إضاءات نقدية على تجربة مبارك العامري الأدبية

 

مسقط -العمانية

 تعد التجربة الأدبية لمبارك العامري من التجارب الثرية في منزلتها التاريخية، في الأدب العُماني الحديث والمعاصر، وفي تنوع مظاهرها الخطابية، وأولية التأسيس، فلهذه التجربة منزلة لدى الوسط الثقافي العماني، ولها في مواقع التحقق الأدبي والثقافي منازل، فهو مثقف ومؤثر في أجيال بعده، ومن أعمدة الرواية العمانية، وهو شاعر في المنتهى والأصل، وحسب المرء أن ينتهي شاعرًا. ولكل ذلك كانت التجربة الإبداعية له مختبرا لعدد من الباحثين الذين تعمقوا فيما كتبه من شعر، وفككوا ما كتبه من رواية.

ويأتي كتاب (تجربة مبارك العامري الأدبية: أعمال ندوة علمية محكمة) ضاما بين دفتيه قراءات نقدية حول تجربة العامري، والكتاب من تحرير الدكتور محمد زروق. والندوة كانت قد عقدت في النادي الثقافي بالتعاون بين النادي وقسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة السلطان قابوس.

ويقع الكتاب في 182 صفحة وصدر عن طريق البرنامج الوطني لدعم الكتاب في النادي الثقافي وجامعة السلطان قابوس بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي ببيروت مطلع هذا العام 2017م.

أما دراسة الدكتورة فاطمة الشيدية عن (الملامح الشعرية عند مبارك العامري) فركزت على الثيمات والأغراض الضمنية، والملامح الأسلوبية عبر مستويات اللغة، والأساليب اللغوية، كما لفتت الباحثة إلى الصورة عند مبارك العامري.

 وعن الأساليب اللغوية في ديوان "بسالة الغرقى فنجد أنَّ العامري يكتب قصيدته معتمدًا على لغة عذبة، سهلة لينة طيعة، بعيدة كل البعد عن التهويمات المجازية والبلاغية، وبعيداً عن التعقيدات اللفظية، والغموض المفتعل، ولذا تنساب قصيدته بخفة للروح والوعي معًا، إلا أنها ومع كل تلك البساطة، مدهشة بمفرداتها الدقيقة، والمحكمة في مواضعها، وفي امتلائها بالفكرة المتسمة بعمق وشعرية عالية، كما تعتمد عاطفة جياشة صادقة تنبع من القلب، وتصل إلى القلب مباشرة.

والأساليب اللغوية متعددة في قصيدة العامري، وتقنياتها الفنية متنوعة ومتجددة مع كل نص، لإحداث أكبر درجة من الإدهاش، حيث تميل للممازجة بين الأساليب الخبرية، والأساليب الإنشائية (الطلبي منها، وغير الطلبي)، فهي تستند بقوة على إثارة الريبة والحيرة والتساؤلات التي تجرح الروح وتحفر مُخيلة المتلقي، عبر أسلوبي الاستفهام، والانفعال (التأثر /التعجب)، وتتصاعد الحركة داخل النص بين السؤال والدهشة، كمحركين أسلوبيين "سميولوجيين" لصناعة المعنى، ضمن بناء فني أسلوبي خاص وعميق.

ويستقصي الدكتور محمد زروق حضور الشخصيات الكتبية في رواية مبارك العامري "مدارات العزلة" الصادرة في 1994، ورواية "شارع الفراهيدي" الصادرة في 1997م. ويخلص زروق في دراسته لهاتين الروايتين إلى أنّ الشخصيّة ليست حصيلة الواقع الإشكالي بهمومه ومآزقه، وليست حمّالة أفكار ورؤى، وليست بعدا ذهنيّا، وإنّما هي خياطة أجزاء من شخصيّات متناثرة في كتب مختلفة، وأصداء لأصوات كتبيّة صوفيّة وحداثيّة وتراثيّة، أدبيّة وفلسفيّة، صيغت بوساطتها الشخصيّات دون أن يتعمّق فعلها أو تتعقّد قضاياها.

وهذا الارتباط بالمقروء تشكيلا للشخصيّة وبناء للأحداث يؤدّي إلى الأرضيّة الثالثة التي بنيت عليها أسس البحث، وهي أنّ العملين السرديين لا يمكن أن يكونا داخلين في جنس الرواية على وجه الإطلاق، وإنّما هما واقعان في منزلة وسط بين التحقّق الأجناسي للرواية، والتحقّق الأجناسي للقصّة القصيرة. ليشكّلا نوعا اصطلح على تسميته بـ"الرواية القصيرة"، والرواية القصيرة –وفق معجم السرديّات- يتجاذبها الانتماء إلى الأقصوصة والانتماء إلى الرواية في آن واحد. بيد أنّها تجعل من هذا التجاذب ميزتها. فهي تتوسّع في تحليل الموضوعات ونحت معالم الشخصيّات كما تفعل الرواية، ولكن في طول محدود. وتركّز اهتمامها على موضوع بعينه خاتمتُه مفاجئة للمرويّ له\ القارئ، وأثرها فيه قويّ. وبذلك تجتمع في الرواية القصيرة خصائص الأقصوصة والرواية كلتيهما" وهو الأمر الذي يحيلنا إلى تبيّن البدايات الحديثة الأولى للكتابة الروائيّة في عمان، ولذلك أثبتّ تاريخي الروايتين القصيرتين في أوّل العمل، فلا غرابة أن يُنبئ الشكل بسيادة الذات الكاتبة واختلاق شخصيّات أدوات تُسخّرها هذه الذات لبيان ثقافتها ومواقفها من الفنّ والموسيقى وقضايا النقد والأدب.

واتجهت الباحثة شيخة البادية إلى قراءة البنية السردية في "مدارات العزلة" حيث أنها حاولت، بصورة جوهرية، الكشف عن بنية المضمون، وعن علاقة هذه البنية بما هو خارج النص، وذلك من خلال استنطاق العنوان وما يكتنف مفردتيه من تضاد، ودراسة كل من الشخصيات، والزمان، والمكان، والحوار، وغير ذلك مما يسهم في تشكيل هذا العمل القصصي.

وقد خلصت البادية في دراستها إلى أن «مدارات العزلة» تومئ، من خلال عمومية زمانها ومكانها، وتعدد أوطان الشخصيات (عُمان/نبراس وعروب وفاطمة، العراق/كريم، المغرب/ إبراهيم ومصطفى، فرنسا/سوزان...) إلى عموميّة الفكرة في الإشارة إلى قضايا أجيال غير محددة، ومن أبرزها قضايا: الاغتراب، وتفكك الحلم، وضياع الحقوق الإنسانيّة، وتحولات الواقع التي فرضت بدورها مزيدًا من القلق، واستمرار انغماس المجتمع في أفكار شكلت عائقًا أمام تطلعات الأجيال الجديدة.

 

تعليق عبر الفيس بوك