يصب في ذات الاتجاه وهو عبارة عن مشهد مداهمة قوى أمنية وصحية في دولة خليجية لوكر يتم فيه تصنيع الزيوت والوصفات للطب البديل، حيث يوضح المقطع مشهد استغلال بعض الوافدين لحاجة الناس للوصفات والخلطات الصحية من خلال الزيوت الطبيعية المختلفة فيقومون بوضع زيت الطعام في عبوات صغيرة وخلطه مع بعض الألوان والنكهات ووضع ملصق عليها ما يشير إلى نوعها ومسمياتها واستخدامتها كزيت الخردل، وزيت السمسم، وزيت الحية، وزيت الحبة السوداء، وغيرها من الزيوت التي يتهافت عليها الناس سواء كانوا مرضى أو أصحاء طلبا للعلاج أو الرشاقة أو الجمال، وهي في الحقيقة ليست إلا سموم تطوف عالمنا الصحي في عبوات قاتلة ويتلقفها الناس بكل ترحاب إما طمعا أو أملا في علاج حالة ما .

ولذات السبب أيضا تمتلئ كثير من أرفف محلات العلاج البديل أو الطبيعي وبعض المراكز والمحلات التجارية بهذه الزيوت وذلك لما يعلمه أصحابها من كم المدخول المالي القادم من ورائها بغض النظر عن دقة نتائجها أو صحة مكوناتها.

وما يزيد الطين بلة هو ظهور أشخاص كثر يدعون القدرة والموهبة على صنع الخلطات العشبية الشافية وهم في الحقيقة ليسوا أكثر من باحثين عن عمل وعن مال في نفس الوقت أو باحثين عن شهرة ليقينهم التام بحجم الجمهور الذي سيتلقف خلطاتهم.

وكما قال أحدهم يوما يصف صديقا له كنا فاشلين دراسيا وفجأة وجدت زميلي يجيد صناعة الوصفات الطبية ويلقى قبولا لافتا جعله في مصاف مشايخ العلم والمعالجين!!

وياللمفارقات فقبل سنين كنا نحارب ظاهرة الدجل والشعوذة وما يسمى بالبصار فإذا بهذا الأمر يتطور ويتماشى مع لغة العصر ليظهر لنا على صورة علاج بالطب البديل والذي بات مخلوطا بسموم هي أسوأ من سموم الخلطات التي يقوم عليها، وآل أمر هذا الإبتزاز العلاجي إلى جناحين الروحي والعضوي مع دجالي الماضي والحاضر.

ولربما من محاسن الصدف كما يقال أن ينتشر ذلك التسجيل الصوتي في الواتس أب وفي نفس الوقت تنتشر تغريدة على تويتر تتحدث عن القبض على معالج روحي كما وصفته التغريدة في دولة خليجية وهو يتحرش بمريضة له جاءت إليه لتنقية روحها من هموم مزمنة، فإذا بها تواجه من أراد أن يقضي على ما تبقى لها من تلك الروح تحت وطأة الابتزاز العلاجي.

وإن كان هناك من سؤال نختم به هذا المقال فهو عن مدى حجم الرقابة القائمة على محلات الأعشاب بالذات والمروجين لها وأصحاب الوصفات التي تتداول؟ وكيفية متابعة ومعاقبة مثل هذا النوع من الابتزاز العلاجي السيء والمروجين له في وسائل التواصل؟

ما جاء في هذا المقال نأمل منه أن يدفع إلى أن يكون لمؤسسة الطب البديل في مسقط الدور الأكبر في تحديد ما يمكن وما لا يمكن تداوله واستخدامه من هذا الطب ووضع اللوائح والقوانين المنظمة لذلك، باعتبار أن هذه المؤسسة هي الجهة الوحيدة المتخصصة والمأمونة في هذا الإطار.

فقد سئم الناس من كثرة التلاعب بمشاعرهم بل وسئموا كم المصائب التي وقعت على كثير من أفراد عوائلهم وأسرهم نتيجة وصفات وكبسولات قيل زيفا أنها طبيعية؛ وهي في حقيقتها لا يعرف عنها من أين أتت ولا كيف صنعت ولا على أساس صُرفت.

 

قبل عدة أعوام فقدت شخصا عزيزا بسبب تناوله كبسولات لتخفيف الوزن قيل له أنها تصنع من مواد طبيعية وليس لها أي أضرار جانبية، لكنها ما لبثت أن فتكت به حتى رحل عنا وذلك بسبب ما كانت تحويه من فيروسات قاتلة داهمت جهازه المناعي.

فهل من متدارك لهذا الأمر قبل أن يستفحل أكثر مما هو عليه الآن؟!!

 

تعليق عبر الفيس بوك