جنود يحتفلون قبل إعلان الانتصار رسميا.. و"داعشيون" يبايعون على القتال حتى الموت

الموصل تستعجل النصر في "معركة الأمتار الأخيرة"

 

 

الرُّؤية - هيثم الغيتاوي - الوكالات

لا تقلُّ المواجهة الدعائية في معركة تحرير الموصل حِدةً عن المواجهة العسكرية الميدانية؛ فبينما تركز وسائل الإعلام العراقية على احتفالات "مُتعجلة" للجنود العراقيين ورفع أعلام النصر قبل إعلانه رسميًّا للتأثير في معنويات مقاتلي تنظيم داعش، لا تمل وكالة أعماق التابعة للتنظيم الإرهابي من إبراز أخبار وتقارير عن بَيْعات جماعية بين مقاتلي التنظيم على القتال حتى الموت دفاعا عن آخر معاقل التنظيم.

وبَيْن هؤلاء وأولئك يبقى مصير النازحين من الموصل أكثر غموضا من مصير المشاركين في معركة تحريرها، فضلا عن تساؤلات حول مستقبل المدينة التي شهدت حربا -على أكثر من صعيد- خلال 9 أشهر، بعد تحريرها من سيطرة "داعش"، وهو مستقبل يرتبط بدرجة أو بأخرى بمستقبل العراق نفسه، خصوصا في ظل توترات سنية/شيعية، داخلية وخارجية، تكشف تضارب المصالح بشأن مستقبل الموصل بين العراق وإيران والأكراد، لكنها لم تكشف بعد ما إذا كان من نصيب فرحة العراق بتحرير الموصل أن تكتمل، أم أن التحرير سيفتح بابا جديدا للصراع بين حلفاء الأمس حول الموصل التي يخطط البعض لتكون -مع غيرها من مدن المنطقة- ممرًا بين طهران ودمشق وبيروت!

ويحتفل الجنود العراقيون ويرقصون بالبنادق والأسلحة الآلية ويلوحون بالأعلام العراقية بعد وصولهم لأهدافهم المحددة دون انتظار إعلان الانتصار رسميا، حيث قال التليفزيون العراقي إن قوات الأمن العراقية تتوقع استعادة السيطرة الكاملة على مدينة الموصل خلال ساعات في ظل انهيار دفاعات تنظيم الدولة الإسلامية. وقال مراسل لرويترز إن الضربات الجوية وقذائف المدفعية استهدفت آخر معقل للمتشددين في المدينة مع تصاعد الدخان الأسود فوق المنطقة.

وعلى الجانب الآخر، ذكرتْ وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية أن مقاتلي التنظيم المتشدد تعهدوا بالقتال حتى الموت في الدفاع عن آخر معقل لهم في المدينة القديمة بالموصل في مواجهة القوات العراقية التي تساندها الولايات المتحدة. وقالت أعماق "بيعات جماعية على الموت بين صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية بمنطقة الميدان في الموصل" في إشارة إلى حي يقع على ضفة نهر دجلة ويعد آخر مواقع مقاومتهم.

ونقل التليفزيون العراقي عن متحدث باسم الجيش قوله: إنَّ دفاعات التنظيم تنهار. ويقول قادة عراقيون إن المتشددين يقاتلون من أجل كل متر باستخدام القناصة والقنابل والمفجرين الانتحاريين مما يجبر قوات الأمن على القتال من منزل إلى منزل في متاهة من الأزقة الضيقة المكتظة بالسكان.

وقال المكتبُ الإعلامي للجيش العراقي في بيان "المعركة مستمرة ووصلت إلى مرحلة المطاردة. وجهاز مكافحة الإرهاب سلم بعض الدواعش أنفسهم إليه". وأعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نهاية "دويلة الباطل الداعشية" قبل أسبوع بعد سيطرة قوات الأمن على جامع النوري الكبير الذي يعود للقرون الوسطى وإن كان ذلك تحقق بعد أن فجره المتشددون أثناء تقهقرهم.

 

 

 

... فهل تكتمل فرحة العراق؟

وَرَغْم أنَّ المعركة في الموصل تقترب من نهايتها بعد قتال عنيف استمرَّ نحو تسعة أشهر، يظل الصراع حول مستقبل العراق بعيدا عن النهاية، حيث يكشف سقوط الموصل من جديد الانقسامات العرقية والطائفية التي يعاني منها العراق منذ أكثر من عشر سنوات.

فالنصر ينطوي على خطر إثارة أعمال عنف جديدة بين العرب والأكراد بسبب أراض متنازع عليها أو بين السنة والشيعة حول السيطرة على السلطة، وهي أمور زادت حدة مع وجود قوى خارجية رسمت مستقبل العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، وأطاح بحكم الأقلية السنية وجعل الأغلبية الشيعية تصل إلى السلطة.

وبالنسبة للعراق -الذي باغته هجوم تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في 2014 وانهيار جيشه- فإن هذا الانتصار قد يتحول في نهاية الأمر إلى مشكلة لا تقل في جسامتها عن الهزيمة. ومن بين أبرز التحديات مستقبل الموصل نفسها، وهي المدينة التي عانت حكما وحشيا خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وأسوأها أحدث هجوم مدعوم من الولايات المتحدة مع سقوط آلاف القتلى وتشريد نحو مليون شخص.

ويقول مسؤولون غربيون وعراقيون وأكراد إنهم مندهشون لتجاهل السلطات العراقية إعداد خطة للحكم والأمن في مرحلة ما بعد المعركة. وقالوا إن المنطقة الكردية وحكومة بغداد وقوى التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة شكلت لجنة على مستوى عال لمساعدة زعماء الموصل على إعادة بناء المدينة، لكنها لم تجتمع قط. وتتوقع الأمم المتحدة أن يتكلف إصلاح البنية التحتية الأساسية في الموصل أكثر من مليار دولار في حين قال رئيس إقليم كردستان العراق في مقابلة مع رويترز يوم الخميس إن حكومة بغداد لم تضع خطة سياسية وأمنية وإدارية للمدينة عقب المعركة.

وجاءتْ أول إشارة إلى احتمال نشوب صراع في المستقبل عندما أعلن مسعود البرزاني رئيس منطقة كردستان العراق التي تتمتع بحكم ذاتي عن إجراء استفتاء في 25 سبتمبر على إقامة دولة مستقلة. ومن بَيْن النذر الأخرى حملة فصائل شيعية مدعومة من إيران تجمعت تحت لواء الحشد الشعبي الذي تديره الحكومة للانتشار بطول المناطق الكردية والتقدم صوب الحدود السورية مدفوعة برغبة إيران في الانضمام إلى العراق وسوريا وإقامة ممر من طهران إلى بيروت. وقال علي أكبر ولايتي كبير مستشاري الزعيم الأعلى لإيران علي خامنئي الأسبوع الماضي "اليوم يبدأ طريق المقاومة السريع من طهران ويصل إلى الموصل ودمشق وبيروت".

وفيما بات الانتصار على مقاتلي "داعش" في متناول اليد تقريبا، يبقى قرابة مليون شخص نزحوا من الموصل جراء القتال المستمر منذ أشهر في وضع لا يسمح لهم بالاحتفال. حيث قال محمد الحاج أحمد وهو تاجر ملابس في مخيم حسن شام شرقي الموصل "إذا لم تحدث إعادة إعمار ولم يرجع الناس لبيوتهم ولم يستردوا ممتلكاتهم، فماذا يعني التحرير؟".

ومبعث القلق الرئيسي في مخيم يؤوي بعض الفارين من القتال الدائر منذ ثمانية أشهر بين القوات العراقية ومتشددي تنظيم الدولة الإسلامية هو كيفية العيش دون كهرباء في أجواء تتجاوز درجة حرارتها 40 درجة مئوية، حتى إنَّ بعض النازحين الذين يعيشون في مخيم حسن شام شرقي الموصل يبيعون حصصهم من المواد الغذائية كي يشتروا سلعة أثمن: الثلج. فكتلة صغيرة منه طولها 30 سنتيمترا تقريبا تباع نظير 500 دينار عراقي (0.43 دولار).

وبالنسبة للنازحين، ربما تنتهي المحنة سريعا لكن المستقبل يظل غامضا، وعلى سبيل المثال، يقول يونس إدريس (20 عاما) الذي فر من حي عدن قبل أربعة أشهر خوفا من الخلايا النائمة التابعة للدولة الإسلامية ومن التفجيرات: "ما لم يتحسن الوضع فلن نعود... ليس واضحا ما سيحدث".

تعليق عبر الفيس بوك