مجلس حقوق الإنسان في مرحلة قلقة

 

عبدالنبي العكري

عقد مجلس حقوق الإنسان في جنيف دورته 34 خلال الفترة ما بين 27 مارس/ آذار 2017 و24 أبريل/ نيسان 2017 في مرحلة قلقة، تشهد تراجعات كبيرة في العلاقات الدولية وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان. ومن أبرز هذه التطورات وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في أقوى دولة في العالم، والأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية، بما في ذلك حقوق الإنسان. وكان ترامب واضحاً في برنامجه وخطاب التنصيب بأنه غير معني بحقوق الإنسان في العالم، بل وغير متسامح فيما يتعلق بالولايات المتحدة، وظلت إسرائيل هي الثابت في سياسة ترامب كما لدى أسلافه؛ لكنه ذهب بعيداً في أنه لن يسمح بالتعرض لإسرائيل أمنياً أو سياسياً، وأنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وكان أول من استقبله من زعماء العالم بعد رئيسة الوزراء البريطاني، تيريزا ماي، هو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وكان التطابق في المواقف بشكل مذهل، إلى حد طلب ترامب بلطف من نتيناهو أن يؤجل مشاريع الاستيطان، لكنه بالمقابل يتفهم أهمية الاستيطان.

أما التغيير الثاني فجرى في أوروبا من حيث خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وترتب على ذلك استقالة رئيس الوزراء البريطاني المتزن كاميرون، ووصول زعيمة حزب المحافظين، وزيرة الخارجية الصارمة، تيريزا ماي الى رئاسة الوزراء البريطانية، مذكرة إيانا بمارجريت ثاتشر اليمينية، وكانت تيريزا ماي أول زعيم أجنبي يزور واشنطن، لتعلن بكل صراحة تأييدها الضمني لبرنامج ترامب، فيما يخص تحصين أميركا من غير المرغوب منهم من الزائرين المسلمين والمهاجرين اللاتينيين، والإجراءات الحمائية في التبادل التجاري والسفر والتنقل.

وقد وصل تسونامي ترامب الى أوروبا، وخصوصاً في بلدان تعاني من مشاكل موجات المهاجرين وعدم الاندماج الاجتماعي مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، وخصوصاً في ظل إجراء انتخابات كما في هولندا أو حملات انتخابية كما في ألمانيا وفرنسا مما صعد من حملات التخويف ضد الأجانب، والعزف على وتر الوطنية الشوفينة والذي تمثله مارين لوبان في فرنسا، وفيلدرز في هولندا.

وإذا كانت أوروبا قد تنفست الصعداء بفوز الحزب الليبرالي في هولندا، فإن قلقاً لإمكانية فوز لوبان بالرئاسة الفرنسية، وتقدم اليمين في ألمانيا والحبل على الجرار.

أما الوجه الآخر لذلك فهو توافق اليمين في أميركا وأوروبا، بالتحالف مع أنظمة تسلطية مثل روسيا، والصين، ضمن استراتيجية مكافحة الإرهاب، أو احتواء الهجرة، واستبعاد دعم الشعوب لتغيير الأنظمة الاستبدادية، فلم يعد ذلك شأنها.

إن المتابع لمجريات الأمور في الدورة 34 لمجلس حقوق الإنسان يلحظ تغييراً كبيراً في مناقشات حقوق الإنسان والقضايا المطروحة في دورة المجلس هذه، مع تباين بالتأكيد في مواقف هذه الدول لكن هناك اصطفافاً حول قضايا محورية بشكل مقلق ينذر بتدهور لأوضاع حقوق الإنسان.

فالملاحظ أن إجماع الدول الأوروبية بشأن الكثير من القضايا، قد انتهى وكذلك التوافق فيما بين الدول الديمقراطية، بقيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد انفرط عقده. وبالمقابل تشكل توافقاً وبدوافع مختلفة يبين الأنظمة اليمينية والاستبدادية في أميركا (الولايات المتحدة، والبرازيل، وفنزويلا وكوبا والأرجنتين) وأوروبا (المملكة المتحدة ودول جنوب وشرق أوروبا عدا تشيكيا) ودول آسيا (الصين والهند وباكستان والفلبين وتايلند وأحياناً كوريا الجنوبية واليابان) ودول وسط آسيا (كازخستان وطاجكستان وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا) والدول العربية مجتمعة التي تتنازع فيما بينها، وتتفق ضد حقوق الإنسان ومنهم دول إفريقيا باستثناء جنوب إفريقيا، وبالطبع تبرز «إسرائيل» متفردة ككيان عنصري محتل لفلسطين والأراضي العربية، حيث لا حقوق إلا لليهودي الصهيوني. وباقي البشر أغيار يحق استباحتهم ومع التفاوت في المواقف، فإنه يُلاحظ توافق واسع فيما بين هذه الدولة، فلأول مرة في تاريخ مجلس حقوق الإنسان يوافق على عدد من القرارات المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان بغالبية ضئيلة لا تصل إلى العشرين من بين سبعة وأربعين صوتاً، فيما كانت هناك معارضة يعتد بها أو امتناع كبير عن التصويت، فمثلاً مشروع القرار L9 من البند 3 بشأن تعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المقدم من قبل سويسرا ووافق عليه بـ 19 صوتاً، مع طرح البعض للخصوصية الدينية والثقافية مجدداً في نفي لعالمية هذه الحقوق.

أما مشروع القرار L20 والذي يقترح إقامة منتدى لحقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون يضم الأطراف المعنية من الدول والأمم المتحدة والمجتمع المدني، وقد عارضت الصين بحجة أن بعض منظمات المجتمع المدني تروج للنزعات الانفصالية والسياسية، أما كوبا فقد عارضت لأنه يفترض نموذجاً واحداً للديمقراطية أو حقوق الإنسان وهو ما ترفضه. أما مصر فقد عارضت لأنه يفتح الباب أمام منظمات المجتمع المدني غير المعتمدة في الأمم المتحدة.

أما مشروع القرار L35 - وقد أقر من دون تصويت - من البند 10 بشأن تعزيز التعاون الفني في مجال حقوق الإنسان ما بين المفوضية السامية والدول الأعضاء، فقد تحفظت عليه البرازيل لأنه يتضمن ضمان حرية المنظمات غير الحكومية، من دون النص على ضرورة التزامها بالقوانين المحلية. مشروع القرار L31 من البند 10 حول تعزيز إجراءات تكميلية لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري المقدم من قبل تونس فقد تحفظت عليه كل من أميركا والبرازيل والغريب الاتحاد الأوروبي، بحجة عدم تشتيت الجهود والتركيز على العهد الدولي لمناهضة التمييز العنصري الحالي وهو مشروع القرار الوحيد الذي أقر بغالبية كبيرة بنسبة 31 صوتاً ومعارضة 4 وامتناع 12.

وتكرر السيناريو ذاته في مشروع القرار L28 للبند 10، بشأن إقامة منتدى للمنحدرين من أصول إفريقية ومقدم من جنوب إفريقيا، وقد تحفظ الاتحاد الأوروبي عليه لأنه لا يذكر التمييز في الدول الإفريقية ذاتها، وهي محقة هذه المرة. وأقر المشروع من دون تصويت، ونأتي إلى مشاريع القرارات الشائكة. الأول هو مشروع القرار بموجب البند 7 بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وقدمته باكستان نيابة عن الدول الإسلامية، وهنا برزت خطورة التوجهات الجديدة. فقد عارض المندوب البريطاني ما أسماه الاستفراد بإسرائيل دون غيرها، أما البرازيل فقد تحفظت على صيغة البيان الذي لا يشير إلى المخاطر التي تواجهها إسرائيل، أما ألمانيا وهولندا وفي موقف موحد فاعترضتا على مقاطعة إسرائيل اقتصادياً، وقد أقر بغالبية 36 ومعارضة 2 وامتناع 9، في حين كان مثل هذا القرار يحظى بما يشبه الإجماع مع معارضة أميركا.

هذه في عجالة لمحة عن الاصطفافات الجديدة في التحالفات الدولية فيما يخص حقوق الإنسان من خلال التصويت على مشاريع القرارات، وتبقى هناك الحاجة لتحليل خطابات مندوبي الدول خلال مناقشات جدول الأعمال. ومن الملاحظ أن المفوض السامي في كلمته الافتتاحية طرح قضايا وليس بلداناً؛ لكنه وفي تقريره للمجلس عن عمل المفوضية بين دورتي المجلس عرض لانتهاكات 82 دولة، وهو ما جاز عليه هجمات غير مسبوقة وغير لائقة من عدد من الدول وهو نذير شؤم.

الأكثر قراءة