بعد عامين من "حرب الأسعار".. صهاريج وناقلات مليئة بالنفط وتخمة في المعروض رغم تخفيضات "أوبك"

 

نيويورك، لندن، سنغافورة - رويترز

بعد دُخُوْل أوَّل خفض لإنتاج أوبك في ثماني سنوات حيز التنفيذ في يناير، بدأ تجار النفط من هيوستون إلى سنغافورة تفريغ ملايين البراميل من الخام من صهاريج التخزين، واحتفى المستثمرون بالسحب من المخزون باعتباره بداية النهاية لتخمة المعروض التي أتمت عامها الثاني، مما أثار الآمال في ارتفاع سعر البرميل ارتفاعا مطردا. لكنَّ الأمور لم تسر على ذلك النحو.

والآن، فإنَّ الكثير من صهاريج التخزين ذاتها تلك يعاد ملأها أو السحب منها بوتيرة أبطأ مما توقعه المستثمرون وشركات النفط، وفقا لتقديرات المخزون العالمي وأكثر من عشرة تجار نفط ومصادر ملاحية أبلغت رويترز عن التخزين في منشآت لا تعلن أحجام النفط لديها. ويلقي تعطل السحب من المخزون الضوء على التحدي الأوسع الذي تواجهه أوبك في الوقت الذي تكابد فيه الأمرين لانتشال قطاع النفط من التباطؤ الناجم عن تخمة المعروض. فمع تنامي إنتاج النفط الصخري الأمريكي، تظل المخزونات مرتفعة بشكل مستعص والأسعار عالقة على ما يبدو في نطاق أوائل الخمسين دولارا للبرميل. ولم تتعزز السوق بما يكفي لاستنزاف العديد من منشآت التخزين الرئيسية في أنحاء العالم وهو ما كان وزراء نفط أوبك يأملون أن يكون الخطوة الأولى صوب استعادة التوازن في سوق يهيمن عليها انخفاض الأسعار منذ أواخر 2014.

ويُقدر إجمالي مخزونات الدول الصناعية بنحو 3.025 مليار برميل في نهاية مارس أي ما يزيد حوالي 300 مليون برميل على متوسط خمس سنوات وفقا لأحدث تقرير شهري من وكالة الطاقة الدولية. وقالت الوكالة إن البيانات الأولية لشهر ابريل تشير إلى مزيد من الارتفاع في المخزونات. وبلغت مخزونات الخام مستوى قياسيا مرتفعا عند 1.235 مليار برميل.

ومن المتوقع الآن على نطاق واسع أن تقرر أوبك والدول غير الأعضاء -ومن أبرزها روسيا- تمديد تخفضات الإنتاج تسعة أشهر أخرى حتى مارس 2018. وتعكف لجنة مكلفة بمراجعة التصورات المحتملة لاجتماع المنتجين المقرر الأسبوع القادم على خيار لتعميق التخفيضات أيضا. وأجبرت مصاعب تقليص المخزونات الاقتصاديين على خفض توقعاتهم لسعر النفط. وعلى سبيل المثال، خفض بنك أوف أمريكا الأسبوع الماضي هدفه لسعر خام برنت في 2017 سبعة دولارات للبرميل إلى 54 دولارا.

وخلال حرب الأسعار التي بدأتها أوبك واستمرت عامين، تدفق نحو نصف مليار برميل من الخام والمنتجات المكررة على منشآت التخزين مع تراجع أسعار النفط إلى أقل من 30 دولارا للبرميل في أوائل 2016.

وتزامن جزء كبير من زيادة المخزون تلك مع بدء المتعاملين في استغلال التخزين لتحقيق مكاسب سهلة من فرق السعر المتزايد بين أسعار النفط الفورية شديدة الانخفاض والأسعار الأعلى كثيرا لعقود تسليم الخام في المستقبل. وسمح فرق السعر هذا للمتعاملين بتحقيق ربح حتى بعد دفع مقابل استخدام مرافق التخزين باهظة التكلفة مثل ميناء لويزيانا النفطي -ميناء النفط الأمريكي الوحيد في المياه العميقة ونقطة التسلم المهمة لواردات الخام- أو الناقلات العملاقة الراسية قبالة سواحل سنغافورة.

وقال كريس بيك عضو اللجنة التنفيذية في فيتول -أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط في العالم- خلال مؤتمر للقطاع في لندن الأسبوع الماضي، إنَّ هذه المعاملة أصبحت أقل ربحية منذ تخفيضات إنتاج أوبك، لكن لا يزال هناك الكثير من النفط في الصهاريج. وأضاف: "مخزون الخام والمنتجات هذا الذي يزيد على 550 مليون برميل وبدأ في 2014 ما زال قائما بدرجة كبيرة.. كم سيخرج منه؟ هذا هو النقاش الدائر بيننا جميعا".

 

"انسداد" نفطي

من مضيق ملقا في آسيا إلى موانئ شمال أوروبا وخليج المكسيك، تباطأ السحب من المخزونات العالمية أو بدأ يأخذ الاتجاه المعاكس. ففي أمستردام-روترداك-أنتويرب  -وهي من مناطق تخزين النفط الأعلى تكلفة في أوروبا ونقطة تسعير الوقود القياسية- بدأ الخام يتدفق مجددا على المستودعات؛ لأن شركات التكرير تعاني "انسدادا" نفطيا حسبما أبلغ مصدر بالقطاع له صفقات في تلك المنطقة رويترز. وقفزت كذلك مخزونات الوقود فاجأة حيث زادت، بحسب بي.جيه.كيه إنترناشونال الاستشارية الهولندية، مستويات زيت الغاز في صهاريج مركز التخزين الأوروبي إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر في وقت سابق من الشهر. يشمل زيت الغاز وقود الطائرات والديزل وزيت التدفئة.

وقال مُتعاملون لرويترز إنه في واحدة من أضخم منشآت تخزين النفط في العالم -على شاطئ خليج سالدانا في جنوب إفريقيا- بيعت ملايين البراميل في الأشهر الأخيرة. لكن الصهاريج -التي تسع 45 مليون برميل- تستقبل مزيدا من الشحنات حيث يجد الباعة صعوبة في العثور على شركات تكرير لشراء النفط المحمل حديثا حسبما ذكر المتعاملون. وفي منطقة هيوستون لامست مخزونات النفط مستويات قياسية مرتفعة في نهاية مارس آذار وفقا لشركة معلومات الطاقة "جينسكيب".

ويبدو وضع المخزونات أكثر تباينا في آسيا. ففي الصين -ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة- تقول وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن مخزونات الخام التجارية سجلت أدنى مستوياتها في أربع سنوات في مارس. لكن في كوريا الجنوبية تقول مؤسسة النفط الوطنية الكورية إن المخزونات قرب مستويات قياسية مرتفعة.

 

تقدم بطيء

وفي حين لا تزال المخزونات العالمية متضخمة، فإنَّ هناك بعض المؤشرات على أن تخفيضات أوبك تنال من الإمدادات. فقد أظهرت أحدث البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بدء تراجع المخزونات الوطنية في ابريل الماضي وهو أول انخفاض لذلك الشهر منذ 1999.

وتراجع تكاليف التخزين مؤشر آخر على أن المتعاملين وشركات النفط يخزنون كميات أقل بالمقارنة مع ذروة حرب الأسعار. وفي أكبر منشأة تخزين أمريكية في كاشينج بولاية أوكلاهوما يقول المتعاملون إن صهاريج التخزين أصبحت تكلف نحو 35 سنتا للبرميل في الشهر مقارنة مع حوالي 50 سنتا قبل عام. وتخزين النفط في ناقلة عملاقة قبالة سنغافورة، مركز صناعة التكرير في آسيا، يكلف ما بين 30 و40 سنتا للبرميل في الشهر انخفاضا من 50 إلى 80 سنتا قبل أشهر قليلة فحسب. وتراجعت العقود الآجلة لتخزين النفط بميناء لويزيانا إلى حوالي 24 سنتا للبرميل في الفترة الأخيرة وهو من أقل الأسعار هذا العام. لكن الأدلة المتفاوتة على استنزاف المخزون ما زالت لا ترقى إلى ما توقعه المستثمرون بعد اتفاق أوبك والمنتجون غير الأعضاء على تخفيض الإنتاج في نوفمبر تشرين الثاني.

وقالت أمريتا سين كبيرة محللي النفط في إنرجي أسبكتس إن تخمة المعروض تنتهي وتفريغ الصهاريج يمضي ببطء لكن ليس بالوتيرة التي كان متعاملون كثيرون بسوق النفط يأملونها. وأضافت "الناس لم يتحلوا بالصبر وظنوا أننا سنبدأ بتصريف عشرة ملايين برميل يوميا من الأسبوع الأول من يناير.. ما زال هناك فائض والكثير من المخزون".

تعليق عبر الفيس بوك