مدرين المكتوميّة
يقول المثل العربي القديم "إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده" وهو أحد الأمثال التي لازلنا نرددها بين الحين والآخر، لكنّه حقيقة نعيشها بكل التفاصيل، فلو فكرنا قليلا فيه لوجدنا أنه يقودنا إلى حقيقية واحدة لا يمكننا نكرانها أو التغاضي عنها هي مسألة "التوازن" الكلمة البسيطة التي يمكن لكل شخص في الحياة أن يرددها، ويؤمن بها، ويطبقها في كثير من الأحيان إلا أن هناك من ركنها في زاوية من حياته، ولم يفكر يوماً في أنّ التوازن يمكن أن يكون أسهل وأسرع الطرق إلى السعادة، بل هو مفتاح السعادة الذي يبحث عنه الكثير من الناس، ويعتقدون أنّ حياتهم ما هي إلا عثرات لا يمكن الخلاص منها، على الرغم من أنّ الطريق سهل جداً ولا يحتاج للكثير من الجهد والعمل بقدر ما يحتاج لشخص يستشعر كل ما حوله ويؤمن أن هناك توازنا مطلوباً لابد من الحرص عليه لكي تستمر الحياة، بحيث لا يطغى جانب على آخر فلا تطغى العاطفة على المنطق ولا القلب على العقل، لا يطغى الترفيه واللعب والمزاح على العمل والجد والاجتهاد، لا نترك الوقت يتسرب دون أن نشغله بهذا التوازن بين مسؤولياتنا عمن حولنا وعن أنفسنا، نمنح عائلاتنا وقتا كما نمنح أصحابنا وأجهزتنا المحمولة وألعابنا التي تهدر الزمن ..
فقد يصل الأمر بنا إلى المصحّات النفسيّة إذا لم ندرك أهمية هذا التوازن في حياتنا والالتزام به، أهميّة وجود معايير نضبط بها إيقاع الحياة حتى لا نرتبك في مسيرتنا الإنسانية والمهنية، حتى يمكننا أن نعطي أنفسنا فرصة للتعلم واستيعاب الخبرات والمهارات والتجارب والاستمتاع بنعم الحياة التي وهبنا الله إيّاها، وإدراك ما يحدث حولنا ومعرفة أحبائنا من أعدائنا، وقبل كل ذلك التقرّب إلى الله والسعي إلى مرضاته عز وجل.
ودعونا نتخيل أنّ أجسادنا كالساعات الرملية التي تمر من عنقها حبيبات الرمل، والتي لو زادت لربما ستكون سببا من أسباب تحطم الساعة، فالإنسان الذي يسخر حياته للعمل لمدة 24 ساعة ربما يصل به الأمر إلى تناول أقراص مهدئة أو منبهة كي يتحمل آلامه ويستطيع المواصلة، ولو أفرط في تناول الطعام دون توازن سيصاب بأمراض الضغط والسكري وربما يخضع لإجراء عمليات جراحية، وقد يتعرّض لخطر الموت، فلماذا نقود أنفسنا لهذه المرحلة والحل بين أيدينا؟ ولماذا نحكم على الجوانب الأخرى التي لم نعط أنفسنا الوقت لاكتشافها بالتجاهل إن كان الأمر يتعلق فقط بمسألة واحدة؟ وهي مسألة "التوازن" التي تقودنا دائما إلى "ترتيب الأولويات". كثير من الأشياء في حياتنا تمضي بالتوازن حتى المستحضرات الكيميائية إن لم تتسم عناصرها بالتوازن في صناعتها ربما يكون لها تأثيرها الخطير والذي قد يجعلها مدمرة فاختلال.
إننا في طريق البحث ربما نتعثر أو نضل طريقنا فيبدأ جانبا من جوانب حياتنا بالصعود، وينخفض الآخر دون أن نشعر بذلك ومع الوقت، وحين نصل لطريق مسدود نكتشف أنّ هناك خطبا ما، وأنّ هناك شيئًا قد أثّر علينا، وعندما ننغمس في البحث سنكتشف أنّ الأمر سهل جداً وهو غياب واختلال "التوازن" الذي يجعلنا نتعامل مع الأحداث والمتغيرات بصورة عقلانية.