عبدالله العليَّان
الحياة الإنسانية في حاضرنا الرَّاهن تتحرك من مَسَار إلى مَسَار، وفق التحوُّلات الفكرية، والسياسية، وحتى الاقتصادية، وهذا يتطلَّب أنْ نُرَاجِع الخطوات والمرئيات التي وضعناها لعقود من الزمن؛ بما يُحدِّد الرؤى الأكثر إيجابية، بحيث نضع الخطوط العريضة للتحرك في كل مجالات التنمية وفق المستجدات، وهي مجال حديثنا في هذا المقال.
فلم يعُد العالم يسير ثابتاً في السياسات التي وُضِعَت قبل عقد أو عقدين من الزمن، عندما تكون التحولات والتحديات متسارعة، فقد نخسر الكثير، مما لو بقينا ثابتين في سياسات وبرامج جمّدت وفق مسار واحد؛ حيث لم يعد هذا المسار يساير الواقع وتقلباته، بل علينا أن نراجع خطواتنا بنظرة واعية للتحولات؛ لذلك نحن بحاجة إلى مراكز أبحاث تخصصية في كل المجالات التي تتعلق بكل قطاعات التنمية؛ بما فيها قطاع الثقافة والفكر والاجتماع، تضع لنا التوجُّهات الإيجابية والحصيفة، وبما يعزز الطريق الأنسب والأصوب، بدلًا من الاجتهادات الفردية التي خسرنا منها بعضًا من هذه المشاريع التي وضعت، وتم وقفها أو تجميدها.
فالاجتهادات الفردية لم يعد لها حظ اليوم من الاهتمام في أغلب دول العالم، وأصبحت القرارات والخطط والبرامج، توضع وفق معايير دقيقة، حتى لا يتم الخلل أو الفشل؛ لذلك فإنَّ من المهم أن تتحقق السبل التي نسير عليه، كما هي إشارات المرور بدقة متناهية، ومن يتجاوز هذه الأسس والرؤى، يجب أن تتم محاسبته بالقانون. ولم يعد الأمر في ظل الظروف الراهنة أن نجعل السياسات التنموية رهينة قرارات فرد أو أفراد، بل يجب أن تمر على المؤسسات المعنية، التي تم تحديد مهامها للنظر والمراجعة؛ حيث إنَّ من صلاحيتها أن يكون لها رأي وقرار فيما يضع من مشاريع، ومن أفكار تهم الصالح العام، وتمنيتُ أن يستجيب مجلس الوزراء لطلب مجلس الشورى منذ عدة أسابيع، لاستجواب معالي وزير البلديات الإقليمية وموارد المياه، حول بعض ما أسموه بـ"مخالفات قانونية ارتكبتها الوزارة"، وهذا الاستدعاء منصوص عليه ضمن الصلاحيات التشريعية والرقابية وفق المرسوم السلطاني 99/2011، والمتعلق بتعديل النظام الأساسي للدولة، وهي كما جاء في بيان مجلس الشورى مُحدَّدة في "المادة (58) مكرراً و(43)، والتي نصت بشكل واضح على الاستجواب، وهو أمر نابع من ثقة جلالة السلطان وقناعته بالدور المناط له في دعم مسيرة التنمية في وطننا العزيز". وكان رد مجلس الوزراء الموقر "بأنه سيتم مناقشة الموضوع مع الجهات المختصة".
ولا شك أنَّ التمسُّك بالصلاحيات التشريعية والرقابية في مصلحة الحكومة في المقام الأول، وفي الالتزام بالنظم والقوانين السارية، حتى تتحقق النزاهة والشفافية التي تحدث عنها جلالته في أكثر من مناسبة، وهذا الأمر أحدث ردات فعل حول دور مجلس الشورى وحدود صلاحياته التي تحدث عنها الجميع، من خلال الصحافة، وكافة وسائل الإعلام بعد صدورها، ولو تم الاستجواب، فأعتقد أنَّه لن تكون هناك إشكالية فيما أثير، وربما هذه المخالفات القانونية للوزارة، ليست بذات التصور والتوقع، وقد يكون رد معالي الوزير في جلسة مجلس الشورى أكثر إيجابية وشفافية تقنع الأعضاء بما أثير.
ومُنذ تأسيس مجلس الشورى، وجلالته يشدِّد على الشراكة بين الحكومة ومجلس الشورى، وهذه الشراكة تكاملية هدفها الصالح العام، ومن يرتكب أخطاء كبيراً كان أو صغيراً، يجب تتم محاسبته، وهذه هي رؤية الدولة كما جاء في نظامها الأساسي للدولة، وبالأخص الباب الثاني منه "المبادئ الموجهة لسياسة الدولة"، والتي أرست المحددات المهمة التي وضعت في النظام الأساسي، وهي المرجع في السياسات والتوجهات، خاصة ما جاء في المادة العاشرة منه: "إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين، ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا".. هذه المبادئ الموجهة يجب الاستمساك بها واحترامها، لما فيها المصلحة العليا لهذا الوطن. والأمر الذي نود التركيز عليه بجدية، مسألة الشراكة بين مجلس عُمان والحكومة، أن يكون الاتفاق على النصوص التشريعية والرقابية، والالتزام بها، ضرورة وطنية وقانونية.
كما أنَّ الإحالات من المشروعات إلى مجلس عُمان بغرفتيه، تسهم مع جهود الحكومة في التقييم والمراقبة، وإبداء الملاحظات على الموازنات والمشروعات الحكومية السنوية ومراجعة الخطط والمشروعات، وهذا لا يعطل الحكومة عن تحركها في مجال اختصاصاتها، فالتعاون والتعاضد في هذا المجال له أثر كبير على مسار التنمية الناجحة، لجعل المشروعات والخطط التي توضع للحوار والنقاش -قبل تنفيذها- مدى أفضل وأجدى من الأخطاء، عندما يتطلب الأمر مناقشة بعض القوانين التي تتطلب المشورة والاتفاق بين الدولة والشورى، ومن خلال مناقشاتهم ومقترحاتهم، وحتى لا يقال إنَّ الحكومة أقدمت على مشروعات وخطط وبرامج دون الرجوع للمجلس، وأخذ مشورته، ومنها أيضاً الرقابة على القوانين والنظم في الأجهزة الحكومية من المخالفات والتجاوزات، كما تحددها القوانين والتشريعات المنصوص عليها.