مشنقة التشهير للصوص الكلمة

صالح البريكي

إنَّ ظاهرة السرقات الأدبية ليست مُجرَّد ظاهرة وحسب، وإنما هي قضية لها امتداد طويل الأمد عبر التاريخ، ويعاني منها الكثيرُ من الكتاب والشعراء والنقاد خلال القرون الماضية، ولا يزال ملفها مفتوحا أمام النقاد، ورغم الحلول الكثيرة التي تُسهم بالحد من هذه الظاهرة، ولكن لم يكن لها رادع نهائي، كما أنَّ التطور التكنولوجي لعب دورا مهمًّا في هذه القضية؛ حيث أصبح لشبكة الإنترنت دور كبير في انتشار ظاهرة السرقات الأدبية؛ فالبعض من لصوص الكلمة يقوم بنسخ قصيدة أو قصة أو مقال من أحد المنتديات أو المواقع، ثم يضعها في منتدى آخر، ويذيلها باسمه بعد أن يقوم بحذف اسم كاتبها الحقيقي لينسبها لنفسه. وكما أسهمت شبكة الإنترنت في انتشار هذه الظاهرة، نلاحظ أيضا أنَّها أسهمت في كشف هؤلاء اللصوص، كما أنَّ للصحف دورا مهمًّا في نشر الأعمال الأدبية بشتى أنواعها، وللصوص الكلمة نصيب من إعلام الصحف اليومية، فقد لفت انتباهي الأسبوع الماضي في أحد الصحف مقال جميل، راودني حياله إحساس بأني قد قرأت هذا المقال قبل فترة ليست بقصيرة في أحد المنتديات على شبكة الإنترنت لكاتب آخر، فتوسط عقلي بعضا من الشك وكثير من التعجب، وفي الحال بحثت عنه على الشبكة لأتفاجأ بأنه بالفعل لشخص آخر كما توقعت، فهو نسخة طبق الأصل وبالحرف الواحد، حتى عنوان المقال لم يتسن للسارق أن يرهق نفسه بتغييرة، تفكرت مع نفسي، كيف تصل دناءة الأخلاق بالشخص لسرقة مقال لكاتب آخر لينسبه لنفسه، بل ويتجرأ بنشره في الصحف والمجلات؛ وبعد أن تمَّ التواصل معه من قبل أحد الإخوان ومواجهته بالأمر بادر بالاعتذار شفهيا، لا إعلاميا، حيث تفاجأنا بعد يومين أنه قام بنشر نفس المقال على وسيلة إعلامية أخرى وكما يقول المثل المعروف: "زاد الطين بلة".. فما الحل مع هذا وأمثاله؟!

أليس التشهير مشنقة كفيلة بإعدامهم؟

أولا: الملكية الفكرية

كما هو معروف لدى الجميع أن الملكية الفكرية هي إبداعات عقل الشخص إن كانت صناعية أو فنية أو أدبية تنسب لصاحبها، ومن يقوم بأخذها دون إذن وتبنيها فهذه تدعى سرقة.

ثانيا: هضم حقوق الغير

يُعتبر هذا الفعل هضما لحقوق المؤلف الذي تعب في كتابة المقال أو القصيدة أو القصة أو غيرها من الإنتاجات الأدبية. حيث قال تعالى: "ولا تبخسوا الناس أشياءهم". إن لم يستطع الإنسان مقاومة هوى نفسة عندما تدعوه لمثل هذه الأفعال الدنيئة، فلن يستطيع أن يكون إنسانا ناجحا باجتهاده، وسيعتاد النجاح على حساب غيره.

ثالثا: تغافل الجهة القائمة بالنشر

إنْ علمت الصحيفة القائمة بالنشر بأن القصيدة أو الرواية أو المقال أو أي كتابة أدبية أخرى مرسلة لها لغرض النشر بأنها مسروقة، وتعمدت التغافل عن الأمر، فإنَّ ذلك التغافل هو شرارة الحريق وبداية لكارثة مدمرة، كما لابد أن تعلم الصحيفة التي لا تبالي بذلك أنها تسيء لسمعتها بذلك الفعل.

رابعا: الحياة الأدبية للصوص الكلمة

جميعنا يعي ويعلم أنَّ لصوص الكلمة لا يعيشون على ساحة الأدب طويلا، لأن مصيرهم كمصير الشُّهب تُضيئ للحظات فقط ثم تسقط وتتدمر نهائيا، بغض النظر عن النجوم الثابتة فإنها تعيش للأبد دون أن تنطفئ.

خامسا: مميزات لص الكلمة

من مُميزات لص الكلمة أنه يكون فاقدا للثقافة، وعديم الاطلاع، ومع هذا يدعي المعرفة ويقوم بسرقة أعمال الشعراء والأدباء، ألا يعتقد أن صاحب القصيدة أو صاحب المقال شخص متطلع لأخبار الصحافة ومهتم بقراءة الصحف اليومية؟! ألا يخجل من فعلته إن كشفت حقيقته على الملأ؟!

سادسا: هل يعتقد سارق المقال أن كتابة المقالات في الصحف تشبه التقارير والبحوث التي تُطلب من طلاب مدارس الثانوية؟ ليبحث عن ذلك الموضوع في الإنترنت ويقوم بنسخه والتعديل فيه، ومن ثم يرسلة للصحيفة لتقوم بالنشر، وبهذه الخطوات الثلاث يرى نفسه أديبا وقامة في عالم الأدباء؟!

وإنني أحببت أن أذكره بأن البحوث التي تعمل للمدارس أيام الثانوية يتم ذكر المصدر على صفحة الواجهة.

سابعا: لص الكلمة مريض

من تُسوِّل له نفسه سرقة كتابات غيرة، فهذا مريض بمرض التباهي على حساب الغير، وعلاجه التشهير عبر الصحف التي قام بالنشر عليها، حتى لا تسول له نفسه تكرار هذا الفعل، وبذلك يكون عبرة لغيره.

تعليق عبر الفيس بوك