الصدق

 

 

زكي بن محمد الرمحي

الصدق عكس الكذب، أي أنَّ معناه قول الحق وإظهاره، والصدق من الأخلاق والسمات الحميدة النبيلة التي من الواجب التحلي والتخلق بها لأهميتها في حياة الإنسان، بل تتعدى أهميتها إلى ما بعد لحياة، أي أن أهميتها في الدارين (الدنيا والآخرة)، والصدق من الأخلاق والصفات التي تخلق واتصف بها الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قبل البعثة أي في الجاهلية، حتى أنه عُرف صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الرفيع، وهذه الصفة الحميدة (الصادق الأمين)، وظلت هذه الخصلة ملازمة له حتى بعد بعثته، ولقد كانت له مواقف مع ألد أعدائه من قريش عندما قص عليهم رحلة الإسراء والمعراج، وأثبت لهم بالدليل بوصفه للمسجد الأقصى، وإخبارهم عن قافلة تجارية لهم قادمة من الشام وفي طريقها إلى مكة، وهم لم يعلموا منه كذباً، وبذلك فقد أسهمت هذه الصفة وهذا الخلق الكريم في احترام الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان سبباً قوياً وبشكل كبير في دعوته إلى الإسلام...

إن الصدق هو من أهم الأخلاق والصفات الكثيرة التي تُكسب الإنسان احتراماً كبيراً جداً عند الآخرين، فمتى ما كان الإنسان صادقاً في كل أقواله وأفعاله كان ذلك سبباً لاحترام الناس له وتقديرهم له، ولصدقه وحسن تعامله يرتاح الناس إليه، فيمنحونه ثقتهم، وبذلك يكون الصدق أحد أهم الأسباب الرئيسة لكسب ثقة الناس في الإنسان، والثقة أهم ما يمكن أن يبحث عن الإنسان عند غيره..

والصدق يمنح الإنسان راحة نفسية، فهو بصدقه يصبح واثقاً من نفسه غير خائف على عكس الكاذب الذي يظل قلقاً وخائفاً أن ينكشف كذبه، وهو بذلك يسبب مرضاً نفسياً له بل ربما يتبعه مرض جسدي...

والصدق لا يقتصر على البشر، بل إنه قبل ذلك فهو مرتبط بخالق البشر، فالله سبحانه وتعالى قد وصف ذاته الآلية الكريمة بأنه أصدق القائلين، كما ورد في محكم كتابه الكريم في الآية الثانية والعشرين بعد المائة من سورة النساء (122/النساء)، وأصدق الحديث كتاب الله تعالى، وكذلك وردت صفة الصدق للمولى جلّ وعلا في الآية الثانية والعشرين من سورة الأحزاب (22/الأحزاب)...

ولقد ارتبط خلق الصدق بالأنبياء الكرام عليهم أفضل الصلوات وأزكى السلام، وقد ورد خلق الصدق في كتاب الله تعالى في معرض ثنائه سبحانه وتعالى على الأنبياء الكرام، كما في الآية الواحد والأربعين من سورة مريم (41/مريم) وصفاً وثناء على نبي الله إبراهيم، وكذلك في الآية الرابعة والخمسين من ذات السورة (54/مريم) وصفاً لنبي الله إسماعيل، والعديد من الآيات العظيمة وردت بلفظ الصدق في الكتاب العزيز لوصف الأنبياء الكرام...

ـ وحقيقة الأمر أنَّ الصدق يمكن تصنيفه أو تقسيمه إلى عدة أصناف أو أقسام وهي:الصدق مع الله تعالى: وذلك يكون نية الفعل والقول لله تعالى، على أن تكون خالية من كل رياء أو سمعة.

ـ الصدق مع النفس: وذلك يكون بمصارحة النفس بكل العيوب التي تعتري الإنسان وعدم المكابرة أو المغالطة، فعلى الإنسان أن يعترف بأخطائه وعيوبه، ويحاول أن يصححها لتستقيم حياته، وتصلح أفعاله.

ـ الصدق مع الناس: وذلك يكون بصدق القول والفعل مع الناس ممن يتعامل معهم بغية كسب مودتهم واحترامهم له، فالإنسان كائن بشري لا غنى له عن النَّاس.

ـ صدق القول: وذلك بأن تكون كل أقوال الإنسان وأحاديثه صادقة خالية من الكذب، وذلك عندما يعلم أنه ما يلفظ من قول إلا ولديه حسيب رقيب.

ـ صدق الفعل أو صدق المعاملة: وذلك يكون بصدق أفعاله وتعامله مع الآخرين، بل حتى مع نفسه عليه أن يراعي أن تكون أعماله مطابقة لما يقوله، ولما يؤمن به ويعتقد.

ـ والصدق علامة ودليل تقوى، أي أنَّ الإنسان التقي يكون صادقاً في كل أنواع الصدق السابق ذكرها، يقول الله تعالى في كتابه العزيز في الآية السابعة والسبعين بعد المائة من سورة البقرة (177/البقرة)، والصدق كما سبق وذكرنا بأن الصدق راحة بال وطمأنينة حال، فهو منجاة في الدنيا والآخرة، يقول الرسول (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .

والحقيقة أنَّ للصدق ثمرات كثيرة، فالإنسان الصادق الذي يتحرى الصدق ويحافظ عليه يبقى على صلة دائمة بالله سبحانه وتعالى، بل قبل ذلك فإنه بصدق وحسن قوله يكون قد أخلص العبودية لله سبحانه وتعالى بأن أطاع أمره واجتنب نهيه، وكذلك من ثمرات الصدق أن الصادق يضمن حسن العاقبة له ولأهله في الدارين كذلك فإنَّ الصدق يضمن لصاحبه الثناء والكرامة الربانية لأن يُكتب عند الله صديقًا وغيرها الكثير من ثمرات الصدق، فالله نسأل أن يجعلنا من الصادقين الصديقين يا رب العالمين.

 

تعليق عبر الفيس بوك