مخاطر الأمية الاجتماعية

د. سلمى الطائي

للأمية الاجتماعية أثر مخيف على المجتمع، وتعرف على أنها صفة للممارسات الخاطئة، بسبب نقص المهارات الاجتماعية كالحوار والمشافهة والاستماع والشجاعة الأدبية ومخالطة الناس، ونقصها يسبب خللاً بعملية الاتصال بالمجتمع. وفي آخر إحصائية للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألِكسو"؛ حيث أعلنت أن نسبة الأمية في الوطن العربي هي 27%، وهي نسبة مخيفة بالنسبة لمجتمع يعيش في القرن الواحد والعشرين، وفي وطن يمتلك من الثروات الطبيعية ما يُؤهله للوقوف في مصاف الدول المتقدمة. ورَغْم تقدُّم العلوم الاجتماعية وإيلائها دوراً مهمًّا، إلا أنَّ مُجتمعنا العربي لا يزال يُعاني من تأثير الأمية الاجتماعية، وكيفية معالجة آثارها، ولن يتم العلاج إلا بالاستفادة من تلك العلوم، بالشكل الصحيح، حتى ينعكس أثرها على أبنائنا كي لا تصبح الأمية الاجتماعية داءً مستديماً، يكون من الصعب معالجته.

وفي الثقافات المتنوعة، تعتبر الأمية الاجتماعية "أفة" توسع المسافة بين شعوبهم والتحضر. فيما يُعاني مُجتمعنا العربي من عدم اللحاق بقطار التحضر والتقدُّم في كافة المجالات، خاصة في مجال التربية والتعليم، بينما تتقدم بقية الامم والشعوب بخطى واثقة نحو الرفعة والتطور والازدهار. أمَّا في الجانب الآخر، أي الجانب الثقافي والنفسي، فإنَّ الثقة بالنفس والتمكُّن واكتساب الآباء والأمهات المهارات الاجتماعية كلها توفِّر عوامل تساعد على الأسلوب الأنسب في تربية جيل واعٍ، يمتلك قدرًا من المسؤولية والالتزام بمبادئ وقيم المجتمع، وهذا يتطلب بناء أساس نفسي قوي وراسخ.

وما نراه هذه الأيام من شيوع عادات سيئة وتصرفات غير مسؤولة ولا تمت لنا بصلة، حيث أصبحت عرفاً برغم كونها دخيلة على مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا وبيئتنا الاجتماعية، ولسنا بحاجة إلى أمثلة؛ كوننا نعيشها بتفاصيلها، التي لعبت دوراً سلبياً بتأثيرها المباشر بتشكل "الأمية الاجتماعية" وتربية الأجيال تربية سيئة وغير مسؤولة، وتعليمهم العادات الخاطئة التي تبدأ بذرتها من البيت الأمي اجتماعيًّا، وهنا يبدأ الدور الحقيقي للأسرة في معالجة الظواهر السلبية، التي تصبح زائراً غير مرغوب فيه على الأبناء.. ويكمن في متابعتهم بصورة دائمة، دون وضعهم في دائرة العنف والتأنيب الزائد والمراقبة المقيتة؛ الأمر الذي يُولد لديهم نفوراً وتباعداً عن تلك المعالجات، وهذا يتطلب الكثير من الثقافة العامة من أجل السير بأبنائنا إلى بر الأمان خاصة في مرحلة المراهقة.

وعلى هذا الأساس، فإنَّ للأمية الاجتماعية مردوداً مؤلماً على مجتمعنا، وتصبح آفة مستديمة تتسبب بخسائر مادية ومعنوية جسيمة على مستوى الوطن، وتكون مربكة لعمل الحكومات، وتشتت الجهود، وتضيع الفرص للتقدم نحو ركب الشعوب التي سبقتنا.

... إنَّ للأمية الاجتماعية وجها آخر هو أشد فظاعة وفتكاً بالشعوب، وهو السبب الرئيسي في المشاكل بين الأفراد والجماعات، وناتجة عن سوء الفهم، وهذا يعمق الاختلاف المجتمعي، ويحوله إلى مجتمع غير منسجم ضعيف ومنقسم على ذاته.

وللأمية آثارها السلبية ومخاطرها علي الفرد والمجتمع، ويتضح ذلك فيما يلي:

  1. آثارها علي نقص الوعي بمفهومه الشامل؛ مما يجعل الفرد جاهلاً بتكوين وتوجيه حاجاته الإنسانية من حيث الحاجة للبقاء، والنماء والمشاركة والانتماء، والكرامة والارتقاء.
  2. آثارها علي أعداد المواطنة، فالأمية تعني عدم توافر الوسيلة المناسبة لمتابعة متطلبات المواطنة بمفهومها الشامل؛ الأمر الذي لا يقتصر علي الوعي السياسي والمشاركة السياسية، بل يمتد إلي نواحٍ متعددة كالتنشئة السياسية، والمشاركة السياسية، ومدي الشعور بالانتماء الوطني والقومي، والمشاركة في العمل والإنتاج.
  3. وللأمية آثارها علي نقص الإنتاج والدخل القومي والفردي، فقد أثبتت الدراسات أن العامل الذي تلقي تعليمه المهني سنة واحدة يكتسب طوال حياته خبرة بنسبة تزيد 12% عن زميله الأمي.
  4. وللأمية آثارها علي زيادة الهدر والفقد، ونسب الإصابات في العمل والحياة. ولنا أن نتصوَّر عاملاً أميًّا، وقد وقف يعمل علي آلة حديثة لأول مرة، تُرَى هل يستطيع إدارتها والعمل عليها بنجاح؟ وإن تدرب فكم من الوقت يتطلب تدريبه؟ وإن أفلح في التدريب فهل إنتاجه علي الآلة يعادل إنتاج زميله المتعلم؟
  5. أمَّا آثارها علي الأمن القوي؛ فالأمي دائما ضحية الوقوع فريسة التعصّب وتجنيده للمشاركة فـي أعـمال هدامة تضر بأمن الوطن والمواطنين؛ مما يكلف الدولة الكثير من الجهد والمال في التصدي لهؤلاء المتعصبين.

 

* كاتبة عراقية

تعليق عبر الفيس بوك