أولًا: مستعد للتحالف مع الشيطان ضد "داعش".. أخيرا: الهجوم الكيماوي يدفعني لتغيير سلوكي تجاه الأسد

ترامب يبحث عن "شيطانه" في فخ الشرق الأوسط

 

 

 

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي - الوكالات

59 صاروخاً أربَكَت كل حسابات المُحللين الذين أرهقوا أنفسم وأرهقونا معهم في تفسير تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: "مُستعد للتحالف حتى مع الشيطان في سبيل القضاء على المُتطرفين". بصواريخ "توماهوك" المتساقطة على قاعدة الشعيرات العسكرية السورية فاجأ ترامب كثيراً من الأطراف التي ركنت إلى تفسير تصريحات ترامب على أنَّها تأتي في صالح بشار الأسد بالدرجة الأولى، وتمثل تمهيدًا لتحوَّل درامي في موقف أمريكا العسكري في الشرق الأوسط، والصراع السوري تحديدا، خصوصًا وأن الرئيس الأمريكي قال أكثر من مرة إن مسألة الإطاحة بالأسد باتت ثانوية، وإنّ الصدارة الآن لأي وسيلة تقضي على مقاتلي "داعش".. لكنه اليوم يقول إن "الهجوم البشع والمريع الذي وقع في سوريا، يدفعه إلى تغيير سلوكه تجاه الأسد.

لكن ذلك لم يحسم المواقف في النهاية، وإن فتح الباب لمزيد من التفسيرات والتكهنات مع رجل غير قابل للتوقع! فإذا كان هذا موقفا حاسما في مواجهة أو "تأديب" الأسد، فمن كان يقصد ترامب حين أبدى استعداده للتحالف مع الشيطان في مواجهة "داعش"؟ طبعًا إذا استثنينا التحالفات الموجودة بالفعل قبل وبعد وصول ترامب للسلطة. وهل يمكن اعتبار ذلك بداية لتغير التوازنات بين النظام السوري والمعارضة المسلحة؟ أم أنَّ الأمر لا يزيد على رد فعل يقدم ترامب في صورة الرجل الذي تحركه مشاعره الإنسانية حزنًا على أطفال سوريا كسبًا للتأييد وغسلًا للسُمعة؟! وإن كان السؤال الأخير مردود عليه بما نشرته «نيويورك تايمز» حول إنَّ أبرز المعارضين للضربة العسكرية التي شنّها ترامب هم داعمو حملته الانتخابية، المنتمين لليمين المتطرّف، الذين اتهموه بعدم الوفاء بوعوده بإبقاء الولايات المتحدة خارج صراع آخر في الشرق الأوسط. كما أنَّ الكتّاب البارزين وأصحاب المدوّنات، من اليمين المتطرّف، هاجموا ترامب، واتهموه بأنه ينقلب على ناخبيه، من خلال شنّه هجومًا قال عنه، على مدى سنوات، إنه "فكرة سيئة"، خصوصا إذا تم ذلك دون الحصول على موافقة الكونغرس.

روسيا نفسها في مقدمة من أصابهم الارتباك، وإن ظهر عكس ذلك رسمياً، فأمام روسيا جملة سيناريوهات تفسيرية للتحوّل السريع في موقف ترامب، بعد سيل الإشارات الإيجابية التي صدرت عن المسؤولين في الإدارة الأميركية مؤخرًا. وتأخذ روسيا في الحسبان أن ما جرى، ربما يعود في الأساس إلى صراعات داخل الإدارة الأميركية نفسها، سواء كان قرار القصف قد جاء نتيجة ضغوط من جانب النخبة العسكرية والمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة على دونالد ترامب، أو أن الأمر حركة التفاف ترامبية على الخصوم الداخليين، في ظل تصاعد الانتقادات المتزايدة لسياسة التقارب التي روّج لها مع الجانب الروسي.

كما تضع روسيا في الاعتبار سيناريوهات أكثر تطرّفاً لتفسير الضربة، التي عززت التكهنات بشأن معركة مطارات تنوي الولايات المتحدة فتحها، بنسخة جديدة. ومهما تكن الفرضيات المطروحة على بساط البحث، فإن معظم التحليلات الروسية ذهبت في اتجاه واحد، وهو أن دونالد ترامب كشف عن وجهه الحقيقي، سواء في العلاقات مع روسيا، أو في تعامله  مع الملف السوري. في هذا السياق، قالت صحيفة «إزفستيا» إن "ترامب يرسل التوماهوك لإسعاد الإرهابيين". وتساءلت الصحيفة الروسية: «في أي ميدان يلعب الأميركيون؟ هل يلعبون في ميدان الإرهابيين؟»، مشيرة إلى أن ما حصل يظهر أن «هناك دعماً أميركياً واضحاً للمجموعات الإرهابية، من خلال تقليص القدرة الجوية» للجهات التي تحاربها. كما كتب المحلل ماكسيم يوسين في صحيفة «كومرسانت»، إن «السياسة الخارجية لترامب بدأت اليوم»، بعدما اقتصرت حتى الأمس القريب على «العبارات والبيانات الملتبسة بجملها». وأضاف: «طالما أن هذا الرجل باق في البيت الأبيض، فإنّ السياسة الأميركية ستبقى غامضة وغريبة، وستشهد استدارات إلى 180 درجة في غضون ساعات»، مشيراً إلى أنه "في ظل وجود هذا الرئيس تحديداً، ينبغي على العالم أن يبقى متنبهاً قدر الإمكان، لأن احتمالية حرب عظمى، بما في ذلك حرب نووية، ستبقى قائمة، أكثر مما كانت عليه في عهد باراك أوباما".

تباينت ردود الأفعال، لكنها اتفقت فيما بينها على أنَّ الهجوم الأميركي على القاعدة الجويّة السوريّة لم يكن سوى التكريس الرسمي لسياسة الرئيس الجديد دونالد ترامب الحربيّة الجديدة بعد أقل من ثمانين يوماً على توليه السلطة. وهي سياسة تقوم على نقل الصلاحيات لاتخاذ القرارات العسكريّة التكتيكيّة من ذوي الياقات البيضاء في البيت الأبيض إلى صقور البنتاغون، بعد 8 سنوات طويلة من تحكم إدارة الرئيس باراك أوباما بتلك القرارات، الأمر الذي يُهدد بتصعيد نوعي على جبهات كثيرة، لاسيما في الشرق الأوسط، وأوكرانيا وربما إيران وفنزويلا.

 

تعليق عبر الفيس بوك