مساعد المفتي العام: ينبغي على المسلم أن يتلمس احتياجات المجتمع ويسعى لتلبيتها قدر المستطاع

مسقط - أحمد الجرداني

لأهمية الإنفاق في حياة الفرد والمجتمع ينبغي على المسلم أن يكون منتبها لما حوله، ويتلمس احتياجات مجتمعه ويسعى إلى تلبيتها قدر استطاعته، هكذا أكد فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة، مشدداً على أن الإنفاق من الأمور الهامة في الدين وتتصل بقيمه ومبادئه كما تتصل بأحكامه وبأصول شريعته فقهاً وعملا، وتظهر آثاره وتتجلى حكَمه في واقع حياة الناس أفراداً وجماعات.

ويقول فضيلة الشيخ: كان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً بالمدينة من نخلٍ.. من زرعٍ، وكانت له مزرعة هي من أحب ماله إليه اسمها بيرحاء، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من مائها؛ لأنّها كانت مستقبلةً مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال أنس- راوي الحديث-: (لما نزلت هذه الآية { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ...} قال أبو طلحة: إنّ أحب أموالي إليَّ ببيرحاء، وإنها لصدقةٌ لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "بخٍ بخٍ، ذلك مالٌ رائح، يروح بصاحبه إلى الجنة، وقد سمعتُ ما قلتَ، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين "، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه).

 هكذا كانت استجابة هؤلاء لتلكم النداءات الربانية فور نزول هذه الآية: {لن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ...} اختار أحب أمواله إليه، وإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل منه صدقته تلك ويبشره بالجنة، لا ريب لا مقارنة بين مزرعةٍ حبيبةٍ إلى النفس يدفعها صاحبها صدقةً لوجه الله تعالى لينال بها بعد ذلك الجنان العالية؛ لكن هذا الإخلاص وهذا التوجه وهذه الطاعة.. هذا الإقبال والمبادرة هي التي أهلت أبا طلحة لكي يبشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذه البشارة "بخٍ بخ، ذلك مالٌ رائحٌ، يروح بصاحبه إلى الجنة".

 وهكذا نحن نبشر كل من تجود نفسه ويسخو بما في يده مما يحب فيجعله صدقةً لله عز وجل ينتفع بها أقاربه.. ينتفع منها المجتمع فإنّ هذه البشارة لا ريب بالإخلاص لله سبحانه وتعالى سوف تطاله، وهكذا كان من الجميع عمر بن الخطاب نعرف قصته في الأحباس التي أوقفها، وكذلك إنفاق أبي بكر الصديق، وهكذا كان صحابة رسول الله، السيدة عائشة كانت تتصدق بالأموال الطائلة ويقال إن في ثوبها خمسين رقعة.

 

الكرم والإسراف

 

يقول فضيلة الشيخ كهلان: الإنفاق الذي نتحدث عنه لابد أن يكون بعيداً عن الإسراف كما أنه لابد أن يكون بعيداً عن التقتير، فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)، هذا هو منهج الإسلام هو اعتدالٌ ووسطيةٌ حتى في أمرٍ حبيبٍ إلى الله سبحانه وتعالى فلا إسراف ولا تقتير.

 ويضيف قائلاً : وجوه الإنفاق كثيرة وهي غير محصورة ولا يمكن حصرها؛ لأن الناس يتفقدون حاجات المجتمع، والمسلم ينبغي له أن يتحسس احتياجات المجتمع فيسعى لملء هذه الاحتياجات قدر المستطاع بما تجود به نفسه، وبالتالي لا ينبغي أن يعتب بعضنا على بعض في اختيارنا لوجوهٍ من وجوه البر والصدقات التي يحتاج إليها المجتمع بحيث يطلب الواحد من أخيه أن يكون إنفاقه في وجهٍ واحدٍ يرى هو أنه الأفضل والأصوب - ونحن نحمله على ذلك- قد يرى هذا غير ذلك، فلا حرج في ذلك، ولا ينبغي أن يكون هناك عتبٌ خاصةً في فضائل الأعمال، بل ينبغي أن تبنى على السعة، فهذا ينفق مثلاً في بناء المساجد وتعميرها، وهذا ينفق في تعليم طلبة العلم، وهذا ينفق في خدمة كتاب الله عز وجل، وذلك في إصلاح الطرقات، وهذا في المستشفيات وعلاج المرضى، وهذا في سائر مناحي ووجوه متطلبات المجتمع التي تحتاج إلى إنفاق.

وحول قيام بعض المؤسسات بانفاق أموال في أمورٍ ليست ذات جدوى أي لا تحقق نفعاً للمجتمع، كأن يكون إنفاقاً مثلاً على حفلةٍ ساهرةٍ لا تحقق للحاضرين ولا تحقق للمجتمع شيئاً من النفع.

يقول فضيلة الشيخ: هذا يغضب الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ فيه إضاعة للمال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن قيل وقال، وعن إضاعة المال، فهذا مما يغضب الرب تبارك وتعالى، ولا نفع فيه لا لصاحبه ولا للمجتمع، وإنما فيه -والعياذ بالله-محاربة لله ورسوله، وفيه حمل للأوزار، فينبغي للمسلم أن يتجرد من ذلك، وأن يُخلص قصده لله عز وجل، وأن يختار المواضع التي ترضي الرب تبارك وتعالى.

وحول الإنفاق على المساجد ومدى أفضليته قال فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام للسلطنة: لا يظن ظان أنّ الإنفاق في هذه الوجوه التي -كما قلتُ- وجه التعبد فيها ظاهر هو أولى عند الله تعالى من الإنفاق في الوجوه الأخرى؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، إذا كانت حاجة المجتمع مثلاً إلى إنشاء مدرسة فإذاً الإنفاق لإنشاء مدرسة أولى من الإنفاق في بناء مساجد إذا كانت المساجد موجودة، إذا كان لا يوجد في قريةٍ من القرى مثلاً من يَصلُح أن يؤم الناس فإذاً الأولى أن يُعلَّم من يمكن أن يؤم الناس، كذلك إذا كان هناك حالاتٌ من الفقراء والمحتاجين الذين هم بغير حاجةٍ إلى طعامٍ وإنما هم بحاجةٍ إلى مساكن وإلى مأوى؛ بل الأكثر ثواباً وأجراً إنما يكون بحسب ما يَتَحَصَّلُ منه من مصلحةٍ عامةٍ لعموم المسلمين، "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله".

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاةٍ محروقة"، وفي حديثٍ آخر أنّ رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أمّا وأبيك لتنبأن أن تَصَّدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا وقد كان لفلان"

وحول وجود طرق سريعة للإنفاق ولاكتساب الأجر قال فضيلة الشيخ كهلان أنّ هناك الكثير من الوجوه، وكما قلنا الميدان مفتوح؛ لكن بحمد الله تعالى لما صارت الكثير من المسؤوليات تسند إلى مؤسسات تقوم بتنظيمها وترتيبها كان ذلك أكثر سهولة للناس.

ولدينا على سبيل المثال مشروع السهم الوقفي الذي تقوم به وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وهو يُمكِّن حتى الفقير من المشاركة البسيطة -حتى ولو كانت بريال واحد- ويظل له أجر تلك النفقة القليلة التي نستلهمها حتى من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الأول الذي أنصتنا إليه: "يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاةٍ محرقة"، فإذاً حتى ولو كان عشرة ريالات أو كان ريالاً واحداً يمكن لمن يجد هذا الريال ويرغب في الثواب والأجر يمكن له أن يشارك في مثل هذا المشروع.

وحينما يشارك غيره بما يجدون وما يستطيعون فإنّ مجموع هذه الأموال سوف يقام بها مشروعٌ وقفيٌّ، وهو بطبيعة الحال هؤلاء الذين ساهموا أجرهم وثوابهم لهم، وريعه يذهب إلى جهةٍ من جهات البر كالفقراء والمساكين والمشاريع التي يحتاجها المجتمع مما فيها خيرٌ وصلاحٌ ظاهر، إذاً هذا مثال، ومع ذلك فكما قلتُ الميدان مفتوح والمجال فسيحٌ للتنافس على الخير وفق الضوابط الشرعية.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك