صدور كتاب يناقش أسباب ومخاطر وإستراتيجية مكافحة الفساد الإداري

 

 

مسقط - العُمانيَّة

يُعدُّ كتاب "إستراتيجية مكافحة الفساد الإداري في القطاع العام"، للدكتور صالح بن راشد بن علي المعمري، والذي صَدَر عن دار الانتشار العربي بدعم من مجلس البحث العلمي وبرنامج دعم الكتاب بالنادي الثقافي، من الكتب القليلة التي تناولت هذا الموضوع.

الكتاب جاء في 571 صفحة، ويعرِّف الفساد من خلال أطروحة شاملة لهذه الظاهرة من حيث ماهيته، وكذلك أسبابه ومخاطره، إضافة لتجريمه وطُرُق مكافحته. وفي تعريفه للفساد الإداري، يرى المعمري أنَّه يعد من الإشكاليات التي تؤرق المجتمعات؛ أنظمةً وشعوبًا؛ نظرا لتلازم وجوده مع الوجود البشري المصحوب بسلوك معين يسيِّر به حياته نزوعا بهذا السلوك إلى الخير أو نزوغا إلى الشر. والفساد الإداري - لأنه سلوك بشري – تتطور أساليبه ومظاهره مع تطور المجتمع البشري؛ تنظيما ومصالح وإدارة. ولذلك فقد كَبُرَ الفساد مع كِبَرِ هذا التطور البشري واتساع دائرته؛ فقد كان محليا ثم إقليميا ثم دوليا, وكذلك بالنسبة لمكافحة هذا الفساد؛ فقد اتخذت أشكالا دولية بعد أن كانت ذات بعد محلي فحسب.

ويرى الكاتب أن أهمية موضوع بحثه تكمن في أنه يحاول التطرق إلى موضوع كان لفترة قريبة من غير المعتاد في كثير من المجتمعات التطرق إليه. ومع كثرة الموضوعات أو العناوين المتعلقة بالفساد الإداري على شبكة المعلومات الدولية، وكذلك المقالات والمؤتمرات الدائرة حوله غير أن الأطروحات الأكاديمية والرسائل العلمية لا تزال شحيحة في هذا المجال، خاصة إذا ما حُصِرت على الصُعُد المحلية، فهي قليلة إن لم تكن نادرة أو غير موجودة أصلا، وبالأخص تلك التي تتناوله بصورة شمولية؛ من حيث ماهيته ومظاهره وأسبابه وأخطاره وتجريمه ومكافحته، فوجود بحث أكاديمي كهذا قد يغطي نقصا في المكتبة البحثية العربية بشكل عام والعمانية بشكل خاص.

ويؤكد الكاتب أن دوافع اختيار كتابه ليأخذ هذا البحث نظرا لأن العالم المعاصر يتسم بالتداخلات الثقافية والاقتصادية؛ إذ تتشابك فيه المصالح وتتقارب فيه الأنظمة والقوانين، وبهذا التقارب المعرفي والمعلوماتي أصبح الوعي بالحقوق الفردية والجماعية يزداد يوما بعد آخر. وعن أضرار الفساد الاداري، فإنَّ الكاتبَ استشهدَ في طرحه لهذا الموضوع ببعض النماذج وعدد أنواع تلك الأضرار ماديا واجتماعيًّا؛ حيث إنه وبالنظر إلى الكلفة الباهظة للفساد الإداري، يُمكن إدراك مدى تلك الخطورة على عصب حياة البشر وهو الاقتصاد؛ ففي مجال الضرائب -وهو من أهم دخول الدولة- شهدت الولايات المتحدة خلال عقد التسعينيات أزمة خانقة بعد إعلان 423 من صناديق الادخار تجاوزت الديون المتراكمة عليها لتصل إلى 19 مليار دولار أمريكي، وعزت الصحافة ذلك إلى الفساد، أما عن غسْل الأموال فإن حجم المبالغ التي يتم غسلها عالميا أكثر من 2 تريليون دولار سنويا، أو ما يعادل 15% من حجم التجارة العالمية.

وتشير بعض الدراسات إلى "أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة الأولى في العالم في حجم الدخول غير المشروعة؛ حيث وصلت عام 1993م إلى 700 مليار دولار، وارتفعت في روسيا من 110 مليارات روبل عام 1991م إلى 2.5 تريليون روبل في العام التالي، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة تصل الأرباح من التجارة غير المشروعة في العالم قرابة 30 مليار دولار في العام الواحد.

كما "قدر البنك الدولي أن ديون العالم الثالث بلغت عام 2002م أكثر من 2340 مليار دولار، وأن اقتصادًا خاصًا بات يعرف "باقتصاد الفساد يستنزف 300 مليار دولار من أموال العالم العربي، فيما يقدر البنك الدولي حجم الرشا في العالم سنويًّا بنحو ألف مليار دولار، وغسل الأموال 500 مليار دولار سنويًّا"، وأن " بليون دولار متحصلة من الجريمة يتم تداولها يوميا في أسواق المال العالمية".

كما أنَّ الفساد له أثر سيئ على التنمية والأداء الإداري؛ إذ يؤدي إلى زيادة التكاليف، وإلى الهدر وعدم الكفاءة، ويعمل على زيادة فرص هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، والفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وكذلك هجرة الكفاءات الاقتصادية لغياب التقدير.

وكذلك الزيادة في أعداد الفقراء لالتجائهم للقروض البنكية، أو الحصول على المال بأيَّة وسيلة غير مشروعة، كالرشوة، أو السرقة، مما يؤزم المشكلات الاجتماعية من ثمَّ يبدأ النسيج الأخلاقي المجتمعي في الانهيار؛ لما يحدثه ذلك من تحولات سريعة وفجائية في التركيبة الاجتماعية، وتكريس للتفاوت الاجتماعي، وإشاعة روح اليأس بين أبنائه. كما أنَّ الأجهزة الأمنية والعسكرية تخصص جهدًا ومالاً ووقتًا وطاقات بشرية ليست باليسيرة في مكافحة الفساد، وكان الأولى بهذه الطاقات والموارد صرفها في عمليات التنمية والتطوير؛ فمتابعة حالات الفساد وكشفها ورصدها وضبطها ومحاكماتها وسجنها وملاحقة المفسدين وعصابات الجريمة المنظمة والفردية والعابرة وكافة أشكال الإجرام، يكلف ذلك المؤسسات الأمنية المبالغ الباهظة، خاصة إذا باشرت العلاج الوقائي لتلك العلل الإدارية، كما قد يكلفها أرواحًا بين منتسبيها أثناء المكافحة؛ بما قد يتطلبه الأمر أحيانًا من المواجهة والعنف.

والقارئ بعُمق لهذا الكتاب، سيجد نفسه متجولا في كافة افرع مفهوم الفساد حيث ان الكاتب استخدم في بحثه المسطر في هذا الكتاب المنهج الاستقرائي من حيث التتبع النظري لتعريفاته، وتقصّي مظاهره، والبحث عن أسبابه وأخطاره، وكذلك باتباع المنهج النقدي بالبحث عن وفي نصوص التشريعات المعمول بها في سلطنة عمان، والتي تهدف للحد من انتشار الفساد الإداري في القطاعات العامة ومكافحته، ومدى فاعلية تلك القوانين أو وجود الخلل أو الثغرات إن وجدت، ومقارنة ذلك -أخذاً هنا بالمنهج المقارن أيضا- بما هو معمول به في المملكة المغربية.

تعليق عبر الفيس بوك