"الأبعاد المشتركة بين الأسواق التقليدية ومراكز التسوق الحديثة في عمان"

 

سليمان بن أحمد الكندي
رئيس التجزئة – شركة أساس

خلال الحقب التاريخية المختلفة، كانت ولازالت سلطنة عُمان تتمتع بموقعها الجغرافي المميز الذي جعلها تحتل مكانة اقتصادية وتجارية مرموقة خلال مختلف تلك الحقب، وقد كانت عُمان بمثابة البوابة الرئيسة إلى الأسواق العالمية في الفترات التاريخية المبكرة عندما شقت سفن العمانيين عباب البحار والمحيطات في الفترات الأولى التي استهدفت الأسواق الدولية، مما حدا بعمان أن تكون مركزا ثقافيا وميناء تجاريا يربط بين آسيا وأفريقيا حيث وصلت الإمبراطورية العمانية آنذاك.

أما داخليًا، فقد تشكلت المدن العمانية لتكون تجارية بطبيعتها حيث نجد "السوق" وهو عبارة عن مركز تجاري يتوسط المدينة العمانية، حيث يمثل المحطة التي يتجمع فيها الناس لتبادل السلع والأفكار والأخبار في كافة المجالات التجارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

أما في العصر الحديث، فقد بدأ التوجه نحو النمط العصري لمراكز التسوق والذي يعتبر امتدادا لنمط المراكز التجارية القديمة (الأسواق)، حيث نرى الكثير من الأبعاد المشتركة بين كلا النموذجين، ولعل أهم هذه الأبعاد هو الاختيار الأمثل للموقع والذي يتم اختياره على وجه التحديد لتغطية أكبر نسبة من التجمعات السكانية وأن يكون هذا السوق مقصدا للقرى النائية، ونجد هذه المفاهيم بارزة في سوقي مطرح ونزوى اللذين تم بناؤهما في عام 1660، وهو ما يتم أخذه بعين الاعتبار في مراكز التسوق الحديثة.

يتشكل مفهوم التصميم المعماري للأسواق القديمة عادة ليكون مبنى مع أنماط إسلامية مزخرفة ونقوش عالية الدقة وهذا يتشابه والنموذج الجديد لمراكز التسوق الحديثة في السلطنة حيث يراعى وجود فن العمارة الإسلامي والشرقي فيها. أما نظام حماية وحراسة الأسواق القديمة فيشكل أهمية بالغة لدى القائمين عليها، وبالتالي فإنَّ تصميم تلك الأسواق عادة ما يشتمل على العديد من الأبواب الرئيسية وعلى مقربة منها يتم وضع نقاط الحراسة، إلى جانب نظام جولات الحراسة كما هو واضح في سوق نزوى وبقية الأسواق العمانية، وفي الجانب الآخر فإن مراكز التسوق الحديثة تولي أيضا اهتماما بالغا بمكون الأمن والحراسة باستخدام أحدث الأنظمة والتقنيات.

يرتكز نظام تشغيل الأسواق العمانية التقليدية على مجموعة من القواعد واللوائح والإجراءات الداخلية لكل سوق والتي من شأنها تحديد ساعات العمل ونظام صيانة وتجديد السوق وفق أسس وفترات مُحددة، كما يعمل هذا النظام على إدراة السوق من النواحي المالية والتنظيمية الأخرى والمهام المنوطة بكل موظف وعامل في السوق، وبالإضافة إلى ذلك هناك قوانين ولوائح تنظم عملية تأجير المحلات من خلال توضيح حقوق وواجبات المستأجرين التفصيلية، والتي برزت كذلك في النمط الحديث لمراكز التسوق مثل نظم إدارة المساحات والمنافع المشتركة، والخدمة العامة وغيرها، والتي من شأنها التوصل في النهاية إلى عقد تأجير يُرضي جميع الأطراف.
أما من الناحية التجارية، فتتوفر في الأسواق التقليدية مساحات مختلفة ومحددة من المحلات التجارية مع وجود ممرات واسعة لتعزيز التهوية الطبيعية وتبسيط الإجراءات اللوجستية، بالإضافة إلى تسهيل تدفق العملاء وزوار هذه الأسواق من خلال الممرات والطرق الموصلة إليها، كما نجد أن هناك اهتماما بتصنيف وتوزيع المحلات وفقاً لنوعية البضاعة التي توفرها وسعرها، بالإضافة إلى المأكولات والمشروبات مثل المقاهي ومحلات الحلوى العمانية والمطاعم الشعبية التي تعتبر سمة رئيسية للسوق العمانية التقليدية، وهذه النماذج تنطبق تماماً على أسس تقسيم المساحات في مراكز التسوق الحديثة وفقًا للفئات والأنشطة والسلع التي يوفرها مستأجرو المحلات، مما يشكل مزيجا رائعا لتجربة تسوق فريدة يتوافر فيها كافة الاحتياجات والخدمات التي يتطلبها الزائر.

ومن خلال ما تقدم، فإننا نجد أن هناك تشابها كبيرا بين أسواق عمان التقليدية التي أنشئت منذ أكثر من 350 عامًا والنمط الحديث لمراكز التسوق، وإضافة إلى كونهما وجهة للتسوق وتوفير الاحتياجات الضرورية فإن النمطين يشتركان في الكثير من المكونات والأنظمة الأساسية، علاوة إلى أنهما يمثلان مركز إشعاع للجانب الثقافي والاجتماعي للمجتمع من خلال التواصل واللقاء في هذه الأسواق، كما أنهما يمثلان وجهة سياحية أساسية في العصر الحديث.



أساس

تعليق عبر الفيس بوك