برعاية "الرؤية" إعلاميا.. ملتقى الدقم يشهد حضورا كثيفا من الاقتصاديين والمختصين

السيد أسعد: السلطنة تخطو بقيادة صاحب الجلالة في الطريق الصحيح لتنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات غير النفطية

...
...
...
...
...
...

 

 

مهاتير مُحمد: لدى عُمان أصول تفوق ما توفر لماليزيا وحصر الثروات واستغلالها أوَّل الطريق للتقدم

الجنيبي: السلطنة تستهدف الاستفادة من موقعها الجغرافي في إنشاء مناطق اقتصادية لمختلف الصناعات

جلسة نقاشية تستعرض الفرص الاستثمارية ورؤية التنوع الاقتصادي في "اللوجستي والصناعي والسياحي"

اللواتي: التركيز على نقاط القوة والاعتراف بنقاط الضعف وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بداية الانطلاقة

الغزالي: عُمان تحظى بكل المقومات اللازمة لاستقطاب السياح من أنحاء العالم

السيابي: التجارب الناجحة في العالم تؤكد أهمية الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص

الكيومي: خريف صلالة نموذج يُبرز أهمية التركيز على تعزيز السياحة الداخلية

 

 

 

الرؤية - إيمان الحريبية - نجلاء عبد العال - أحمد الجهوري

 

رعى صاحب السُّمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، افتتاح أعمال ملتقى "الدقم.. المجتمع والاقتصاد" الثالث، الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة عُمان ممثلة في فرع محافظة الوسطى أمس لبحث فرص الاستثمار ورؤية التنويع الاقتصادي بالسلطنة.

وقال صاحب السُّمو عقب الافتتاح إن السلطنة تخطو في الطريق الصحيح بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في سبيل تنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات غير النفطية، وأشاد سُّموه بالكلمة التي ألقاها الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، معربًا عن أمله في أن تستفيد السلطنة من التجربة الماليزية وتطبيقها "قدر المستطاع" باعتبار أن النموذج الماليزي نموذجًا ناجحًا يُمكن للسلطنة أن تستفيد منه في مُختلف جوانبه.

وألقى الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضرة بدأها بالإعراب عن أمله بأن يكون ما تحقق في ماليزيا ملائماً لما ترغب عُمان في الوصول إليه، مشيرا إلى أن هناك اختلافات بالطبع لكن مع الاختلاف هناك أيضاً مشتركات. وأكد أن التجربة الماليزية بدأت بالنظر إلى الشرق والغرب، حيث هناك في الشرق دول كانت تزيل عن نفسها آثار الحروب، وتتقدم لتصبح من أكثر الدول تقدمًا، وأضاف :"أرسلنا عُمالنا وطُلابنا لهذه الدول لنتعلم منهم، لأنه من الأفضل التعلم من النجاحات بدلاً من البدء من نقطة الصفر"، وأضاف أن لكل بلد أصول وثروات ولابد من تحديدها، وأول هذه الأصول وأهمها هو الشعب والنَّاس.

وأوضح مهاتير محمد أن ماليزيا في بداية الاستقلال كانت تعاني من نسبة عالية من البطالة، وهو ما تسبب في مشاكل اجتماعية عديدة، لذا كان لابد من البحث عن فرص عمل لهم، وقال إن الأصل الثاني كان الأراضي، ونظرًا لتمتع ماليزيا بمساحات أراضٍ خصبة كان علينا الاستفادة منها، لذلك عندما حصلنا على الاستقلال قررنا استغلال مساحات شاسعة من الأراضي للزراعة تحت إدارة الحكومة، وكان منها أشجار المطاط مثلاً الذي كان مطلوباً في تلك الفترة، وزرعنا مساحات كبيرة من المطاط، وحللنا بذلك جزءا من نسب البطالة واستفدنا اقتصاديا، ولم تكن زراعة الغابات وحدها كافية، لأنه يمكن لعدد قليل أن يقوم بالمهمة، لذلك كان لابد من النظر للصناعة نظرًا لقدرتها على استيعاب عدد أكبر من العمالة، ولكن في هذا الوقت لم يكن لدينا دراية بهذا المجال لذلك كان علينا التعلم، والتعرف على الصناعات خاصة التحويلية وكان لابد من اكتساب الخبرات من الدول الأخرى، وفي هذا الوقت كان هناك توجه إلى توطين كل الصناعات لكننا على العكس توجهنا لفتح أسواقنا، وعدم فرض ضرائب على أرباح الاستثمارات الأجنبية، وجاءت شركات عديدة بالفعل للاستثمار في ماليزيا بتقنيات تصنيع لم نكن لنملكها ورؤوس أموال لم تكن لدينا، وبالفعل أصبح هناك فرص عمل واستثمارات وحدثت ثورة استثمارية واستفدنا جداً باكتساب الخبرات وفرص العمل للأيدي العاملة الماليزية.

 

جذب الاستثمارات الأجنبية

ولفت الدكتور مهاتير إلى أنَّ هذا الإجراء حرم الحكومة من عوائد الضرائب، فبدأت بتقوية البنية الأساسية وكان عليها أن تنشيء بلدًا جاذباً للأجانب، فعدم فرض أية ضرائب على الأرباح أو الدخل أسعد المستثمرين، وبالتالي فتحوا فرص عمل وصناعات ومن جانبنا تولينا تطوير بنيتنا حتى تصبح بحد ذاتها جاذبة وليس فقط لعدم فرض الضرائب. وأضاف: كان الشعب أول المستفيدين وحصل على مزايا عديدة، ولاحظت أن عُمان تختلف عن ماليزيا فلدينا زراعة وغابات بينما عمان أغلبها صحاري وجبال، وهذا يعني أصولاً مختلفة لكن لابد من الاستفادة منها أيضًا؛ فهناك مجالات للتعدين والاستفادة من الشواطئ التي كنّا نتمنى لو أن لدينا في ماليزيا مثلها، فلدى عمان كثير من الأودية والشواطئ الرملية ومنابع مياه جذابة جدًا لا تتمتع بها ماليزيا، ويمكن أن تشكل الطبيعة العمانية مصدراً جاذباً، فماليزيا مثلاً لديها أنهارا لكنها مغطاة غالباً بالقُمامة، وفي ماليزيا الشواطئ موحلة وغير ملائمة للسياح بينما هي ملائمة أكثر للمزارع السمكية والروبيان، وبالتالي هناك دائمًا فرص لاستثمار ما لدينا من أصول وثروات وطبيعة.

وضرب مهاتير مثالاً عمليًا أكد أنَّه على بساطته يُمكن أن يلخص التجربة الماليزية وقال: ليس لدينا مثلاً أشجارا مثمرة أو زراعة محاصيل، لكننا وجدنا أن لدينا فرصة لزراعة المطاط، وولدنا من خلال هذا النوع مصدر دخل وفرص عمل، فهذا كان مناسباً لنوعية ما نملك من أرض، واستفدنا منها في صناعة المطاط، كذلك استفدنا بزراعة النخيل وإنتاج الزيوت، عندما لاحظنا أن بذور النخيل قابلة لإنتاج الزيوت استفدنا من ذلك وطورنا هذا النوع وأصبحت ماليزيا أكبر مصدر لزيت النخيل، وعندما ظهر المطاط الصناعي وتراجع سوقه زرعنا مكانه بالنخيل، فالعالم يتغير ولابد من أن نتكيف مع هذا التغير، فإذا كان هناك الأرخص مصادر الزيوت القابلة للأكل، كون أشجار النخيل تنمو وتبقى وتظل تعطي لـ25 عاما تنتج بكفاءة ويمكن استبدالها بعد ذلك، ونظرًا لأنَّه لا يحتاج سوى الحصاد نمت هذه الزراعة.

وأضاف الدكتور مهاتير: في جانب الصناعة ونظرا لعدم وجود خبرة لدينا فقد فتحنا الباب للمستثمرين ولأن الأيدي العاملة كانت تمثل تحديا لأن المهارات المطلوبة لم تكن موجودة، لذلك أنفقت ماليزيا 25% من موازنتها على التعليم لكي يتعلم الشعب ويتدرب على أعلى مستويات الصناعة والتقنيات، وخلال اهتمامنا بالتعليم وجدنا أن الطلب على التعليم عالٍ جدا فقررنا أن يكون التعليم مصدر دخل للبلد، وفتحنا العديد من المعاهد وغيرها، ولدينا الآن أكثر من 100 ألف طالب أجنبي يتعلمون في ماليزيا وهذا يمثل مصدر دخل، وهكذا تنتقل استفادة البلد من الأصول والفرص والحاجات من باب لآخر. وقال إن في عُمان فرصا وأصولا أكثر مما تملك ماليزيا، فهناك الكثير من القلاع والحصون والآثار، ولكننا لا نملك كثيراً منها في ماليزيا، لذلك قمنا بتنمية أنواع أخرى من السياحة خاصة الترفيهية، واعتمدنا على تقديم سياحة ترفيهية أرخص سعراً منها في بلاد أخرى ومنها مثلا ديزني لاند ماليزيا التي تقدم نفس الترفيه بسعر أقل من مثيلتها، والمقصود أنَّ كل ما يتمتع به البلد من طبيعة ومناخ يمكن الاستفادة منها.

وشدَّد مهاتير على أنه لا يوجد بلد يمكنه أن ينمو ويستثمر إلا إذا كان يتمتع بالسلام والاستقرار، فإن لم يكن كذلك فإنه حتى أبناء البلد لن يستثمروا فيه، وقال هذا ما فعلناه في ماليزيا حيث أصبحنا أصدقاء للجميع، ونحترم جميع الثقافات والأعراق والأديان، حتى إن ماليزيا لديها 3 أديان وعرقيات وثقافات لكن منذ استقلالنا عام 57 وحتى الآن لم تقع سوى بعض المظاهرات في 61 ، لأننا قررنا أن كل الأعراق الموجودة تحكم البلد معًا، ولذلك أصبحت تحالفات الأعراق تحكم، وهناك مطالبات ظهرت بأن تكون ماليزيا موحدة وتمحي ثقافة الأعراق لكن وجدنا أن أصحاب الأعراق والأديان يودون الاحتفاظ بهوياتهم، وأن وجود اختلاف بالأعراق في حد ذاته يشكل ثروة، كما أن عدم وجود فروق ضخمة بين الفقراء والأغنياء هو ثروة، وكنا على يقين أنه إذا كان هناك عرق واحد يستفرد بالحكم فإنه لن يحقق أيّ تقدم، بل إنه لا يجب أن يحصل عرق على حصة أكبر من عرق آخر فالنمو والتشارك والمساواة منذ الاستقلال هي نهج العمل، وهذا هو النموذج الماليزي ولا أدري إن كان له صلة أو مفيد لتنمية الصناعات والاقتصاد العماني لكن هناك دروس يمكن الاستفادة منها في تجربة ماليزيا.

وأكد مهاتير في جانب آخر أن لدى عمان ميزات أخرى منها مثلا أن عدد سكانها نحو 4 ملايين ومواطنيها منهم أقل من 3 ملايين، وتنتج مليون برميل يوميًا من النفط، بينما ماليزيا تنتج 600 ألف برميل يوًميا وسكانها 30 مليوناً بالتالي، فهذا يحتسب ضمن الثروات، وهناك دول تسمح لدول أخرى أن تنتج النفط فيها لكن عندما اكتشفنا النفط في بلدنا أردنا أن نتعلم كل تفاصيل هذه الثروة، وأصبح لدينا شركة ماليزية تنتج النفط ومشتقاته وتصنعه، وطورنا مهارات أبنائنا فأصبح لديهم القدرة على العمل في العديد من الدول خارج ماليزيا واستفدنا من تجارب الشركات النفطية العالمية وبنينا عليها.

 

إنعاش الحركة الاقتصادية

ومن جانبه قال الدكتور سالم بن سليم الجنيبي رئيس مجلس إدارة فرع غرفة تجارة وصناعة عُمان بمحافظة الوسطى، رئيس اللجنة المنظمة للملتقى إن السلطنة تسعى إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي في إنشاء مناطق اقتصادية ومناطق حرة لمختلف الصناعات باعتبارها بوابة مفتوحة لجذب الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية عبر ما تقدمه من مزايا وحوافز وتسهيلات للمشروعات المقامة بها، مؤكدًا أنَّ هذه المناطق الحرة ساهمت في إنعاش الحركة الاقتصادية وفتح أسواق التصدير أمام الصناعات التحويلية وأداة فعالة لتحقيق الأهداف المتمثلة في نقل المعرفة والتقنية وتنويع مصادر الدخل وتطوير الموانئ والمطارات لتصبح ضمن المراكز التجارية والصناعية والسياحية.

 

حوار مفتوح

وشهد الملتقى شكلاً آخر للاستفادة من خبرات مهاتير محمد الذي شارك في شكل حوار مفتوح أداره بحرفية عالية الدكتور عامر بن عوض الرواس وهو الرئيس التنفيذي لمجموعة شركة تصنيع تكنولوجيا النفط والغاز، وبدأه من نشأة الدكتور مهاتير والاعتماد الكبير على التعليم، حيث كان والد مهاتير مؤسس أول مدرسة للتعليم الإنجليزي في ماليزيا وكان أول منصب حكومي تولاه مهاتير محمد هو وزارة التعليم. وفي هذا المجال قال مهاتير: والدي لم يكن مديرًا اعتياديًا، ففي أثناء الاحتلال كانت المدارس يديرها الإنجليز وكان المسلمون لا يفضلون الذهاب للمدارس الإنجليزية، لكن والدي كان يهرب من البيت ليذهب الى المدرسة الإنجليزية، لأنه كان يؤمن بأنَّ العلم والمعرفة هي الطريقة الوحيدة لتحسين حياة الإنسان وهذا ما نقله لنا كأبناء، وأضاف: تعلمت الرياضيات من خلال تعليم أخي وطورت بعد ذلك اطلاعي على كثير من المعارف، ومسيرتي التي بدأتها كطبيب كان نتيجة إصرار أبي على التعلم والمعرفة، وكسياسي عرفت بالتركيز على التعليم، وعندما دخلت الوزارة أصر رئيس الوزراء على تكليفي بمسؤولية التعليم، وبالفعل أنفقت ميزانيات كبيرة على التعليم، وحرصت على توفير أفضل فرص التعليم والآن لدى ماليزيا جامعات على أعلى مستوى وأصبحت مقصدا للتعلم من دول العالم.

وعن تجنب الديون الخارجية خلال الأزمة المالية، قال إنّه عندما أراد البنك الدولي أن يفرض علينا شروطا وجدنا أنّه انتقال من مدين إلى آخر، لذلك قمنا بتحليل الموقف، فوجدنا أن المشكلة تأتي بالأساس من الاتجار بالعملات ومن أجل إيقاف هذا فإنه كان علينا أن نوقف ذلك وفورا، واكتشفنا أن البنك المركزي يمكنه أن يفرض على البنوك العاملة عدم الاتجار في العملة، وبوقف الاتجار في العملة تم حفظ الأموال من الخروج وإبقائها في ماليزيا.

وسأل الرواس عن السر الذي تضمنته استراتيجية مهاتير للوصول الى مجتمع متقدم، وجاءت إجابة مهاتير مفاجئة فقد قال إن أساس تحقيق التَّقدم، هو أولاً معرفة معنى الدولة المتقدمة، شارحا أن الوقت الذي بدأت فيه نهضة ماليزيا لم يكن هناك دولة مُسلمة تحسب في عداد الدول المتقدمة وبقرار ماليزيا أن تصبح أول دولة مسلمة مُتقدمة، كان عليها تبني ما لدى الدول المتقدمة؛ من أنظمة تعليمية متقدمة، واحترام السلطات الحكومية والقوانين والأعراف المجتمعية فعندما نعرف معنى البلد المتقدم وعناصره يمكننا أن نصبح بلدًا متقدمًا، فمثلا الدول المتقدمة دائما ما تتبنى صناعة قوية، وإبداعاً في المعرفة والابتكار والاختراع، والتفكير بطرق غير تقليدية، هذا ما تفعله الدول المتقدمة، وهذا ما يمكننا أن نفعله وبالتالي نكون دولة متقدمة. وأضاف: عندما نفهم كيف تعمل التقنية يمكننا أن نستفيد منها فكل ما يملكه البلد المتقدم يمكننا أن نمتلكه بما فيه الديمقراطية، فلدينا حكم بالانتخاب وبرلمان، لكن لكل بلد خصوصيات فنحن نقبل الديمقراطية كنظام فعال، ونعرف تماماً القيود والوضع الذي يناسب طبيعة بلدنا، وبهذه الطريقة استطعنا تحقيق التقدم، مشيرا إلى اعتقاده بأنّ عمان قادرة على تحقيق التقدم الذي تريده.

وانتقل إلى نقاط القوة والضعف في الاقتصاد العماني قائلاً إنه لابد من تحديد وحصر الأصول التي تمتلكها عمان، ومن خلال ما أعرف فإن عمان لديها طبيعة غنية، وتاريخ عريق ونظام مستقر، وهناك منتجات تعدينية ونفط، وشرح أن في ماليزيا كنا نظن أنه لا توجد لدينا معادن سوى القصدير لكن اكتشفنا أن لدينا عناصر ومعادن أخرى كثيرة، فإذا عملت عُمان مسحاً وحصرًا لثرواتها يمكن أن تستغلها لإنتاج كثير من المنتجات القابلة، أما مواطن الضعف فأكد أنَّها تبدأ بالاستسلام للضعف والاعتماد على مصدر واحد وهو النفط، مؤكدا أنَّ النفط بذاته يمكنه أن يكون ثروة عبر التصنيع، وقال إن عدم العمل على استكشاف المورد الأساسي المتوفر وهو النفط واستغلاله في صناعات ومنتجات أخرى، يمثل هدرا لهذه الثروة الغنية. وأشار إلى أن الصناعات الصغيرة غير ممثلة بشكل جيد، رغم أن هناك طرقاً لاستخدام الصناعات الصغيرة منها مثلا الحلوى العمانية وهو منتج يُمكن تسويقه بطرق ممتازة، ولكن هذا لا يحدث فهناك حلوى تركية يمكن أن تجدها في كل العالم لكن لا تجد حلوى عُمانية في كل مكان، وليس الحلوى فقط لكنها مجرد مثال على أهمية التسويق الجيد، والفكرة أنّه يُمكن اعتبار العالم كله سوقا محتملا واستخدام الإنترنت للتسويق أصبح سهلاً، عندما نقوم بحصر دقيق للثروات ونقاط القوة والضعف يصبح هناك انطلاقة حقيقية.

وعن التحديات الطبيعية وغير الطبيعية التي واجهت نهضة ماليزيا ومنها على سبيل المثال الفيضانات، قال مهاتير إنَّ بلدنا ماطر وهذا اعتبرناه من الأصول، ودرسنا استغلال فرصة خصوبة الأرض في تحقيق ربح من الماء الذي يصلنا مجاناً بينما تدفع فيه دول أخرى أموالا طائلة، وأصبح لدينا كثير من الشركات تعبئ المياه وتبيعها، فكل شيء قد يرى على أنَّه سلبية يُمكن بالتدقيق فيه أن نجد فيه فرصة.

 

مُقاومة التغيير

وإجابة على سؤال حول مقاومة التغيير من المُجتمع، أكد مهاتير أن هناك دائماً من يُقاوم التغيير والحل الوحيد هو التواصل والإقناع، وعلى سبيل المثال كان لدينا مظاهرات واحتجاجات عمالية ومطالبات برفع الرواتب والأجور، ولذلك عقدنا كثيراً من الاجتماعات والحوارات مع قادة الاتحادات العمالية لتعريفهم بأنَّ رفع الرواتب قد يفقدهم وظائفهم إذا ما خرجت الشركات من ماليزيا، وأن الضرائب التي نحصلها من الشركات هي بالنهاية دائرة تصلهم في شكل تعليم وصحة وضمان اجتماعي، فهي مسألة سلوك وفهم وتواصل مع الناس والتعرف على سبب المقاومة وشرح ما نفعل وهدفه ولماذا نقوم به ومصالح النَّاس منه. وأحياناً يرفض الناس شيئاً ثم بالإقناع والممارسة يصبحون أكثر دفاعاً عنه، فإذا كان هناك اقتناع بأمر ومصلحة حقيقية فإن الناس ستقتنع بالنهاية عندما يكتشفون فوائده، وعلى المسؤول الاستمرار في محاولات الإقناع لكن لا يجب التراجع مادام فيه مصلحة حقيقية، وأشار إلى أنَّه تعلم من مُمارسته للطب أنَّه في القانون قد يكون لكل محامٍ رأي وقد يكون خطأ أو صواباً، لكن في الطب الخطأ يمكنه أن يؤدي إلى الوفاة، ومثلاً مع أزمة العملة اكتشفنا أن من يتاجرون في العملة هم المشكلة لذلك كان لابد من التشخيص ووصف العلاج وتنفيذه بالجرعة السليمة.

وسأل الحضور عن الصيرفة الإسلامية التي نجحت فيها ماليزيا فقال مهاتير إنَّ المبدأ موجود حتى قبل أن نضع له نظامًا، فالمسلمون عندما أصبحت لديهم أموال فائضة، أصبحوا لا يعرفون كيف ينمون أموالهم تلك، لذلك كان علينا إيجاد نظم لإدارة الأموال بدون انتهاك للشريعة الإسلامية، كما كان علينا في نفس الوقت ابتكار أدوات لا تتنافى مع الإسلام، وبالتنافس والابتكار أصبح قطاع الصيرفة الإسلامية في ماليزيا يجذب المسلمين وغير المسلمين، فالسهولة واليسر والابتكارات الجديدة أصبحت تسهل العمل وهذا أعطى كثيرا من الإمكانيات لتتبع الأموال وعلى جانب ذلك منع أي فساد ممكن.

وفي سؤال عن كيفية التمكن من التسويق لعُمان قال مهاتير: إن كل بلد له تميز وتفرد فيجب تحديد تميز وتفرد عُمان، ومن بين الأمور المطلوبة الثقة، فإذا كان البلد وسمعته موثوقا بهما فإن ذلك يعزز مجال الأعمال، فالنزاهة والقيم والتمسك بالأخلاق يمكنها أن تصبح عوامل جذب، فالمطلوب هو التفكير في علامة مميزة تعتمد عليها في التسويق للبلد، وهذه العلامة أو الشعار يجب أن يؤمن به الجميع من الشعب والحكومة وكل مكان في الداخل والخارج وعندها سيصبح من السهل أن يصدق العالم هذه العلامة ويصبح عنواناً للبلد وعامل لجذب الاستثمار. وأكد أن أهم ما تملكه القيادة هو نظام حكم رشيد، على سبيل المثال النزاهة، فهذا أمر مهم للغاية، فتحتاج إلى الحصول على رضا وظيفي، فإذا كنت تمتلك المعرفة فاستخدمها وإذا لم تكن تمتلكها فابحث عنها عند من يمتلكها، وهناك أحيانا أكثر من حل للمشكلة الواحدة، والحل الذي يتم اختياره هو ما يفرق قيادة من أخرى ونظاماً من آخر، وأكد أنَّ مُكافحة الفساد هي مشكلة اجتاحت العالم وأفضل السبل للقضاء على الفساد هي أن يكون القائد أكثر شفافية ومحاربًا للفساد، وهي مشكلة تعاني منها ماليزيا حاليا وهناك طرق عديدة للفساد، لكن القائد غير الفاسد هو النموذج والقدوة لشعبه.

 

شراكة القطاعين العام والخاص

وعن أهمية مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، أكد أن الحكومة في أي دولة غير قادرة على العمل بمفردها لذلك تلجأ للخصخصة، فالحكومة لا ترغب في الربح كأساس لكن لإنجاز العمل، ولذا فإن الحكومات تلجأ لإسناد العمل للقطاع الخاص ومن ثم الحصول على جزء من أرباح الشركات كضرائب، ويجب على الحكومة ألا تكون مقيدة بل تعمل على تقديم أفضل التيسيرات، لأنه بالنهاية هناك فوائد متبادلة من نجاح القطاع الخاص فكلما حقق ربحا كلما زادت العوائد الحكومية.

وعن رؤية 2020 في ماليزيا، قال مهاتير إن هناك ثقة واتفاق عليها من الشعب والمسؤولين مشيرًا إلى أن التمكن من هذا الإنجاز مع وجود رؤى وثقافات واختلاف بين الناس، جاء عبر توضيح النظرة للناس لأنها بذلك ستتحول إلى رؤية يتبناها الجميع، لذلك فهناك أهمية لتوضيح الهدف وبلورته في أهداف محددة، وقال: أطلقنا رؤية 2020 عام 1991 وقسمناها إلى خطط خمسية، وكان يجري دراسة النتائج مع كل خطة خمسية، وللأسف تغيرت الحكومة ولم نُحقق رؤية 2020، وعلى الأقل لن يصبح بإمكاننا تحقيق الرؤية في هذا التاريخ، ربما بعد ذلك، لكن لن نتمكن من هذا في الوقت المحتم، نريد أن يقتنع الموطنون بأن بإمكانهم أن يصلوا إلى مصاف الدول المُتقدمة، فكل مواطن يمكنه المشاركة في تحقيقها بالاقتناع أن الرؤية قابلة للتحقق، حتى لو كان هذا عبر تعليم ابنه والإيمان بأنه يمكن أن يصل إلى مستوى علمي ومهني متقدم.

وقال في إجابته على سؤال حول خفض ميزانيات التعليم إنه في الأوقات التي يجب فيها على الوزارات جميعها أن تخفض ميزانياتها فإنه لابد من الوصول إلى نظام يؤكد الاستمرار في تقديم الخدمات التعليمية بنفس المستوى حتى ولو كان هناك خفض في الميزانية الحكومية عامة، فالعمل المشترك يمكنه الخروج بحلول لمثل هذا التحديات، وشرح قائلا: في الأزمة المالية مثلا عانينا من مشكلة سيولة وشح العملات الأجنبية، ووجدنا الحل عبر تنظيم معرض دولي لبعض أصول الحكومة العقارية وهكذا كان هناك ابتكار عبر معرض لبيع بعض ممتلكاتنا وإيجاد سيولة أجنبية، وبنفس الفكرة يمكن الاستعاضة عن ضغط النفقات الحكومية في قطاع التعليم بفتح تقديم خدمات أكثر أمام القطاع الخاص، مشيرا إلى أن طريقة التفكير تؤثر على البحث العلمي، وهناك اعتقاد بأن الأبحاث من اختصاص الحكومة، لكن تعلمنا أنه في العديد من الدول المتقدمة ينفق القطاع الخاص على الأبحاث أكثر من الحكومة، لسبب بسيط وهو أن الأبحاث تعود بالأرباح على القطاع الخاص ومنها على سبيل المثال شركات الأدوية مثلا، والانتقال من أن تحتكر الحكومة العمل في الأبحاث وتوكله للقطاع الخاص قد يأخذ وقتاً لكنه بالنهاية سيحدث..

وشدد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق على أهمية دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وضرورة السماح للآخرين بالحصول على حصة من أرباح وأعمال الشركات الكبرى وأن تستفيد هذه الشركات الكبيرة من مهارات المؤسسات الصغيرة، وإلا فإنّها ستكون أنانية، وستضيع كثيرا من الفرص على نفسها وعلى اقتصاد البلد. وحول وسائل التواصل الاجتماعي وما إذا كانت ستغير طريقة حكمه إن كانت موجودة وقتها، قال مهاتير إن الوسائل هي وسائل، المهم كيف تستخدم، فوسائل التواصل يمكنها تمكن الحكومة من معرفة ما يُريد الناس والعكس صحيح، وعلى سبيل المثال فإنَّ وسائل الإعلام التقليدية يجري السيطرة عليها لذلك فوسائل التواصل الاجتماعي تتيح فضاء أوسع، ومنذ عام 2010 أقوم بالعمل على مدونتي والآن لدي 25 مليون متابع، واستخدام الوسائل في المعارضة تستخدم وفق مستخدميها وما إذا كان لديهم القدرة إما على إصلاح الحكومة أو تغييرها.

 

فرص الاستثمار في جلسة نقاشية

وشهد الملتقى جلسة نقاشية بعنوان "الفرص الاستثمارية ورؤية التنوع الاقتصادي بالسلطنة في (القطاع اللوجستي، وقطاع الصناعة، وقطاع السياحة"، وشارك فيها كل من سعادة توفيق اللواتي عضو مجلس الشورى، والشيخ سالم بن أحمد الغزالي رئيس مجلس إدارة مجموعة الذهبية القابضة، والمهندس خميس بن مبارك الكيومي رئيس مجلس إدارة شركة المدينة العقارية، والشيخ سالم بن علي السيابي رئيس مجلس إدارة مجموعة السيابي العالمية، وأدارها الإعلامي أحمد بن سعيد كشوب رئيس قطاع الاستثمار وسوق المال بالشركة العمانية لتنمية الاستثمارات الوطنية.

وخلال الجلسة أكد سعادة توفيق اللواتي أنَّ أهم ما جاء في محاضرة مهاتير محمد أهمية البحث عن نقاط القوة، وألا نكتفي بمعرفة المقومات والأساسيات لدينا، بل معرفة كيفية الاستفادة منها، وأنه لابد من الديناميكية والتعامل معها، فانتقالهم من المطاط إلى النخيل والتفاعل السريع وتحديد الهدف والعمل الجماعي في الطريق إليه كانت أسرار نجاح يمكن تبنيها، والنقطة الثانية هي الاعتراف بنقاط الضعف، فعندما قال إن ماليزيا لم يكن لديها معرفة أو رأسمال بحثوا عن مستثمرين من الخارج بدون تعالٍ، وبالفعل تمكنوا من تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة، أما الثالثة فكانت أهمية الشراكة مع القطاع الخاص بنوع من التوازن والعدالة، وبحيث يكون هناك حوافز مقابل التزامات وسعي لأهداف واضحة. وأكد أهمية التعليم باعتبار أنَّ الأهم هو البناء في الإنسان بالفعل، وتصويب البوصلة للإنسان باعتباره أهم استثمار، خاصة في ظل الثورة الصناعية الرابعة، فلابد من إنسان منتج وملم بالمعرفة.

وقال الشيخ سالم الغزالي إنَّ دخل ماليزيا من السياحة عندما جاء مهاتير للحكم كان 900 مليون دولار، ووضع خطة وعمل عليها لكي يرفع الدخل إلى 20 مليار دولار، وأصبح الآن يفوق 35 مليار دولار، وأكد أن كثرة الكلام غير مجدية، والأهم هو وضوح أهداف وأولويات وضع خطط واضحة وسهلة التنفيذ، بالإضافة إلى الحاجة للتواصل من أجل تحقيق الأهداف. وأضاف: "لدي الآن 13 فندقا في أكبر القطاعات التي يمكن أن توفر آلاف فرص العمل وهي السياحة، فلو وضعنا أهدافا واضحة يمكن أن تزيد مساهمة السياحة في الناتج المحلي كثيرًا عن المستهدف، وشرح أن مدير الفندق أصبح لا يقل راتبه عن 5 آلاف ريال، لكن الشباب العماني يعزف عن العمل في السياحة، ولا يعرف أنه ليصبح مديرًا لابد أن يبدأ من البداية ليصل إلى مركز درجة مدير الفندق وراتبه، وأكد أن لدى عمان كل مقومات السياحة ويُمكن أن تكون مركز استقطاب للسياح من أنحاء العالم، لكن ما ينقصنا هو أن توفر الحكومة مقومات العمل في هذا القطاع، عبر تسهيل الإجراءات وتوفير التدريب والتعليم لتخريج دفعات من الشباب العماني الذي يمكنه أن يستفيد من الكنز الذي نملكه وهو السياحة.

وأكد الغزالي تفاؤله بالاستثمار في المجال السياحي وأن هذا قطاع واعد لكن هناك في المقابل مطالب بالتيسير والتكامل في العمل، وقال إنه ليس بالضرورة أن يبني الجميع فنادق ليعملوا في السياحة، فهناك مثلا أثاث يحتاج للتصنيع ومأكولات ومشروبات وغيرها، كما أنه لابد من العمل على فرض التعمين عبر توفير مُخرجات وطنية قادرة على فرض نفسها على سوق العمل سواء في الداخل أو الخارج بما تملكه من مهارات.

ولفت سالم السيابي إلى أهمية التكامل مع القطاع الخاص، قائلا إن التجارب الناجحة في العالم هي التي توكل فيها الحكومات العمل للقطاع الخاص، وللأسف الحكومات في المنطقة تتولى بنفسها كل تفاصيل البنية الأساسية وهذا استنزف أموالا طائلة، ومثلا الحدائق العامة التي أنفقت عليها الملايين ماذا لو فتح للمستثمرين إقامة فنادق فيها مقابل الالتزام بصيانة الحديقة أو إيجار معين، بحيث يمكن الاستفادة بفعالية من هذه المرافق والأموال التي أنفقت عليها. وأكد أن السعي إلى القمة يحتاج دعائم وأهدافا واضحة، على أن نستخدم ما لدينا لكن ليس فقط كهبة أعطانا الله بل بخطط لبناء لا يسقط مفاهيم التوازن، ونحتاج الاتقان ورفع قيمة العمل، ونحتاج إلى ثقافة مجتمعية تنهض بهذا المفهوم، بحيث يؤمن الجميع بأنَّ أي عمل شريف أفضل من اللاعمل، فإن استطعنا الاستفادة من تجارب الآخرين يُمكننا أن ننهض. فقط نحتاج أهدافًا محددة ودقيقة وتنفيذ الخطط بعمل جماعي، وثقافة مجتمعية، وشراكة حقيقية حتى الآن لم تتواجد فعليًا.

وأكد المهندس خميس الكيومي أهمية التركيز على السياحة الداخلية، وقال إن إحصائيات خريف صلالة أشارت إلى أن النسبة الأكبر من السياح كانوا من العمانيين، وفعلياً المواطن قادر على الإنفاق على السياحة، وأشار إلى أن جذب الاستثمارات من الخارج في غاية الأهمية حتى وإن توافرت الأموال في الداخل لأن تأثير أي استثمار أجنبي في قطاع ما يضيف ضعفي القيمة المضافة، كما أن إقناع أي مستثمر أجنبي بالقدوم للاستثمار سيُؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد ككل، لأنه يمثل قيمة استثمارية أجنبية، على أن تكون استثمارات جادة، وبغض النظر عن إحداث مساومات مثل كم سيُوظف أو كم سيدفع ضريبة، فرغم أهميتها لكن هذا يمكن أن يحدث مع الوقت، فوجود قانون أو نظام يشجع الناس للاستثمار في البلد كمستثمرين من الخارج في غاية الأهمية ويحتاج العمل عليه. وحول رفع الإيرادات عبر الرسوم والضرائب اتفق المشاركون على أنه أحياناً تقلل زيادة الضرائب من النتائج، ومع الأسف الخيارات كانت محدودة وما أتمناه أن نفتح بعض النوافذ لتحفيز الاقتصاد بدلا من الرسوم، كل وزارة وجهة ترفع الرسوم بدون خطط حتى أن بعضها اضطر لسحب بعض الرسوم لأنها لم تكن مدروسة، كما اتفق على تحفيز الاستثمار الأجنبي وأهمية إعطائه التسهيلات الممكنة، إلا أنَّه لا يمكن للحكومة التخلي عن جميع الأدوار.

 

تعليق عبر الفيس بوك