البلسم الشافي (الجزء الخامس)

أ/ حمد بن عبد الله بن محمد الحوسني

أعزائي القراء، لا زلنا وإياكم نتفيأ ظلال القرآن الكريم للعام الخامس على التوالي من خلال هذه السلسلة القرآنية الرمضانية (البلسم الشافي) التي تأتيكم هذا العام في جزئها (الخامس).

وجميل أن نبدأها بالحديث عن مقدم شهر رمضان المبارك، ونربط الموضوع بآيات الذكر الحكيم البلسم الشافي من كل مرض.

أهل علينا شهر رمضان المبارك لهذا العام الهجري (1438)؛ فنحمد الله -سبحانه وتعالى- أن وفقنا لإدراكه ونحن في صحة وعافية وقوة وأمن وسلام؛ فكم هم أولئك المتشوقون للقائه الذين حال ريب المنون بينهم وبين تحقيق أمنيتهم، وكم من الناس من تمنى لقاءه فتحقق له ما أراد؛ ولكن مرضه المزمن منعه من الصيام، وكم من تمنى أن يدركه ليستغل أوقاته بالتقرب إلى المولى -عز وجل- بمختلف العبادات، وليعمره بصنوف الطاعات؛ ولكن كبر سنه باعد بينه وبين ما يرجو.

وما أكثر من دخل عليهم الشهر الفضيل وهم يئنون تحت وطأة الحروب، ويتجرعون مرارة فقدان الأمان، ويغصون ألما لمفارقة الأهل والأحبة والأوطان، ويكتوون بنيران التعذيب والتشريد فهاموا على وجوههم وقد تلبسهم الضياع، وواجهوا مستقبلا مجهولة معالمه وغايته لديهم؛ فأصبحوا لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا؛ فلله الأمر من قبل ومن بعد.

كل هذا وغيره يدعونا أن نحمد الله -تبارك وتعالى- على نعمه الغزار، ونشكره على فيض كرمه المدرار؛ ولكن كيف يكون ذلك؟

أولا: باستشعار عظيم النعم التي تغمرنا بفضل من الله وتوفيق: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [سورة النحل: 53]، (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة النحل: 18].

ثانيا: استغلال هذه النعم وتسخيرها فيما يرضي الله -عز وجل- ولما خلقت من أجله: (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ. اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [سورة الجاثية: 11-15]، ولنتذكر ولنتفكر فيما قصه الله من أحوال الأمم السابقة مع أنبيائهم وكيف تعاملوا مع النعم؛ ومن ذلك قوله -تبارك وتعالى-: (وَإِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) [سورة هود: 61]، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة الأنعام: 165]، (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [سورة التكاثر: 8].

وللموضوع تتمة إن شاء الله تعالى.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم