دعني أسبقك بخطوات...

مدرين المكتومية

يقول أمبرتو أكابال: "تعلمت أنّ القراءة فعل خشوع، فأنت حين تنهي قراءة كتاب لا تعود الشخص الذي كنته قبل القراءة".

فحين يعيش الإنسان بين الكتب يزهد في حياته لدرجة أنه لا يفكر بكسب المال بقدر ما يفكر بالاستمتاع بكل ما يملكه لأجل أن يعيش لحظات سعادة قد لا يراها في حياته العادية، تتغير ملامح الأشياء حوله ويراها أجمل وتتغير أحاسيسه بمن حوله، يصير ألطف وأفضل وأهدأ بالا.. وأكثر انسجاما مع القريبين منه، وإذا تواجد وسط تجمعات ربما يرى عوالم وتفاصيل لا يراها من حوله ليتقاسم اللحظة مع غيره.

هناك من يستمتع بالحياة عندما يتشاركها مع أحدهم لكن القارئ دائماً ما يستمتع بها حتى وإن كان بمفرده، فهو شخص حالم، كل أبطال روايته يقفزون أمام عينه حين يحتسي قهوته، وفي المحطات التي يقف عليها، وفي وحدته، هو شخص مختلف كثيراً عن الإنسان الذي لا يقرأ، لديه في الحياة أولويات لا يفهمها أحد، يسبق عمره بكثير من المراحل، فهو يمكن أن يكون الموجه لأصدقائه، الشخص الذي يستشيرونه، وهو الشخص الذي يستمع للجميع ويصدمون من ردود فعله، فهي دائما عكس المتوقع، هو الشخص الذي يتخذ قرارات قد تستغرق الكثير من الوقت مع غيره ويفاجأ بها جميع من حوله.

القارئ شخص لديه مزاج عالٍ جداً لدرجة أنّ رائحة ورق الكتب بالنسبة له من أجمل الروائح التي قد يستنشقها، وأن قدمت له هدية يوما ما، لن يهتم بأثمن الهدايا بقدر ما سيثمن الكتاب الذي يمكن أن تشتريه له خاصة، وإن كان يبحث عنه منذ زمن، فالكتاب بالنسبة إليه هدية لا تقدر بمال، وبالتالي تظل دائماً ذات طابع خاص في قلبه، ومن الصعب لو بعد عشرات السنوات أن ينسى من قدمها له، فقمة الرفاهية التي قد يعيشها القارئ هي أن تعطيه كلمات ليعطيك عوضا عنها لحظات جميلة، فكما قيل: الكتاب هو المكان الوحيد في العالم الذي يمكن أن يلتقي فيه غريبان، بحميمية كاملة.

أن تكون قارئا يعني أن تمتلك العالم بين يديك، فقدرتك على اكتشاف الأشياء تكمن في قراءتها أولاً، حين تقرأ يعني أنك تعيش الحياة بتفاصيلها، تصبح الأمور بالنسبة لك أبسط وأسهل ولا تحتاج لتعقيد، فقد تصل لمرحلة تقبل الأمور كما هي، فأنت لا تحتاج لمن يبسطها لك، أنت وحدك تقرأ عوالم الآخرين، وتبحث في تجارب غيرك، وتعطي نفسك فرصة أن تعيشها أيضا كما عاشها غيرك لتخرج منها بأكثر أستفادة، هي أن تدرك أنّ الحياة أجمل بكثير مما تتصور، وكل ما قد يصادفك ويؤلمك ويزعجك هو فقط وليد اللحظة ومع الوقت سيتلاشى، فلو فكرنا في كم المواقف والأحداث التي اعترضت حياتنا وانتهت في وقتها سنكتشف أننا مررنا بعواصف كادت تغرقنا في محيطات الحياة ولكن النجاة منها كان بفضل الله أولا، ثمّ بفضل ما وصلنا إليه من مرحلة تقبل للأمر، وتقبل الأمر لا يأتي إلا إن قمنا بقراءة الحياة وتجارب كتابها قبل الوقوع في مشكلاتها، فعلى الأقل سنكون أكثر حكمة في اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب دون ندم.

madreen@alroya.info