سيمفونية تربوية يعزفها خبراء التمكين الرقمي

 

عبيدلي العبيدلي 

بحضور أكثر من 500 مشارك من داخل وخارج البحرين من المعنيين بقطاع التكنولوجيا والتعليم، وما يربو على 20 متحدثا من الخليج والوطن وأمريكا وأوروبا، ونخبة مميزة من فعاليات محلية وإقليمية في مجالات التعليم والتكنولوجيا، افتتح سعادة وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد بن علي النعيمي منتدى "مستقبل التكنولوجيا والتعليم في الخليج 2017" الذي يقام للعام الثاني تحت رعايته.

وفي كلمته الافتتاحية توقف النعيمي عند محطات مفصلية في مسيرة البحرين على طريق التحول الرقمي في التعليم، التي دشنها مشروع جلالة الملك حمد "مدارس المستقبل" الذي انطلق في العام 2005، وتوج بخطة "التمكين الرقمي في التعليم" التي دعا لها جلالته في العام 2015، كي يحط في نهاية كلمته عند "الجائزة الدولية التي ترعاها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بعنوان (جائزة اليونسكو - الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم)". 

وبعد الجلسة الافتتاحية توزعت أعمال المنتدى، على مجموعة متتالية من الجلسات وورش العمل انصبت نقاشاتها على التطورات التي يشهدها قطاع التعليم في مجال الاستخدام الأفضل لتقنية المعلومات. 

توزعت تلك النقاشات على المحلي الصرف، والعالمي المتنوع. وتوقفت عند مجموعة من القضايا، التي تراوحت بين الأسئلة التي تثيرها تجارب معينة، والاستنتاجات التي خرجت بها تجارب أخرى، دون التحرج من إبراز التحديات التي أفرزتها تلك التجارب. ويمكن حوصلة النقاشات في النقاط التالية: 

·        مسألة التقييس في عملية التحول الرقمي في التعاليم، والمقصود بالتقييس هنا هو ذلك التعريف الذي تأخذ به المنظمة الدولية للتقييس " أيزو "، الذي يقوم على "تطبيق قواعد لتنظيم نشاط معين لصالح جميع الأطراف المعنية وبتعاونها وبصفة خاصة لتحقيق اقتصاد متكامل مع الاعتبار الواجب لظروف الأداء ومقتضيات الأمان، ومن ثم فهو الأسلوب أو النظام الذي يحقق وضع المواصفات القياسية، التي تحدد الخصائص والأبعاد ومعايير الجودة وطرق التشغيل والأداء للمنتجات، مع تبسيط وتوحيد أنواعها وأجزائها على قدر الإمكان". فرغم التجارب الغنية التي عرفتها العديد من الدول، لكن التمكين الرقمي في التعليم، رغم الخطوات التي حققها على طريق التحول الرقمي، ما يزال في مراحل جنينية، تحظر الخروج بمقاييس عالمية محددة يمكن أن يحذو حذوها من يتبنى مشروعا للتمكين الرقمي. وعليه فهناك متطلبات كثيرة لها علاقة بمناهج التدريس، والمقررات، وتأهيل الكادر التعليمي، ونشر الوعي على النطاق الوطني، لا بد من إنجازها قبل التوصل إلى "النموذج العالمي" لعملية التحول الرقمي في التعليم. لكن مثل هذه التحديات، وكما جاء في تلك النقاشات، لا ينبغي لها أن يكون أي منها عقبة أمام خطط التحول الرقمي، ولا مبررا للخشية منه. بل أكدت تلك النقاشات على أن عملية التحول قادمة، والخاسر الأكبر من يقف في وجهها أو يحاول أن يتحاشاها. 

·        موضوع تعامل التحول الرقمي، الكفء المثمر مع مكونات التعليم البشرية الرئيسة: التلميذ، المدرس، الإدارة المدرسية، وأخيرا الأسرة. فلكل مكون من هذه المكونات خصائصه الرئيسة التي تميزه عن الآخرين. وهنا أشار البعض إلى تضاربها في مراحل معينة. وتوقف المشاركون، كل من خلال خلفيته العلمية، وتجربته التربوية، عند تعقيدات بناء نظام للتحول الرقمي في قطاع التعاليم قادر على مخاطبة كل واحد من هذه المكونات على حدة، ومن ثم مخاطبتها في نظام واحد شامل متكامل، آخذا بعين الاعتبار تجاوزات المكان والزمان التي ولدها التمكين الرقمي. والتجاوز هنا ليس جغرافيا فحسب، وإنما حضاري أيضًا. 

·        قضية المواءمة بين ضرورات التحول الرقمي، ومعالجة التحديات الحضارية التي يثيرها هذا التحول. وكان هناك شبه إجماع على أن التحدي الحضاري مسألة عالمية لا تنفرد بها منطقة جغرافية أو سياسية دون أخرى، ومن ثم فمن الخطأ القول إن هناك دولا متقدمة تجاوزت مرحلة التحدي الحضاري التي تفرزها خطط التحول الإلكتروني، وخاصة في قطاع التعليم. وعليه، فمن الطبيعي أن تعالج تلك الخطط النزعة الإنسانية التقليدية التي تستمرئ الانصياع للواقع بغض النظر عن حالة ذلك الواقع، وتفضل القبول به والتعايش مع مكوناته، مقارنة مع التحول والانخراط في مسيرته. ويتجاوز المقصود بالمسألة الحضارية هنا تلك التعريفات التي تحصر الخلفية الحضارية في نطاق ضيق مرتبط بفترة زمنية محددة، فهي كما تراها الفلسفة الإنسانية،  " كل ما يميز أمة عن أمة أخرى، من حيث العادات والتقاليد، أسلوب المعيشة والملبس، والتمسك بالقيم والأخلاق"، أما التعريف الأكثر تداولا، ومن ثم قبولا،  فهو أن "الحضارة عبارة عن نظام اجتماعي يعين الانسان على زيادة انتاجه الثقافي، وتبدأ حين ينتهي الاضطراب والخوف، فتتحرر نفسية الإنسان". 

·        أمر المحتوى، أو بالأحرى وعلى نحو أشمل المناهج، ومن هي الجهة التي تضع المناهج. ففي التعليم التقليدي هناك إدارات المناهج، في وزارات التربية والتعليم، التي تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية. لكن الجديد الذي أفرزه التحول الرقمي، وبات ظاهرة ملموسة لدى من سار على هذا الدرب، هو مشاركة التلميذ، قبل المدرس في استحداث وبناء جزء لا يستهان به من المقررات، وعلى وجه الخصوص الجديد في موادها. وحاولت النقاشات الاجتهاد للوصول إلى الصيغة السليمة التي تستفيد من كفاءة خبراء التربية والتعليم من جانب، دون لجم الطموح، وقتل الإبداع لدى التلاميذ، من جانب آخر. 

 
  في اختصار شديد، أقام منتدى "مستقبل التكنولوجيا والتعليم في الخليج 2017" منصة تفاعلية، استخدمها خبراء التعليم والتكنولوجيا بكفاءة عالية، كل بآلته الخاصة، المختزنة لتجربته الغنية، كي يعزفوا جميعا وكفريق متكامل سيمفونية تربوية معاصرة، جميلة، أشجت المشاركين، وشحذت أذهانهم، وجعلتهم يغادرون القاعات حاملين في جعبتهم مجموعة من التساؤلات التي ولدتها إيقاعات تلك الآلات مطالبين بالتفكير فيها، إن لم يكن البحث عن أجوبة صحيحة لها، كي يأتوا بها في لقائهم القادم في البحرين في العام 2018.