العزري: الأصل إخراج الزكاة في وقتها من غير تقديم أو تأخير ولا تجب في المال حتى يحول عليه حول كامل

 

 

مسقط - أحمد الجرداني

يواصل الشيخ ناصر بن يوسف العزري مدير عام الوعظ حديثه حول الزكاة ضمن البحث الذي قدمه لمجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثامنة عشرة ويقول حول جواز تقديم الزكاة قبل وقتها:

قال الشيخ الكندي: "ومن غيره، من قال: من قدم زكاة الورق قبل محل زكاته، أنه لا تسقط عنه، فقد قيل ذلك وهو معنى أكثر قول أهل العلم.

وقد قيل: إنه يجزئه إذا كان قبل محل زكاته بشهر أو شهرين.

ومعنى أنه لا يجوز لأنه فريضة وجبت عليه ولم تؤد قبل وجوبها، ولا تؤدي الفرائض إلا بعد وجوبها، ويوم أدى ذلك لم تكن فريضة لزمته، ثم لزمته فلم يؤدها".

ونقل الخلاف عنهم في تعجيل الزكاة الإمام أبو سعيد الكدمي.

قال الشيخ ابن عبيدان: قال الإمام أبو سعيد الكدمي-رحمه الله-: "معي أنه يخرج في معاني قول أصحابنا معنى الاختلاف في تعجيل أداء الزكاة قبل وجوبها:

فقال من قال: لا يجوز ذلك، وإن فعل لم يجزه بحال.

وقال من قال: يجزيه ذلك إذا فعل ذلك قبل حلوله بالشهر والشهرين ورأى وقت حاجته.

وقال من قال: يجزيه إذا كان في يده من المال ما تجب فيه الزكاة وأدي عنه في سنته تلك، وإن أدي قبل دخول السنه لم يجزه ذلك علي حال، ولا يعلم في هذا الفصل اختلافا بينهم".

 ويفهم من كلام الإمام أبو سعيد الكدمي أن القائلين من أصحابنا بجواز التعجيل يشترطون أن يكون في سنته تلك أما قبل تلك السنة فلا يجوز –أي بعد أن وجبت عليه الزكاة في سنته تلك جاز أن يتعجل في دفع الزكاة الشهر والشهرين أو حسب الخلاف في ذلك أما أن يتعجل ما بعدها من السنوات قبل أن تدخل عليه فلا يعلم عندهم خلاف في عدم جواز ذلك-، وحكى اتفاق أصحابنا في هذه المسألة الشيخ الثميني فقال هناك: "وإن أداها قبل دخول السنة لم يجزه اتفاقا"، وحكايته هذا الاتفاق مخالف لما ذهب إليه في متن النيل حيث قال هناك: الخلف في تعجيل الصدقة قبل وقتها هل يمنع كالصلاة؟ أو يجوز إن لم يبق في السنة إلا شهر أو ضعفه لاحتياج الفقراء؟ وفي الحديث ما يدل على جوازه بأكثر من ذلك فاطلب محله".

قال شارحه الشيخ محمد بن يوسف أطفيش: (وفي الحديث) الذي هو: "أنه صلى الله عليه وسلم بعث عمر لقبض الزكاة فأتى العباس فمنعه، فرجع فقال: إن عمك منع زكاة ماله، فقال: إن عمي لم يمنعها ولكن احتجنا فعجلنا زكاة عامين" (ما يدل على جوازه): أي جواز التعجيل (بأكثر من ذلك) المذكور من شهر وضعفه، وهو أن تعجل قبل دخول أول الحول، وظاهر المصنف تجويز ذلك من الحديث، ولو لم يكن بإذن الإمام (فاطلب محله) قد أحضرته لك".

وحكى الخلاف في هذه المسألة الشيخ السالمي في معارج الآمال حيث قال: "واختلفوا في من أخرجها قبل الوجوب وقبل تمام الحول فرخص فيه بعض أصحابنا وسعيد بن جبير والزهري وإبراهيم النخعي والأوزاعي والشافعي وابن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي.

وقال بعض أصحابنا والحسن البصري وابن المنذر: من زكى قبل الوقت أعاد كالصلاة"

وعدم جواز التعجيل قبل دخول السنة هو ما يفهم من كلام الشيخ السالمي في المعارج حيث ذكر هذا القول وسكت عنه ولم يعقبه بشيء.

قال في "المعارج": "وإن أدى قبل السنة لم يجزه ذلك على حال، وهو المشهور عن الشافعي وفيه عند أصحابه وجهان".

 ويؤيد مذهبه هذا تعقبه لكلام الحنفية حيث أورد رأيهم في المسألة فقال: "وأجازت الحنفية تعجيلها لسنتين بعد حصول النصاب لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "تسلفت من العباس صدقة عامين".

وتعقبهم بقوله: "وأجيب بأنه تسلفها بدفعتين".

هذا، وقد حمل بعض أصحابنا سبب الخلاف في هذه المسألة الخلاف في الزكاة هل هي عبادة أو حق للمساكين؟، فمن قال إنها عبادة لم يجوز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق أجاز إخراجها قبل الوقت.

قال الشيخ الجيطالي: "وسبب الخلاف هل هي عبادة أو حق للمساكين؟ فمن قال عبادة شبهها بالصلاة لم يجز إخراجها قبل الوقت، ومن شبهها بالحقوق الواجبة المؤجلة أجاز إخراجها قبل الأجل على جهة التطوع".

والقول بأنها حق للمساكين هو الرأي المختار عند الشيخ القطب.

قال الشيخ القطب بعد ذكـره للخلاف المـذكور آنفًا: "بناء علـى أنـها حق للمساكين فيجوز بدخول أولها وكونها حقا لهم هو الصحيح عندنا".

وبالنظر في الزكاة نجد أن المعنيين ظاهران فيها لا ينفكان ولهذا قال الشيخ السالمي: " إنها جامعة للمعنيين فلا يمكن إلغاء واحد منهما".

ويظهر من كلام الشيخ السالمي أنه لا يرى جواز التقديم مع أن كلامه في جواباته بخلاف ذلك.

قال الشيخ السالمي: "ثم إن السبب في الوجوب هو المال النامي بكونه حوليا فلا يجوز التقديم على الحول كما لا يجوز التقديم على أصل النصاب، وأيضاً فإنَّ الأداء إسقاط للواجب عن ذمته ولا إسقاط قبل الوجوب فصار كأداء الصلاة قبل الوقت".

وقال في الجوابات في باب الكفارات: وللمرخصين أن يقولوا هو مقيس على تقديم الزكاة قبل وجوبها وقد وردت السنة بجواز ذلك.

 

وجواز تقديم الزكاة هو القول الأشهر عند أصحابنا لحاجة الفقير في ذلك، وقد نقل ذلك عنهم غير واحد منهم،

قال الشيخ أحمد بن سعيد الخليلي: "وعندي أن تقديم الزكاة قبل وجوبها بعض يمنعه، وبعض المسلمين أجازه بنحو الشهر والشهرين، إذا رأى في الفقراء حاجة وهو قول مشهور في الأثر، لا بأس بالعمل عليه".

قال الشيخ الشماخي: "وفي الأثر في قولهم – رحمهم الله- إن تعجيل الصدقة جائز لهذا الخبر". (يقصد خبر العباس في تقديم الصدقة).

 

شرائط الزكاة وفورية إخراجها

 

وعن شرائط الزكاة وفورية إخراجها يستدل الشيخ ناصر العزري بأهل العلم قائلاً: من شرائط الزكاة حولان الحول فلا تجب الزكاة في المال حتى يحول عليه حول كامل، وما لم يحل الحول فلا يطالب الإنسان بإخراجها، فالقول بتقديم الزكاة يخالف هذا الشرط.

فالأصل إخراج الزكاة في وقتها من غير تقديم أو تأخير، والتقديم والتأخير أمر عارض إن عرض على الزكاة لحاجة من الحاجات الضرورية جاز ذلك كغيرها من العبادات.

فإذا تبين لك ذلك علمت أن الأقرب إلى الصواب في هذه المسألة قول من قال بوجوب الفورية في أداء الزكاة ودونك دليل القائلين بها:

أولا: قوله تعالى: "وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ".

يقول القرطبي في تفسيرها: يدل على وجوب تعجيل أداء الزكاة، ولا يجوز تأخيرها أصلا، وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها".

قال الألوسي: واستدل الكيا بقوله تعالى : { وَأَنْفِقُواْ } الخ على وجوب إخراج الزكاة على الفور ومنع تأخيرها".

واستدلالهم بهذه الآية جاء من حيث عدم معرفة الإنسان متى يفاجئه الموت فهو مطالب بأداء ما عليه من واجبات في حياته بالمسارعة في إتيانها وهو أقوى دليل يمكن الاستناد إليه، فلا يأنس الإنسان بعد هذا أن يؤخر الواجبات أو يترك الفرائض فليس بيده معرفة سني عمره فقد يأتيه الموت ولم يؤدي ما عليه ولم يأت ما يلزمه فيكون عاصيا لله بذلك.

ثانيا: الأمر بإيتاء الزكاة في قوله تعالى: "وَآتُوا الزَّكَاةَ"، والأمر يدل على الفور.

ثالثا: قوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده" وهو في زكاة الثمار ولكن تدخل فيها الزكاة مطلقا في المسارعة في إخراجها، والأمر المطلق يقتضي الفور.

ثالثا: عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلم قام سريعا دخل على بعض نسائه ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته فقال ذكرت وأنا في الصلاة تبرا عندنا فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته". فالحديث يدل على فورية إخراج الصدقة.

رابعا: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق". وجاء في رواية أخرى عنده "عقالا" بدل "عناقا" والعناق الصغيرة من الغنم.

 

قال ابن حجر في الفتح: "ووقع في رواية قتيبة عن الليث عند مسلم "عقالا" وأخرجه البخاري في كتاب الاعتصام عن قتيبة فكنى بهذه اللفظة فقال: "لو منعوني كذا" واختلف في هذه اللفظة، فقال قوم: هي وهم، وإلى ذلك أشار البخاري بقوله في "الاعتصام" عقب إيراده "قال لي ابن بكير" يعني شيخه فيه هنا، وعبد الله يعني ابن صالح عن الليث "عناقا" وهو أصح، ووقع في رواية ذكرها أبو عبيدة "لو منعوني جديا أذوط"، وهو يؤيد أن الرواية "عناقا" والأذوط الصغير الفك والذقن"

ودلالة الحديث أن أبا بكر الصديق لم يمهل مانعي الزكاة بل قاتلهم على الفور فلو علم أن هناك مهلة في الأمر لتراخى فيه.

سادسا: أن الزكاة من الحقوق المالية الواجب صرفها إلى أهلها فوجب الفورية في إخراجها كالوديعة.

قال ابن قدامة: لأنها حق يصرف إلى آدمي توجهت المطالبة به فلا يجوز تأخيرها كالوديعة".

سابعا: أن النفوس طبعت على الشح، وحاجة الفقير ناجزة، فإذا أخر الإخراج اختل المقصود فيجب أن يكون الوجوب على الفور.

قال الكمال بن الهمام: "أن الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور وهي أنه لدفع حاجته وهي معجلة فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام".

سابعا: أنها عبادة تتكرر، فلم يجز تأخيرها إلى دخول وقت مثلها، كالصلاة والصيام.

ثامنا: أن تأخير الواجبات يلزم منه تراكمها، وحينئذ يغريه الشيطان بالبخل إذا كان الواجب من المال، أو بالتكاسل إذا كان الواجب من الأعمال البدنية.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك