طبيبة عمانية تطرح أول كتاب عن "متلازمة داون" في السلطنة

 

مسقط – الرؤية

يعد كتاب "متلازمة داون في سلطنة عُمان: المسببات وانتشارها وعوامل الخطورة المحتملة للإصابة بالمتلازمة" للباحثة الدكتورة سلمى الحراصية استشارية المختبرات الوراثية ورئيسة المختبرات في المركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني أول دراسة عن هذه المتلازمة في السلطنة. وقد تضمن الكتاب دراسة مواليد متلازمة داون في السلطنة للتعرف على الأسباب الجينية أو الوراثية المسببة لهذه الحالات وتم نشره مؤخرا عن طريق دار النشر((scholars وتم توزيعه في أكثر من 40 دولة في العالم.

 

وتكمن أهمية الكتاب في اعتباره منشورا طبيا يتناول بعمق حالات متلازمة داون في السلطنة وسيسهم في فهم المسببات وعوامل الخطورة ومن ثم الوسائل الوقائية والتشخيصية لهذه المتلازمة ونتائجها بما يخدم القطاع الصحي في عمان.

في بداية الكتاب تناولت الدكتورة موضوع متلازمة داون (أو تناذر داون أو متلازمة التثلث الصبِّغي 21) لأهميته الطبية عالميا فعرفتها  بأنها متلازمة صبغوية تحدث نتيجة خلل كروموسومي يؤدي إلى تأخر في النمو البدني والعقلي وهو من أكثر التشوهات الكروموسومية شيوعاً في العالم. حيث يولد طفل مصاب بمتلازمة داون بين كل 600 - 1000 من حديثي الولادة.

لقد تم اكتشاف متلازمة داون من قبل الطبيب البريطاني جون لانجدون في عام 1887، وسميت متلازمة داون باسمه وأطلق على الأطفال المصابين بالمتلازمة بـ "المنغولي" لملاحظته السمات الوجهية المميزة المشتركة بين المصابين بمتلازمة داون وبين الأشخاص من العرق المنغولي، إلا أن منظمة الصحة العالمية منعت استخدام مصطلح المنغولي في تسمية المتلازمة واستبدلته باسم مكتشفها في عام 1961.

تحدث متلازمة داون نتيجة اختلالات في الانقسام الخلوي، فالخلايا الطبيعية تحتوي على 46 كروموسوما، أما الأطفال المصابين بمتلازمة داون فيحدث لديهم خلل في انقسام الكروموسوم رقم 21. حيث إن الانقسام الخلوي غير الطبيعي يحدث بسبب عدم انفصال الكروموسومات المتشابهة أثناء الانقسام مما ينتج عنه اختلاف في عدد الكروموسومات في الخلايا الناتجة عن هذا الانقسام والذي يسبب خللا وظيفيا في الخلايا التي بها نقص أو زيادة في المحتوى الوراثي.

 

كما استعرضت الكاتبة أنواع متلازمة داون، حيث إن هنالك ثلاثة أنواع وهي:

1. التثلث الكروموسومي في الصبغي 21: حيث يتكرر الصبغي أو الكروموسوم 21 ثلاث مرات بدلاً من مرتين ليصبح عدد الصبغيات في كل خلية 47 بدلاً من العدد الطبيعي البالغ 46 ، وهذا النوع يمثل النسبة الأعلى من مجموع الإصابات بنسبة 92- 95% وبكثرة بين الحوامل من النساء الكبيرات في السن.

2. الانتقال الصبغي: حيث ينفصل الصبغي أو الكروموسوم 21 ليلتصق بصبغي آخر من الأصباغ أو كروموسومات 13، 14، 15، 21، أو 22  ويشكل نسبة 3-4% من حالات المتلازمة وهذا النوع قد ينتقل وراثياً حيث قد يكون أحد الوالدين حاملاً لخلل في صبغيات 21.

3. التنوع الفسيفسائي (موزاييك): حيث يوجد نوعان من الخلايا في جسم المصاب بعضها يحتوي على 46 كروموسوما طبيعيا والبعض الآخر على 47  كروموسوما ويشكل نسبة 2-4% من مجموع الحالات.

 

كما تناول الكتاب غموض السبب الحقيقي للزيادة في الكروموسوم 21. إلا أن العامل الوحيد المعروف بارتباطه بمتلازمة داون هوعمر الأم الحامل حيث تشير الدراسات إلى العلاقة التناسبية الطردية في حدوثه مع تقدم عمر الأم. فكلما تقدمت الأم فى السن زادت نسبة احتمال إنجابها  لطفل مُصاب بمتلازمة داون. وعلى سبيل المثال إذا كان عمر الأم 20 سنة فإن نسبة حدوث ذلك الخلل في الكروموسومات هو حالة واحدة لكل 1500 ولادة، وإذا كان عمر الأم 35 سنة فالاحتمال هي حالة واحدة لكل 350 ولادة، أما في سن الـ 45 سنة فتزيد النسبة إلى حالة واحدة لكل 30 ولادة. وإذا أنجبت الأم طفلا مصابا بمتلازمة داون، فإن احتمال ولادة طفل آخر مصاب بالمتلازمة أيضا يرتفع إلى 1% بالإضافة إلى عمر الأم.

 

أما بالنسبة للأعراض والمشاكل الصحية فقد ذكرت الدكتورة سلمى الحراصية في كتابها بأن النتائج المترتبة على الزيادة غير الطبيعية في الجينات (المُورثات) في متلازمة داون كبيرة ومختلفة جدا وقد تؤثر على وظائف الجسم وأعضائه وتتلخص أبرز الأعراض والمشكلات الصحية والجسدية التي قد تصاحب متلازمة داون في:

  • تأخر النمو العقلي أو الذهني وضعف الإدراك
  • صعوبات النطق والكلام
  • ارتخاء العضلات
  • عيوب خلقية في المعدة والأمعاء والقلب
  • قصر في القامة
  • الخصائص الوجهية المميزة مثل صغر العينين والأذنين وبروز اللسان.

 

وأشارت د.سلمى في أحد فصول الكتاب إلى أنه منذ عام 2000 لوحظ زيادة في نسبة تشخيص حالات متلازمة داون في السلطنة حيث تشير الإحصائيات المختبرية إلى تشخيص 100 إلى 120 حالة متلازمة داون جديدة في كل عام. بناءً عليه قامت وزارة الصحة بالتعاون مع مستشفى جامعة شاريته في برلين بألمانـيـا بمشروع دراسة حالات متلازمة داون في السلطنة. حيث كان الهدف من تلك الدراسة هو التعرف على نسبة المواليد المصابين بمتلازمة داون في عمان. واستعرضت في الفصل الثالث للكتاب نتائج الدراسة التي أظهرت أن نسبة معدل انتشار متلازمة داون في السلطنة هي 25.88 حالة لكل 10,000 من المواليد الأحياء للفترة 2000-2004 ومتوسط عمر الأمهات لأطفال متلازمة داون هو 33.5 سنة. بالإضافة إلى تفاوت في نسبة انتشار الحالات بين المناطق الجغرافية المختلفة في السلطنة بنسبة تتراوح بين 15.13 الى 37.97 حالة لكل 10,000 ولادة.

 

كما أشارت النتائج أيضًا إلى فروق في عدد المواليد خلال شهور السنة مع زيادة في عدد المواليد في الفترة من شهر أكتوبر إلى يناير. إضافة إلى أن النتائج الأكثر إثارة هو تجمع الزمان والمكان في انتشار متلازمة داون مما قد يشير إلى وجود عوامل أخرى قد تكون عوامل خارجية متعلقة بالبيئة بدون تفسير مرضي أو سببي لهذه الظاهرة.

أخيرا أوضحت مؤلفة الكتاب أنّه لا يوجد علاج لحالات متلازمة داون بعد حدوثها ولكن بالإمكان الوقاية منها عن طريق تجنب الأمهـات الأكبر عـمراً(فوق 35 سنة) الحمل. كما أشارت إلى أن على الأسرة الاهتمام بالعناية بالأطفال المصابين وذلك من خلال حمايتهم من المضاعفات المصاحبة كونهم أكثر عرضة من الأطفال الطبيعيين للإصابة ببعض الأمراض. إضافة إلى تطوير القدرات العقلية لدى الأطفال المصابين حيث إن أطـفـال متلازمة داون يختلفون في قدراتهم العقلية وقدراتهم على الفهم اللغوي والمعرفي والتواصل الاجتماعي لذا لابد من العمل على رعايتهم في الأسرة والمراكز الخاصة لكي يتم تأهيلهم وإدماجهم تدريجياً في الحياة العملية والمجتمع علماً بأن العمر الافتراضي للمصابين بمتلازمة داون قد يصل إلى 60 سنة.

جدير بالذكر أنه بالإضافة إلى مؤلفة الكتاب الدكتورة سلمى الحراصية، فقد شارك في التأليف أيضًا كل من الدكتورة آنا رجب استشارية الأمراض الوراثية والبروفيسور هايدي نايتزل من جامعة شاريته في برلين بألمانيا الاتحادية.

 

تعليق عبر الفيس بوك