مدير مركز البحوث الإنسانية بجامعة السلطان قابوس يقدم ورقة العمل الرئيسية بـ"منتدى الرؤية"

المعولي: استشراف المستقبل يهيئ الاقتصاد العماني للتكيف مع المتغيرات والكشف عن الفرص والتحديات

...
...
...
...
...
...
...
...

 

◄ تباين محددات النمو الاقتصادي في الوقت الحاضر مقارنة بالماضي

◄ الثورة الصناعية الرابعة "تسونامي التقدم التكنولوجي"

◄ الابتكار والمعرفة الفنية والتقانة.. عناصر تشكل المسارات التنموية في المرحلة المقبلة

◄ عائدات "إنترنت الأشياء" ستصل إلى 11 تريليون دولار بحلول 2025 سنويا

◄ 35 مليار دولار عوائد مالية متوقعة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي

◄ تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة تساعد على تحقيق معدلات تنمية مرتفعة

◄ تغيير القيم الثقافية وزيادة الباحثين عن عمل من أبرز تحديات الثورة الصناعية الرابعة

 

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

 

ألقى الدكتور ناصر بن راشد المعولي مدير مركز البحوث الإنسانية وأستاذ الاقتصاد المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، ورقة العمل الرئيسية بمنتدى الرؤية الاقتصادي في دورته السادسة، وحملت الورقة عنوان "اقتصاديات الثورة الصناعية الرابعة".

وهدفت الورقة إلى إلقاء الضوء على ملامح الثورة الصناعية الرابعة، والتطرق إلى علاقتها بالاقتصاد الجديد أو ما يعرف بـ"اقتصاد المستقبل". وسعى المعولي من خلال ورقة العمل إلى التوعية بالتوقعات المستقبلية للتغيرات التكنولوجية المتوقع حدوثها خلال الأعوام القليلة المقبلة، وما هي تأثيراتها المختلفة على الأفراد والمجتمعات.

 

 

 

وفي بداية ورقة العمل، أشار المعولي إلى الفارق بين واقع الاقتصاد العالمي في الماضي وواقع الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر، وذلك بهدف التركيز على التغير الحاصل في الاقتصاد العالمي نتيجة قيام الثورات الصناعية المختلفة، والتأكيد على أن محددات النمو الاقتصادي اختلفت عما كانت عليه في السابق. وتطرق المعولي إلى العديد من المحاور المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة من جوانب مختلفة، من شأنها أن تقدم صورة شاملة ومتكاملة عن الثورة الصناعية الرابعة وعلاقتها بالاقتصاد الجديد، لافتا في هذا السياق إلى الإطار المفاهيمي للثورة الصناعية الرابعة، والتكنولوجيا الهدامة وأثرها الاقتصادي، واستشراف مستقبل الاقتصاد الجديد في ظل التغيرات التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات وتطبيقاتها المختلفة.

الثورة الصناعية الرابعة

وأوضح المعولي أن الثورة الصناعية الرابعة – التي توصف بأنها تسونامي التقدم التكنولوجي – بدأت في ألمانيا عام 2011، وتعرف على أنها مزيج من الأنشطة والعوالم المختلفة (الفيزيائية والبيولوجية والرقمية) التي من شأنها أن تقلص الهوة بين كل ما هو مادي وما هو رقمي في الحياة اليومية. وقال إن الثورة الصناعية الرابعة تعد نقطة البداية لتشكيل ملامح الاقتصاد الجديد المبني على التميز والتقانة الذي عزز فكرة تفاعل وتناغم الإنسان مع التكنولوجيا. وأضاف أن اقتصاد المستقبل يرتكز على 4 أعمدة أساسية؛ تتمثل في النظام التعليمي، والبنية الأساسية، والابتكار، والسياسات والأنظمة. وأشار إلى أن العالم يزخر في الوقت الحالي بالعديد من الشركات الدولية التي تعد خير مثال على نماذج ناجحة للاقتصاد الجديد القائم على الإبداع والذكاء والمعلومات، مثل واتس أب  "Whatsapp"وفيسبوك "Facebook" وأبل "Apple" وأوبر (Uber) وأربنب (Airbnb)؛ حيث استطاعت هذه الشركات أن تحقق أرباحا هائلة من مقومات تعتمد على الإبداع والمعرفة الفنية. وتابع أن ذلك يؤكد أن عوامل الإنتاج التقليدية مثل الأرض والعمالة ورأس المال، لم تعد هي المحددات الرئيسية للإنتاج ومسارات النمو الاقتصادي، وإنما الأصول غير المرئية؛ كالابتكار والمعرفة الفنية والتقانة، هي التي ستشكل المسارات التنموية في المرحلة المقبلة.

وتطرق المعولي إلى مفهوم التكنولوجيا الهدامة، وقال إنه ظهر لأول مرة عام 1997 في كتاب "عقبة الإبداع" الذي قام بتأليفه ونشره البروفيسور في جامعة هارفرد كلايتون كريستنسن، ويقصد به تلك التكنولوجيا التي تعمل على إزاحة التقنيات السابقة، والتي بإمكانها أن تستبدل الصناعات والمنتجات الرائدة حاليا بتقنيات جديدة متطورة كليا. وبيّن أنّ نماذج وأمثلة التكنولوجيا الهدامة التي شهدها العالم والتي سيشهدها في الأعوام القليلة المقبلة، متعددة، مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والمركبات ذاتية القيادة، والتكنولوجيا الملبوسة (القابلة للارتداء) وغيرها من الأمثلة والنماذج.

التكنولوجيا الهدامة

وأوضح المعولي أنّ فائدة التكنولوجيا الهدامة تظهر على الصعيد الاجتماعي للأفراد وعلى الصعيد الاقتصادي للدول، حيث تمتلك تلك التكنولوجيا تطبيقات بالغة الأهمية للإنسان، فعلى سبيل المثال تمكنت تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد من الإسهام في صناعة الأطراف والسيّارات. كما تمكنت تقنية إنترنت الأشياء من ربط الأجهزة المنزلية بالهواتف ما يمكن المستخدم من التحكم بكافة أجهزة منزله من خلال هاتفه الشخصي. وأشار إلى أنّ الذكاء الاصطناعي تظهر فائدته جلية في العمليات الجراحية وفي عمليات البحث والإنقاذ، بينما فيما يتعلق بالسيّارات ذاتية القيادة فقد ساعدت على تخفيض أعداد الحوادث، كما تساعد الأجهزة الملبوسة على الحفاظ على اللياقة البدنية للأشخاص وجعل الأفراد أكثر تنظيما.

وبيّن أنّه من الناحية الاقتصادية، فإنّ الإحصائيات ذات الصلة تظهر أنّ تطبيقات التكنولوجيا الهادمة لها إسهامها الواضح في عملية التنمية الاقتصادية؛ حيث توضح المؤشرات الاقتصادية الارتفاع الكبير الحاصل (والمتوقع حدوثه) في القيمة السوقية للطباعة ثلاثية الأبعاد والتكنولوجيا الملبوسة خلال الفترة (2010 -2020)، كما تظهر المؤشرات والبيانات التي يوفرها تقرير ماكينزي إلى أن إنترنت الأشياء يعود بأثر اقتصادي محتمل من 4 تريليون دولار إلى 11 تريليون دولار في السنة الواحدة لعام 2025. وفي ذات السياق فقد أظهرت المؤشرات أنّ العوائد المالية المتوقع الحصول عليها من تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستتجاوز 35 مليار دولار في عام 2025.

استشراف المستقبل

وقال أستاذ الاقتصاد المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس إنّه إلى جانب تلك التطبيقات الفعّالة في عملية التنمية الاقتصادية، فإنّ العلماء والخبراء يتوقعون أن يشهد العالم في الأعوام المقبلة تغيرات تكنولوجية عديدة ومتنوعة، من شأنها أن تسهم في رفد عمليات التنمية المستدامة، وذلك وفقا لتقرير "استشراف المستقبل العالمي" الصادر من أكاديمية دبي للمستقبل، والذي تمّ عرضه في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، والمعد من قبل خبراء من وكالة ناسا الأمريكيّة ومركز لانجون الطبي التابع لجامعة نيويورك، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وشركة كونسين سيس للإنتاج، ومؤسسة سنس العالمية للأبحاث وشركة تويوتا العالمية.

وأوضح أنّ تقرير "استشراف المستقبل العالمي" يهدف إلى استعراض التنبؤات المستقبلية (والتي بلغ عددها 112 تنبؤًا) والمتوقع أن يشهدها العالم خلال الأربعين سنة المقبلة، في 7 قطاعات استراتيجية؛ وهي قطاع الطاقة المتجددة، وقطاع المياه، وقطاع التكنولوجيا، وقطاع الصحة، وقطاع التعليم، وقطاع النقل، وقطاع الفضاء. وأظهر التقرير أنه من المتوقع في قطاع الطاقة المتجددة أن تصبح الطاقة الشمسية رخيصة كالفحم في عام 2020، كما يتوقع أن تصبح (90%) من المركبات كهربائية وذاتية القيادة بحلول عام 2035. وبين أنه في قطاع المياه يتوقع أن ينتهي الصراع العالمي على الماء في عام 2050، وأن يتم استخراج الماء من الفضاء في عام 2025. وفيما يتعلق بتنبؤات قطاع التكنولوجيا، فمن المتوقع أنه بحلول عام 2036 سيمتلك كل شخص روبوتا خاصا به، علاوة على أن العلماء تنبأوا بأن الآلات هي من ستقوم بارتكاب أغلب الجرائم في العام 2025.

ومضى المعولي موضحا أنّه في قطاع الصحة فيُتوقع أنه في عام 2048 ستعمل الحكومات على توفير العلاجات الجينية على شكل لقاحات بالمجان، كما يتوقع لفحص السرطان أن يصبح متاحا بالمنازل بتكلفة بسيطة جدا (20 دولارا) وذلك بحلول عام 2020. وفي قطاع التعليم، وأشار المعولي إلى أن التوقعات تقول إنه سيتم في عام 2030 إيجاد عقاقير تعطي قدرة دماغية قوية تعمل على تسهيل تعلم الأشياء المعقدة، كما إنه من المتوقع للأبحاث الممولة حكوميا أن تكون متاحة على الإنترنت بالمجان في عام 2020. وفي قطاع النقل يتوقع أنه خلال السنوات المقبلة (بحلول 2020) سيتم تجربة القطار فائق السرعة (Hyperloop) وللمرة الأولى، كما ستكون السيارات الطائرة متاحة في الأسواق في العام 2028. وبيّن أنّه في قطاع الفضاء، فمن المتوقع بحلول العام المقبل 2018 أن يتم إطلاق أقوى تليسكوب في العالم بقوة تصل إلى 100 ضعف التليسكوب الحالي، كما يتوقع في عام 2045 أن يتم الانتهاء من بناء أول مستعمرتين على سطح كل من المريخ والقمر.

معدلات التنمية

وأكد الدكتور ناصر المعولي أنّ التطبيقات والتطورات السابقة الذكر والمصاحبة لقيام الثورة الصناعية الرابعة من شأنها أن تساعد على تحقيق معدلات عالية من التنمية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإنسانية، كما من شأنها أن تعمل على تسريع عملية النمو والتطور وذلك من خلال الاعتماد على تقنيات فائقة السرعة والتي بإمكانها إنجاز المهام المطلوبة في أقصر فترة زمنية ممكنة.

واستدرك المعولي قائلا إنه في المقابل قد تواجه عملية التنمية المعتمدة على تلك التقنيات بعض التحديات المتمثلة في تغيير القيم الثقافية والاجتماعية للمجتمعات، وارتفاع نسب الباحثين عن عمل بسبب أتمتة الصناعة؛ حيث يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن فرص العمل من الممكن لها أن تتقلص إلى 50 في المئة، بسبب الاعتماد على الآلات والحواسيب بدلا من الإنسان.

واختتم المعولي ورقة العمل بالتأكيد على أن بروز التقنيات المتجددة يتطلب من الجميع الولوج إلى عمليات التفكير الاستباقية، وذلك من أجل استشراف مبكر للمستقبل وتقليل عنصر "اللا يقين" بما يكفل مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تفرزها الثورة الصناعية الرابعة. وشدد على أن عملية الاستشراف المبكر لمستقبل اقتصادنا الوطني يهيئ الاقتصاد العماني للتكيف مع المتغيرات والمستجدات المستقبلية والكشف المبكر عن الفرص والتحديات المستقبلية وتحويل التحديات إلى مكاسب تحقيقا لتنمية مستدامة وشاملة.

تعليق عبر الفيس بوك